“الأسعار مُحلقة والرواتب بالأرض”..تجهيزات المدارس تنهك جيوب السوريين
بداية عام دراسي جديد، تحمل أثقالاً فوق أثقالٍ أنهكت جيوب شريحة واسعة من السوريين، الذين يتكبدّون مشقة كبيرة لتأمين المستلزمات المدرسية، من قرطاسية وملابس وحقائب، يصل ثمنها لمئات آلاف الليرات السورية، وهو ما يعادل “ثروة” بالنسبة لحجم الدخل المحدود.
“لا الأسعار ترحم ولا الرواتب تكفي” تقول السيدة سمر المقيمة في دمشق، وهي أم لثلاثة أطفال، اثنان منهم بعمر المدرسة، متحدثة ونبرة الهم في صوتها، عن مشقة كبيرة تتكبدها في تأمين لوازم المدرسة لطفليها في الصف الخامس والثالث.
مستلزمات تحتاج “ثروة”
تقول سمر، إنها لم تتفاجأ من حجم الأسعار في الأسواق، كونها اعتادت وكثيرٌ من السوريين على الغلاء “الفاحش”، ومع ذلك وصفت الأسعار بأنها “غير منطقية” قياساً بدخل الفرد في سورية.
“قرطاسية وملابس وحقائب تحتاج ثروة” تقول سمر لـ”السورية نت”، مشيرة إلى أن تجهيز طفليها للمدارس كلفها قرابة 500 ألف ليرة سورية، مع اختصار بعض المستلزمات.
إذ يبدأ سعر الحقيبة المدرسية، بحسب سمر، من 50 ألف ليرة سورية للحقيبة ذات الجودة الرديئة ويصل إلى 120 ألفاً للحقيبة الجيدة، مشيرة إلى أنها اشترت حقيبتين بسعر 200 ألف ليرة، كي لا تضطر إلى شراء حقائب مرة أخرى في منتصف العام الدراسي.
أما عن القرطاسية وما تتضمنها من دفاتر وأقلام وألوان وغيرها، تقول إن تكلفتها في المكتبات العادية تصل إلى 100 ألف للطالب الواحد، في حين تصل إلى 70 ألف في المراكز التجارية المدعومة من قبل الدولة.
وتضيف أن أسعار الملابس المدرسية (الصدرية) تبدأ من 30 ألفاً للصدرية الواحدة، وقد تصل إلى 50 ألفاً لدى بعض المحلات.
أما السيدة صفاء، وهي أم لثلاثة أطفال بعمر الدراسة، تقول لـ “السورية نت” إنها عاجزة عن توفير جميع المستلزمات المدرسية لأطفالها، إذ تحتاج مبلغاً يفوق 700 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل ضعفي دخل أسرتها، حسب وصفها.
ويدرس أبناء صفاء ضمن صفوف الثامن والسادس والثاني، في مدارس عامة، مشيرةً إلى أنها تعمل خارج المنزل في محل لبيع العطورات في دمشق، من أجل مساعدة زوجها على زيادة الدخل.
“بالكاد نستطيع تأمين المستلزمات الأساسية من مأكل ومشرب ومحروقات وإيجار منزل وغيرها.. فكيف لنا بتحمل هذه الأعباء الإضافية” تقول صفاء، وتضيف أنها لم تشترِ كافة المستلزمات لأطفالها، واعتمدت على الحقائب التي كانت لديهم السنة الماضية، رغم أن بعضها “مهترئ”.
وأشارت صفاء إلى أنها اشترت القرطاسية من “مجمع الأمويين” بدمشق، الذي يُعتبر أرخص “نوعاً ما” من المكتبات العادية، كونه أحد صالات “المؤسسة السورية للتجارة”، ومع ذلك كانت الأسعار فيه “لا تتناسب مع دخل الأسرة”.
أما عن الملابس، فقد اضطرت صفاء لشراء ملابس مدرسية جديدة لطفلها في الصف السادس فقط، واعتمدت على “الصدرية” القديمة لطفلتها في الصف الثاني، ولم تشترِ لابنها الذي يدرس في المرحلة الإعدادية، موضحة أن المدارس الإعدادية والثانوية العامة لم تعد تُلزم الطلاب بتوحيد اللباس.
المدارس الخاصة “حلم” والعامة “ظلم”
بالحديث عن العام الدارسي الجديد، الذي بدأ في 4 سبتمبر/ أيلول 2022، تنتاب الحيرة بعض الأسر، حيال تسجيل أبنائهم في مدارس عامة أو خاصة.
يقول إياد، والد لطفلة في الصف الثالث، إنه لا يحبّذ تسجيل ابنته في مدرسة عامة “نتيجة غياب الاهتمام اللازم عنها، من تدفئة في الشتاء ورعاية صحية وما إلى ذلك”.
ويضيف ذات المتحدث المقيم في دمشق لـ”السورية نت”، أنه سجّل ابنته في مدرسة عامة عندما كانت في الصف الأول، إلا أنها لم تكن بالمستوى المطلوب، فاضطر لنقلها إلى مدرسة خاصة تكلفه ملايين الليرات سنوياً.
ويصل متوسط قسط المدرسة الابتدائية في دمشق، بحسب إياد، إلى 2 مليون ليرة سورية، عدا المواصلات التي تصل إلى مليون ليرة في السنة، مضيفاً أنه الخيار الأفضل بالنسبة له، طالما أن وضعه المادي يسمح بذلك، واصفاً المدارس العامة بـ “الظلم للأبناء والبنات”.
يُشار إلى أن متوسط الرواتب في سورية هو 146 ألف ليرة سورية شهرياً، فيما يصل الحد الأعلى إلى 660 ألف، بحسب موقع “salaryexplorer”، ما يجعل المدارس الخاصة “حلماً” بالنسبة لكثير من السوريين.
مبادرات “لحفظ ماء الوجه”
قبل أسابيع على انطلاق العام الدراسي، روجت “المؤسسة السورية للتجارة” في حكومة النظام، إلى توفير جميع المستلزمات المدرسية في الصالات التابعة لها بأسعار مخفضة بنسبة 30%.
إلا أن السيدة صفاء (37 عاماً) توضح لـ “السورية نت” أن المنتجات المتوفرة أقل جودة من تلك الموجودة في الأسواق، ومع ذلك تبقى الخيار الأفضل للكثيرين من أصحاب الدخل المحدود.
وكانت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، تحدثت في تقرير لها عن نفاد الدفاتر المدرسية من بعض صالات “السورية للتجارة”، بعد 10 أيام على طرحها، مشيرةً إلى “استياء وشكاوى كثيرة للمواطنين”.
ونقلت الصحيفة عن مدير المؤسسة السورية للتجارة، زياد هزاع، أن الإقبال الشديد على الدفتر فاق توقعات المؤسسة، حيث وصلت المبيعات يومياً في بعض الصالات إلى 24 مليون ليرة تقريباً، متحدثاً عن توقيع عقود جديدة لطرح كميات أخرى من الدفاتر.
إلى جانب ذلك، أعلنت “السورية للتجارة”، الشهر الماضي، عن فتح باب التقسيط على القرطاسية والألبسة المدرسية والحقائب، بسقف قدره 500 ألف ليرة سورية دون فوائد، على أن يتم تسديده خلال 12 شهراً اعتباراً من الشهر الذي يلي محضر الاستلام.
إلا أن العرض يشمل العاملين في مؤسسات الدولة فقط، وبالتحديد العاملين الدائمين والعاملين بعقود سنوية غير منتهية.