التسويق الالكتروني..ملاذ لسوريين تضررت مهنهم بسبب “كورونا” في تركيا
فرضت ظروف جائحة “كورونا” وما رافقها من قرارات الحظر، وتعطيل العديد من المصالح التجارية منذ أكثر من عام، واقعاً جديداً اضطر معه العديد من السوريين في تركيا للبحث عن فرص عمل جديدة، تؤمن لهم دخلاً مالياً يعينهم على متطلبات الحياة.
وراجت بالتزامن، مهنة التسويق الالكتروني في مجموعات السوريين على وسائل التواصل الإجتماعي، والتي تحول بعضها لمنصات عرض البضائع على اختلاف أنواعها، مثل الألبسة والأدوات المنزلية والعطورات ومعدات التجميل وغيرها.
ولجأ بعض اللاجئين السوريين لتطوير عملهم بشكل احترافي، عبر إنشاء متاجر الكترونية خاصة، تحوي مجموعة واسعة من البضائع بعضها لشركات معروفة، وآخرون فضلوا الاعتماد على مجموعات مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي، سوّقوا فيها لبضائعهم.
عبير وهو ربة منزل تقيم في مدينة أنطاكيا إحدى هؤلاء السيدات اللواتي نشطّنَ منذ قرابة العام في هذا المجال.
تقول لـ”السورية.نت”، إنها و”مع تكرار الحظر وتوقف عمل زوجي في البناء عرضت علي إحدى صديقاتي، العمل كمندوبة لشركة (فارمسي) التركية التي تختص بمواد التجميل والعطورات. بدايةً شعرت أن الأمر سيكون صعباً، لاسيما أن عدد من أعرفهم قليل لكن الظروف المعيشية السيئة فرضت هذا التحدي، وبدأت عبر انشاء صفحة على الفيس ومجموعة على تطبيق واتس آب”.
وتضيف الشابة الثلاثينية:” وجدت بعض الصعوبات بداية في توصيل البضائع والتعامل مع أذواق الناس، لكني وسعت عملي وأضفت منتجات متنوعة واليوم لدي أكثر من 470 زبوناً، وتطور عملي كثيراً وأصبح يؤمن لي دخل مالي يعين أسرتي”.
تؤكد عبير أن “التسويق الإلكتروني كأي مهنة أخرى يحتاج للكثير من الصبر وبحاجة دائمة للأفكار الجديدة و التطوير”، وترى أن المستقبل يتجه لخدمات الانترنت بشكل موسع لاسيما مع الواقع الجديد الذي فرضته الجائحة.
ومثل عبير أتاح التسويق الالكتروني للشابة هبة عنداني (25 عاماً) إمكانية استثمار وقتها وتأمين فرصة عمل بدخل تقول إنه “لا بأس به”.
تطوّر عمل هبة التي بدأت في هذا المجال قبل عام ونصف تقريباً، لتصبح اليوم مندوبة رسمية لشركة عطورات ومكياجات تركية.
وترى أن أهم ما يميز هذا المجال هو العلاقات الاجتماعية، وإمكانية استفادة عدد كبير من ربات المنازل من وقت فراغهن، كما أنه لا يحتاج لتكاليف مرهقة كاستئجار متجر في الأسواق، أو دفع ضرائب، كما أنها تعتبر أن مخاطره قليلة.
صعوبات عرقلت العمل
تجربة أخرى يرويها زياد شريتح، وهو مدرسٌ سوري يقيم في أنطاكيا، وقد أنشئ متجراً إلكترونيا قبل أشهر يعرض فيه بضائع عدة شركات.
يجيب زياد حول دافعه بالعمل في التسويق الالكتروني، بأن دخله الأساسي الذي يتقاضاه من المدرسة (2020 ليرة تركية) لا يكفي، مضيفاً:”مثل معظم السوريين هنا، يضطر الغالبية لمزاولة أكثر من عمل بنفس الوقت لسد احتياجات الحياة.اخترت التسويق الإلكتروني لأنه عملٌ يمنح صاحبهُ مرونة وراحة من حيث أوقات العمل، وبالإضافة لذلك فإن التسويق الالكتروني عمل يتم عن طريق الانترنت ومن المنزل، ومن أي مكان، لا يحتاج إلى مصاريف كثيرة”.
لم يكتب للمدرس الثلاثيني النجاح، وتوقف بعد فترة من بدء تجربته لـ”صعوبات عديدة”، أهمها “ارتفاع أجور الشحن وصعوبة الاتفاق مع شركات الشحن بالنسبة للمتاجر الصغيرة”.
أما المشكلة الأكبر فهي بوابات الدفع (تحصيل ثمن المنتج من المشتري)، إذ يوضح شريتح لـ”السورية.نت”، أن”الطريقة الأسهل والأكثر تداولاً لدى أصحاب المتاجر الإلكترونية الصغيرة، هي استخدام بطاقات باي بال (PayPal) وهي شائعة عالمياً، خاصة في دول الخليج العربي وبقية الدول العربية، وهي تمثل سوق التصريف الأساسي بالنسبة للمسوقين إلى خارج تركيا، إلا أن هناك صعوبات في استخراج بطاقات باي بال في تركيا”.
وبحسب زياد يتمثل الحل الآخر بالحصول على حساب بنكي خاص بالشركات، وهذا يضطر صاحب المتجر إلى ترخيص شركة، وهو “حل مكلف للغاية ولا يتناسب مع إمكانيات أصحاب المتاجر الصغيرة”.
تجارب احترافية
في تجارب أخرى بدت أكثر احترافية، تفرغ محمود هواش وهو سوري يقيم في مدينة اسكندرون جنوب تركيا، لعمل التسويق الالكتروني بعد أن أغلق مطعمهُ نتيجة توالي قرارات الحظر بسبب الوباء.
نجح هواش كما يروي تجربته لـ “السورية نت”، بتأمين مصدر دخل كافٍ ومستقل، وتوسع من العمل المحلي ليصدّر بضائع من تركيا إلى دول أوروبية وخليجية عبر متجره الالكتروني.
بداية الفكرة بدأت من توصيات طلبها بعض أصدقاءه لأصناف سورية غير موجودة في هذه الدول، مثل عباءات ومناطي وحجابات سورية، ثم تطور الأمر بحسب قوله إلى ترخيص شركة في تركيا لتسهيل عمليات التصدير من خلال متجره الالكتروني.
يرى محمود أن “المتاجر التقليدية لم تعد تجذب الناس مثل السابق، ومن الضروري مجاراة التطور الالكتروني”، مشيراً إلى أن “نجاح التسويق الالكتروني يرتبط بعدة عوامل رئيسية أولها معرفة السوق المستهدف، والتفرد بنوعية معينة من البضائع، وطريقة العرض، وترك المجال للزبائن لتقييم المنتج على الموقع الالكتروني بشفافية لأن هذا الأمر يطمئن المشترين بشكل أكبر”.
وحول طريقة شراءه البضائع وأماكن تخزينها، قال إن “المنتجات التي يعرضها هي نماذج يتم الاتفاق عليها مع معامل أو شركات ألبسة أو حتى ورشات خياطة وتتم التوصية على عدد الطلبات التي تأتي مع ترك هامش للربح”.
ويؤكد محمود في ختام حديثه لـ “السورية” أن من “أبرز مزايا هذا العمل هو عدم وجود خسائر كبيرة كما هو الحال عند الحاجة لفتح متجر حقيقي ورأس مال هذا العمل لا يتجاوز 1000 دولار، و هي تكاليف تدفع لمرة واحدة(حجز موقع الكتروني وتصميمه)”.
شركات مختصة
وللتسويق الالكتروني أبعاد أخرى بدأ يستخدمها بعض السوريون المزاولين للمهنة في تركيا، من خلال استخدام شركات إعلامية مختصة في نشر منتجاتهم.
تنشط شركة “معراج للخدمات الإعلامية والتسويق الالكتروني” بشكل فاعل في مدينة أنطاكيا، وتقدم خدماتها للتجار السوريين من خلال بث صور وتسجيلات مصورة واعلانات ممولة لهذه النشاطات، بعضها مطاعم وأخرى متاجر غذائية تقدم عروض أو متاجر ملبوسات.
وبحسب الناشط والمصور عمر يونس، فقد زاد الطلب بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة الإقبال على خدمات التسويق الإلكتروني والإعلانات عبر وسائل التواصل، نظراً للنتائج التي يحققها أصحاب التجار والمصالح منها.
ويؤكد يونس، أن تركيا منذ سنوات تشهد طفرة كبيرة في مجال التسويق الالكتروني، إذ تتجه الشركات كما يقول للاعتماد عليه، مشيراً إلى أن الظروف الصحية سرّعت من تطور المجال، كما ساعدت الكثير من السوريين على إيجاد فرص لتحسين دخلهم.