منذ مطلع عام 2021 تخوض ميليشيات مدعومة من روسيا عمليات عسكرية برية في منطقة البادية السورية، وعلى الرغم من الدعم المقدم لها من قبل الطائرات الحربية، إلا أنها لم تتمكن وحتى الآن من كبح نشاط تنظيم “داعش”.
وباتت منطقة البادية السورية القاعدة الرئيسية التي تنطلق منها هجمات خلايا تنظيم “الدولة”، وذلك بعد قرابة عامين من إعلان الولايات المتحدة الأميركية القضاء على نفوذه بشكل كامل، بعد السيطرة على آخر معاقله في منطقة الباغوز بريف مدينة دير الزور.
وتبلغ مساحة البادية السورية نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وتتوزع على محافظات: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء.
وبحسب مراقبين فإن نشاط خلايا “داعش” في البادية يأتي ضمن استراتيجية مختلفة بشكل جذري عن استراتيجياته السابقة في القتال، خاصة من ناحية تنقّل المقاتلين أو أساليب الاستهداف المحددة.
“عبوات وكمائن”
وفي الوقت الذي تغيب فيه تفاصيل ما يجري على الأرض تشير شبكات محلية سورية، بينها مؤيدة لنظام الأسد إلى عمليات قتل شبه يومية لمقاتلي الأخير أو الميليشيات المساندة لها، كـ”الدفاع الوطني السوري”، “فيلق القدس”، “الفيلق الخامس”.
وتنحصر طريقة القتل بـ”العبوات الناسفة”، إلى جانب الكمائن التي تنفذها خلايا تنظيم “الدولة”، وخاصة في المنطقة الممتدة من ريف حمص الشرقي وصولاً إلى دير الزور.
وقبل أيام كان المتحدث الرسمي باسم تنظيم “الدولة”، “أبي حمزة القرشي” قد أشاد بعمليات خلايا التنظيم المنتشرة في البادية السورية وصحراء الأنباء في العراق، وباقي الأراضي العراقية.
وقال إن تلك العمليات هي السبب الرئيسي لحملات ملاحقة التنظيم في هذه المناطق من قبل “الحشد الشعبي” والجيش العراقي من جهة الأراضي العراقية، وجيش النظام والروس والميليشيات الإيرانية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في سورية.
واعتبر “القرشي” في تسجيل صوتي تناقلته معرفات تابعة للتنظيم أن عمليات ملاحقة خلايا الأخير في البادية “لا فائدة منها”.
“مترامية الأطراف”
ويستبعد المحلل والخبير العسكري، العقيد إسماعيل أيوب أن يتمكن الروس من إنهاء نفوذ “داعش” في البادية السورية “في وقت قريب”، وذلك تقف ورائه عدة أسباب، من بينها صعوبة تضاريس المنطقة.
ويقول أيوب في تصريحات لموقع “السورية.نت”: “المعارك تدور في منطقة يبلغ طولها 180 كيلومترا بدءا من مطار التيفور ووصولا إلى جبال البشري في محافظة الرقة. وبعرض 90 كيلومترا”.
ويضيف المحلل العسكري: “القصف الروسي مستمر منذ خمسة أشهر. هل هذا الحديث ينتهي في أسبوع أو 3 أشهر؟. لا أحد يعرف لأن المنطقة مفتوحة على البادية التدمرية وموصولة أيضا مع بادية الأنبار، وبالتالي من السهولة على داعش التنقل فيها”.
ماذا عن إيران؟
في غضون ذلك، وبينما تعلن فيه موسكو استمرار ضرباتها الجوية على مواقع تنظيم “الدولة” في البادية السورية يغيب أي موقف من جانب طهران، التي تعتبر حليفة ثانية لنظام الأسد، وتنتشر ميليشياتها في عموم المحافظات السورية.
وللميليشيات الإيرانية قواعد عسكرية وحواجز في مناطق متفرقة في البادية السورية، وبالأخص على الطريق الواصل بين ريف حمص الشرقي ومحافظة دير الزور.
وبحسب أيوب فإن معارك البادية تهم موسكو أكثر من طهران، كون الأولى تسعى إلى حماية المناطق الاقتصادية التي تسيطر عليها، وخاصة حقول الغاز في توينان وآراك والشاعر.
ويضيف أيوب: “الروس يريدون حماية مصالحهم والعقود طويلة الأجل التي وقعوها بخصوص الآبار النفطية والغازية”.
من جانبه يقول الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان إن أسباب عدم مشاركة الميليشيات الإيرانية بقوة في معارك البادية يعود إلى توجه روسيا منذ مطلع العام الحالي لاستلام دفة قيادة تلك العمليات.
ويضيف شعبان في تصريحات لموقع “السورية.نت”: “إيران لاحظت أن موسكو ستكون القائدة الاستراتيجية ورأس الحربة لميليشياتها الأمر الذي دفعها للتراجع”.
وتعتمد موسكو في عملياتها العسكرية ضد تنظيم “الدولة” على 3 ميليشيات رئيسية، بحسب شعبان، وهي “الدفاع الوطني”، “فيلق القدس”، قوات “الفيلق الخامس”.
ويوضح الباحث أنه ورغم زج الميلشيات المذكورة وما يوازيها من ضربات جوية مستمرة إلا أن ذلك لم يسفر عن أي نتائج فعلية على الأرض.
ثلاثة أسباب
وبوجهة نظر شعبان فهناك 3 أسباب تقف وراء عدم قدرة موسكو على كبح نشاط تنظيم “الدولة” في البادية حتى الآن، رغم الكثافة النارية التي تنفذها في المنطقة.
أولى الأسباب هي المساحة الكبيرة التي تمتد عليها البادية، حيث تتوزع على مختلف المحافظات السورية، من الرقة إلى حمص ودير الزور وحماة وحلب.
أمام السبب الثاني، يضيف الباحث السوري: “يرتبط بمعرفة تنظيم الدولة بتضاريس وطبيعة القتال في البادية، خاصة أنها كانت ضمن نفوذه قبل الإعلان عن إنهاء وجوده العسكري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. هذه المعرفة تسهّل عليه التحرك وتنفيذ الهجمات”.
وهناك سبب ثالث يرتبط بالاستراتيجية القتالية التي يسير فيها التنظيم، من خلال الضرب والعودة بسرعة إلى أماكن غير معروفة.
ويتابع شعبان: “هذه الاستراتيجية تصعّب من عملية تحديد مواقع هجماته، لاسيما في ظل عدم كفاءة العمل العسكري للميليشيات في المنطقة”.