“الإدارة الذاتية” تحاكم عناصر التنظيم.. “فرصٌ ضعيفة” بالشرعية الدولية
أعادت “الإدارة الذاتية”، العاملة في شمال شرق سورية، إثارة الجدل حول ملف محاكمة آلاف الأشخاص المحتجزين لديها، ممن يُشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، القضية التي ضغط بها الإدارة على الغرب منذ سنوات دون جدوى.
الجديد في حديث “الإدارة الذاتية”، هو إعلانها البدء بإنشاء محاكمات محلية، بينما كانت تطالب سابقاً بإجراء محاكمات دولية، تقودها الدول الغربية المعنية بالقضية.
وقالت الإدارة الذاتية في بيان لها، السبت الماضي، إنها ستعقد محاكم محلية علنية “عادلة وشفافة”.
وبررت خطوتها بأنها جاءت في ظل”عدم تلبية المجتمع الدولي نداءات ومناشدات الإدارة الذاتية للدول لاستلام مواطنيها من عناصر التنظيم”.
وأضافت أن هذه المحاكمات تأتي “إحقاقاً للحق، وإنصافاً للضحايا، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية”.
وتحتجز الإدارة داخل معسكرات تابعة لها حوالي عشرة آلاف شخص، ممن يُشتبه بانتمائهم لتنظيم “الدولة”، بينهم أشخاص من جنسيات أجنبية.
ولا يزال العناصر محتجزين منذ عام 2019، أي منذ طرد التنظيم من آخر المعاقل التي كان يسيطر عليها في الباغوز بريف دير الزور.
وترفض الدول الغربية استلام مواطنيها المحتجزين في معسكرات “الإدارة الذاتية”، وتعتبرهم مصدر تهديد لأمنها، كما ترفض إجراء محاكمات دولية لهم.
“الإدارة تعيد طرح نفسها”
يرى الباحث بدر ملا رشيد، مدير مركز “رامان للبحوث والاستشارات”، أن قرار “الإدارة الذاتية” بإجراء محاكمات محلية، يهدف إلى إثارة هذا الملف مرة أخرى، وإعادته لأجندة الدول المنخرطة بالشأن السوري.
وقال ملا رشيد في حديثه لـ”السورية نت”، إن بعض العناصر مر على احتجازهم 8 سنوات، ويعيشون ظروفاً “سيئة” دون محاكمات.
وأضاف أن هذا الملف “يمثل عبئاً على السكان المحليين وعلى الإدارة الذاتية نفسها، خاصة أن الدول الأصلية لهؤلاء العناصر لاتتطرق لمصيرهم، في ظل تسارع خطوات التطبيع مع النظام السوري من قبل العديد من الأطراف”.
وبحسب ملا رشيد فإن “الإدارة الذاتية ترغب بإعادة تسليط الضوء على وجودها كفاعل أمني وعسكري يجب التحاور معه”.
واعتبر الباحث المتخصص بالشأن الكردي، أن بقاء هذه الكتلة الكبيرة من عناصر التنظيم وعوائلهم يشكل تهديداً أمنياً للمنطقة.
وقال إنه “قد يفتح المجال أمام التنظيم لإعادة تقييم وضعه، ومتابعته لملف أشبال الخلافة عبر الحفاظ على تلقيهم لقيم التنظيم وحفظ سرديته من النشأة إلى السقوط، وهو أحد أكثر الأمور حساسية حالياً”.
هل تملك “الإدارة الذاتية” مؤهلات قضائية؟
في بيانها الصادر السبت الماضي، قالت “الإدارة الذاتية” إن المحاكم ستجري وفق القوانين الدولية والمحلية الخاصة بالإرهاب.
وذلك “بما يحفظ حقوق المدعين من الضحايا وأفراد أسرهم”.
وأكدت أن قرارها هذا لا يعني العدول عن ضرورة إنشاء محكمة دولية، أو محكمة ذات طابع دولي خاص بملف عناصر التنظيم.
إلا أن وسام الدين العكلة، الأستاذ في القانون الدولي، قال إن القانون الذي يتم تطبيقه من قبل محكمة الإرهاب (محكمة الدفاع عن الشعب) التابعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، هو قانون مكافحة الإرهاب الصادر عن “الإدارة الذاتية”، وليس القانون الولي.
وأضاف في حديثه لـ “السورية نت”، أنه من خلال النظر إلى المحاكم التي تعمل في منطقة “الإدارة الذاتية”، وعلى رأسها محكمة الإرهاب، فإن هذه المحاكم “لا تلبي الحد الأدنى من المعايير الدولية، خاصة فيما يتعلق بالاستقلالية والحياد”.
وتابع: “هذه المحاكم لا تضم قضاة متخصصين سبق أن مارسوا العمل القضائي أو من خريجي كليات الحقوق، وبعض العاملين فيها لا يحملون حتى الشهادة الثانوية، ولا يسمح للمحامين بالترافع أمامها أو الطعن في أحكامها”.
لذلك فإن الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم “لا يمكن أن تحظى بالشرعية القانونية على المستوى الدولي”.
مضيفاً “حتى في حال تمت محاكمة هؤلاء الأشخاص فمن المرجح أن تتم إعادة محاكمتهم مجدداً في بلادهم في حال تم استردادهم مستقبلاً”.
وبحسب العكلة: “يجب أن يتم تشكيل محكمة بشكل منتظم، وأن تكون مستقلة ومحايدة وتراعي شرط النزاهة، وتحترم الضمانات الأساسية لمحاكمة عادلة مثل حق الدفاع، وأن تضمن جميع الحقوق القانونية الأخرى”.
وكذلك، اعتبر الباحث بدر ملا رشيد، أن إجراء المحاكمات محلياً سيكون “صعباً”، في ظل غياب الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية وغياب القضاة المعروفين، حسب قوله.
تحديات الأمن والتمويل
إلى جانب التحديات القضائية، تواجه “الإدارة الذاتية” تحديات اقتصادية تتعلق بضعف قدرتها على تمويل إنشاء هذه المحاكمات.
وبحسب ملا رشيد فإن هذا القرار “سيفتح الباب أمام مخاطر أمنية جديدة، تتعلق بكيفية توفير الأماكن المناسبة لمحاكمتهم، إلى جانب أعباء اقتصادية لا تمتلكها الإدارة الذاتية”.
كما تحدث عن انعدام السجون والكوادر المتمكنة من حراسة هذه الأعداد الضخمة، وفق قوله.
من جانبه، قال الأستاذ في القانون الدولي، وسام الدين العكلة، أن هدف “الإدارة الذاتية” من هذا القرار هو “الحصول على تمويل من الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب”.
وأضاف: “من المتوقع أن تقوم الدول التي لديها موقوفين وترفض استردادهم بتقديم أموال للإدارة الذاتية لإجراء المحاكمات وإغلاق هذا الملف”.
واعتبر أن “الإدارة الذاتية ليس لديها نية حقيقية لمحاكمة عناصر التنظيم، خاصة أن بعض هؤلاء مضى على توقيفهم عدة سنوات”.
وختم بقوله: “هذا يعني أن الإدارة الذاتية تحاول استثمار هذا الملف وابتزاز التحالف الدولي للحصول على مكاسب سياسية ومالية”.
وسبق أن دعت “الإدارة الذاتية” عام 2019 إلى إنشاء محكمة دولية خاصة في شمال شرق سورية، لمحاكمة عناصر التنظيم المحتجزين.
إلا أن دعواتها لم تلقَ تجاوباً من الغرب، الذي يحاول التنصل من مواطنيه المنتمين سابقاً للتنظيم، خوفاً من “التداعيات الأمنية”.