التصعيد في إدلب..سياسة ممنهجة أم رسائل روسية “لاستعادة الهيبة”؟
عادت الطائرات الحربية الروسية لاستهداف المدنيين في محافظة إدلب، حيث ارتكبت اليوم الأحد مجزرة جديدة، في سياسة تصعيدية تنتهجها إلى جانب قوات الأسد منذ أسبوع.
وتعاقبت ثلاث طائرات حربية روسية، اليوم، على قصف مناطق متفرقة في شمال غربي سورية، أبرزها سوقاً للخضار في مدينة جسر الشغور.
وحسب بيان لفريق “منسقو الاستجابة”، استهدفت الطائرات الحربية أحياءً سكنية وأسواق شعبية، أبرزها مدينة جسر الشغور، إضافة إلى مناطق في ريف إدلب الجنوبي وريف اللاذقية.
وأشار البيان إلى أن القصف خلف كحصيلة أولية، بلغت 11 قتيلاً وأكثر من 34 آخرين جريحاً.
في حين ذكر الدفاع المدني السوري، أن عدد القتلى بلغ تسعة أشخاص وأكثر من 30 مصاباً بينهم حالات خطرة.
وجاءت مجزرة الشغور بعد مقتل مدنيين، أمس السبت، في استهداف الطيران الروسي بالصواريخ منطقة النهر الأبيض وقرية بسبت في ريف إدلب الغربي.
“سياسة إجرامية”
وتضاربت التحليلات حول أسباب التصعيد الروسي ودلالته، بين من اعتبرها دلالة على سياسة روسيا “الإجرامية” منذ سنوات في سورية، وبين من ربطها بالتطورات الأخيرة التي تشهدها روسيا وتمرد مجموعة “فاغنر”.
المحلل العسكري فايز الأسمر، أكد أن القصف والإجرام الروسي مستمر وإن خفت وتيرته أحياناً وتصاعدت أحياناً أخرى.
واعتبر في حديث لـ”السورية.نت”، أن “الروس يريدون أن تكون المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وخاصة إدلب ومحيطها في حالة عدم استقرار بشكل دائم، إلى جانب التضييق على ساكنيها أمنياً ومعيشياً من خلال جعلهم في حالة رعب دائم”.
بدوره وصف المحلل السياسي، ياسر العيتي، القصف بأنه “سياسة ممنهجة” من قبل نظام الأسد وحليفه الروسي.
وتقوم السياسة، حسب وصف العيتي لـ”السورية.نت”، على “جعل مناطق شمال سورية في حال توتر وقلق دائم من أجل دفعها إلى القبول بالتسوية والعودة إلى حضن النظام”، مستبعداً في الوقت نفسه تطور الأحداث إلى اجتياح بري في بغض المناطق من قبل نظام الأسد.
أما الناشط السياسي، رضوان الأطرش، فقد ربط بين القصف الروسي ومحادثات أستانة، التي اخُتتمت الجولة 20 منها، الأربعاء الماضي، بمشاركة المعارضة ونظام الأسد والدول الضامنة.
ويرى الأطرش أن “هذه الهجمات هي تنفيذ لمخرجات آخر جولة من آستانة، والتي لا يعرف عنها الشعب السوري شيء، باستثناء من يحضر جولات المسار”.
وحسب الأطرش، فإن “وفد المعارضة يخفي” مخرجات المحادثات “باستثناء تصريحات هامشية بعيدة عن الأمور الجوهرية”.
وأعرب عن خشيته من ازدياد وتيرة القصف، كونه سيؤدي إلى مرحلة نزوح جديدة.
ضغط على تركيا في إدلب
ومنذ سنوات توجه روسيا رسائل من خلال قصفها إلى تركيا، التي تعتبر الضامنة لفصائل المعارضة في إدلب، والضغط عليها من أجل تنفيذ الاتفاقيات والانسحاب من الطريق الدولي.
ويرى الأطرش أن روسيا ونظام الأسد يحاولان السيطرة على الطريق الدولي M4 والمناطق الواقعة جنوب الأوتوستراد.
من جانبه اعتبر الباحث السياسي محمد سالم، أن التصعيد الروسي هو محاولة للضغط على تركيا والمعارضة للانسحاب من منطقة الطريق الدولي M4.
وربط سالم في حديث لـ”السورية.نت” بين تصعيد إدلب وتكثيف تركيا استهدافها لـ”قوات سوريا الديمقراطية” في منطقة تل رفعت بريف حلب، وسط عودة لأجواء الحديث عن عملية محتملة في تل رفعت.
وحسب سالم فإن روسيا لا تريد الانسحاب من تل رفعت دون مقابل، وربما المقابل الذي تعرضه ضمناً أو حتى قد يكون تم عرضه سراً في اجتماع أستانا الأخير، هو التبادل بين تل رفعت والمنطقة الممتدة بين أريحا وجسر الشغور.
وتوقع عدم قبول تركيا العرض الروسي بسهولة، بسبب تبعاته الخطيرة من ناحية نزوح المدنيين والسيطرة المحتملة اللاحقة على إدلب.
وأكد أن “الغارات الأخيرة على إدلب هي رسائل ضغط على تركيا للرضوخ لمثل هذا العرض المحتمل”.
ويولي نظام الأسد وداعميه الروس اهتماماً كبيراً بالطرق البرية، بسبب أهميتها في الحركة التجارية، وكونها شرياناً برياً مهماً لمرور البضائع من الدولة المجاورة (ترانزيت) عبر سورية.
وأهم الطرق ما يسمى “M4” الذي يربط بين حلب واللاذقية، ويبلغ طوله 186 كيلومتراً، وطريق “M5” الذي يربط بين حلب وحماة ودمشق بطول 355 كيلومتراً.
وتعرضت هذه الطرق، خلال السنوات الماضية، إلى دمار في البنية التحتية بسبب المعارك والقصف، ما أثر على الحركة التجارية ومرور البضائع.
وحاول نظام الأسد مع روسيا، سنة 2020، فتح الطرقات من خلال اتفاقية سوتشي بين تركيا وروسيا في إدلب، والتي نصت حينها على وقف إطلاق النار في إدلب، وفتح طريق (m4) وإنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، إلا أن ذلك لم يتحقق.
تمرد “فاغنر” وفصل الملفات
ورغم أن التصعيد الروسي مستمر منذ أسبوع على المنطقة، إلا أن الأحداث التي شهدتها روسيا، خلال اليومين الماضيين، دفع بعض المحللين لربطها بالتصعيد الجديد في شمالي سورية.
وكانت روسيا شهدت إعلان قائد مجموعة “فاغنر” تمرداً مسلحاً ضد الجيش الروسي، متهماً إياه بمهاجمة معسكر لمقاتلي “فاغنر” وقتل “كمية هائلة” من رجاله.
وأعلن قائد “فاغنر” السيطرة على منشآت عسكرية في منطقة روستوف الروسية، التي تعتبر المقر الرئيسي للقيادة العسكرية الجنوبية لروسيا، وموطناً لحوالي مليون شخص.
كما هدد بالزحف نحو العاصمة موسكو، قبل تدخل بيلاروسيا كطرف وسيط والتوصل إلى اتفاق أوقف التمرد.
واعتبر الباحث في “مركز عمران للدراسات”، نوار شعبان، أن “الروس مع كل استحقاق دولي يصعدون في المنطقة، وهذا بات واضحاً ومؤكداً، لكن قوة وحدة وأهداف التصعيد ترتبط بما تتحدث به روسيا على طاولة المفاوضات والاجتماعات”.
وقال شعبان لـ”السورية.نت” إن “الاختلاف في التصعيد الحالي هو ربطه بما يجري في روسيا، والهجوم المضاد لأوكرانيا على القوات الروسية، كل ذلك أوصل رسالة بأن روسيا ليست ما على يرام”.
وأضاف أن تمرد مجموعة “فاغنر” وانتقال المعارك إلى داخل روسيا، وقيام بيلاروسيا بفرض نفسها والدخول بوساطة ونجاحها “هي إحدى الأمور التي شكلت هالة من الفراغ الأمني والعسكري الذي أثر على الهيبة العسكرية الروسية”.
واعتبر أن الروس بحاجة إلى تأكيد عدم ارتباط الملفات ببعضها وفصلها، وإيصال رسالة بعدم ربط ملف سورية وإدلب بما يحدث في أوكرانيا والداخل الروسي.
وأشار إلى أن روسيا اتبعت سياسة منذ حربها على أوكرانيا بفصل كل ملف عن الآخر، ولديهم القدرة على ذلك، إلى جانب عدم الظهور بأنها “مكسورة” بعد الأحداث الأخيرة.
بدوره اعتبر الباحث محمد سالم أن روسيا تذكر دائما باستمرار موازين القوى لصالح الروس.
وقال إن هناك عدة مصادر عديدة تحدثت عن هجوم بطائرة مسيرة على معقل النظام السوري في القرداحة، إضافة إلى قتل عدد من عناصر النظام تتبع للفيلق الرابع.
وأضاف ان ذلك يشير إلى “محاولة المعارضة استغلال الوضع الروسي الحرج في أوكرانيا لصالحها، وفرض يد عليا وتغيير في موازين القوى ولو بشكل تدريجي، خاصة بعد الخلاف الداخلي الكبير الذي تسببت به مجموعة فاغنر”.
ويرى أن الغارات الروسية الأخيرة رسالة بـ”أنها لن تسمح بتغيير موازين القوى وقواعد الاشتباك رغم وضعها الحرج، ملوحة بالعودة لاستخدام المجازر الدموية ضد المدنيين في مناطق مكتظة بالسكان، ما يؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة والتأثير على تركيا أيضاً”.