في ظل الهدوء الذي تشهده محافظة إدلب في الشمال الغربي لسورية تستعجل “هيئة تحرير الشام” وقائدها “أبو محمد الجولاني” الترتيبات المتعلقة بما سيكون عليه المشهد غداً، وكان آخرها منذ أسبوعين بالإعلان عن إنشاء 8 شعب تجنيد لاستقطاب الشبان ما بين 20 عاماً و30 عاماً.
الخطوة المذكورة جاءت بعد يومين فقط من خطاب لـ”الجولاني” خلال اجتماع له مع شيوخ عشائر إدلب، وحاول فيه التقرب من المدنيين في المحافظة، حيث تحدث عن مرحلة “ما بعد الأسد” وعن مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرته، إدارياً وعسكرياً واقتصادياً.
وقال الجولاني وفق تسجيل مصور نشرته حسابات مقربة له على تطبيق “تلغرام”: “المرحلة الحالية هي مرحلة إعداد وبناء مؤسسات واستعداد لحرب كبيرة، وفي نفس الوقت نبني مؤسسات. كل مؤسسة نبنيها في المحرر نتقدم خطوة باتجاه دمشق”.
واعتبر “الجولاني” الذي أقصى كبرى الفصائل العاملة في إدلب، في السنوات الماضية أن “نظام الأسد في انهيار. نحن في إعمار وبناء مؤسسات، وربما النظام ينهار بأي وقت، إذ أن وضعه الاقتصادي مزري، ووضعه السياسي في الحضيض، والوضع الاجتماعي سيء”.
“الخطاب المتغيّر” للجولاني ورغم أنه ليس بجديد، إلا أن باحثون يرونه خطوة تمهيدية جديدة للمشهد الذي ستقبل عليه محافظة إدلب، سواء من ناحية التنظيم العسكري أو شكل الإدارة التي ما تزال حتى الآن مترنحة بين مؤسسات “حكومة الإنقاذ السورية”.
“خطوات استباقية”
الإعلان عن “شعب التجنيد” قد لا ينفصل عن التحركات السابقة التي تصدرت حديث الشمال السوري، في الأشهر الماضية، بعد الكشف عن نية الفصائل العسكرية سواء “تحرير الشام” أو “الجبهة الوطنية للتحرير” في تشكيل “مجلس عسكري” موحد، بدعم ورعاية من الجانب التركي.
وبحسب ما تقول مصادر عسكرية لـ”السورية.نت” فإن ترتيبات “المجلس العسكري” ما تزال قائمة حتى الآن، من خلال استمرار الفصائل بإنشاء المعسكرات وإقامة التدريبات، إلى جانب العمل على استقطاب الكم الأكبر من المقاتلين.
وتضيف المصادر أن “المجلس العسكري انتقل بالفعل من الفكرة إلى العمل على الأرض بشكل فعلي، لكن الإعلان عنه بشكل رسمي مرتبط باعتبارات سياسية وعسكرية لم تتضح تفاصيلها حتى الآن في المحافظة”.
“من المكاتب إلى الشعب”
ومنذ التاسع من أيار/مايو الحالي بدأت “الإدارة العامة للتجنيد” التي أسستها “تحرير الشام” باستقبال طلبات الانتساب من الشبان الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما وتقل عن 30.
وحصل موقع “السورية.نت” في وقت سابق عن ملصقات وزعتها “تحرير الشام” عقب صلاة الجمعة على عدد من الشبان، وجاء فيها دعوى للالتحاق ممن وصفتهم بـ”أبطال المحرر”.
واحتوت الملصقات التي وزعتها حواجز “الهيئة” أيضاً أرقام تواصل مع القائمين على عمليات الانتساب في “شعبة التجنيد” بمركز مدينة إدلب.
وهذه هي المرة الأولى التي يتجه فيها تشكيل عسكري في الشمال السوري إلى تأسيس “شعب التجنيد”، ويبدو بحسب حديث قياديين مقربين من “تحرير الشام” أن التجنيد لن يكون إجبارياً، بل “طوعياً”.
وسبق وأن قال مصدر مقرب من “تحرير الشام”: “في السابق كان هناك مكاتب انتساب وتحولت مؤخرا إلى شعب انتساب. تغير المضمون والهيكليات ومراحل الانتساب أيضاً”.
وأضاف المصدر لـ”السورية.نت”: “نتحدث تقريبا عن 1500 راغب بالانتساب شهرياً، وجميعهم يخضعوا لدورات على مراحل، بدءاً من عرضهم على لجنة عسكرية ومن ثم لجنة خاصة بالتدريب البدني والجسدي، وصولاً إلى فرزهم على قطاعات عسكرية معينة”.
“الجولاني يستبق الأمور”
وفي الوقت الذي تغيب فيه الأهداف الواضحة التي تريدها “تحرير الشام” من هكذا خطوة، يرى مراقبون أن الأخيرة تبعث من خلالها رسائل عسكرية تخص الداخل في إدلب، وأخرى سياسية، من كونها تتجه إلى التنظيم العسكري بشكل كبير وواضح.
الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي يشير إلى نقطة “بارزة” في المسار الذي تسلكه “تحرير الشام”.
ويقول عرابي لـ”السورية.نت”: “تحرير الشام سباقة لعدد من الأمور التي تحتاجها المنطقة. هذه الأمور لا تقوم بها الفصائل الأخرى سواء العمل المدني أو الأمني”.
ويضيف الباحث أن “تحرير الشام” وقائدها “الجولاني” تحاول أخذ زمام المبادرة، لكي تتمكن من إقصاء الآخر بصورة غير مباشرة، في إشارة إلى الفصائل العسكرية الأخرى العاملة في إدلب.
ويوضح عرابي أن “تحرير الشام مقبلة على تحول من خلال الاندماج بالفصائل الأخرى ضمن المجلس العسكري. في الفترة القريبة قد لا نسمع شيء اسمه تحرير الشام”.
ويتابع أن “الهيئة” تريد من خلال إنشاء “شعب التجنيد” أن يكون لنفسها عدد كبير من العناصر في الجسم العسكري المراد الإعلان عنه مستقبلاً، مشيراً “هؤلاء العناصر قد يتم فرزهم على مختلف الألوية في المجلس العسكري، وبالتالي سيكون لها ما يسمى باللوبيات”.
“أهداف تنظيمية”
في السياق المذكور سابقاً ومع الحديث عن أهداف “تحرير الشام” من شعب التجنيد حدد الباحث السوري، عباس شريفة عدداً من الأهداف والأسباب التي دفعت الأولى لهكذا خطوة في الوقت الحالي.
يقول شريفة المختص بشؤون الجماعات الجهادية إن الهدف الأول هو “تنظيمي”، حيث تحاول “تحرير الشام” تحويل التجنيد العشوائي إلى تجنيد فردي، وهو تحرك يضمن لها الانتقال من حالة تنسيب الجماعات الكبيرة إلى استقطاب الأفراد بصورة متفرقة.
ويضيف الباحث لـ”السورية.نت” أن ما سبق سيعود بالنفع على “الجولاني”، من حيث الابتعاد عن أي تكتلات مناطقية أو عصبوية ضمن تشكليه العسكري.
وفي السابق كان العمل العسكري لمقاتلي “تحريرا الشام” ينحصر ضمن ما يسمى القطاعات كـ”قاطع البادية، قاطع الساحل، قاطع حلب وإدلب”.
وبذلك بات ضرورياً حصر جميع المقاتلين في جسم عسكري واحد، بعيداً عن القطاعات التي لم يعد لها أي جدوى في الوقت الحالي.
وهناك هدف خارجي يتعلق بالإعلان عن “شعب التجنيد”، ويوضح شريفة أن “تحرير الشام” تحاول القول إنها “مؤسسة ودولة وتقوم بأعمال الحكومة، وإنها منظمة وليست عشوائية”.
“أوراق قوة”
ومنذ أشهر تحاول “تحرير الشام” أن تظهر كقوة تحارب “التطرف”.
وأرسلت رسائل عبر وسائل إعلام، بأنها تنحو اتجاه “الاعتدال”، بعد تغيير منهجها القديم الموالي لتنظيم “القاعدة”.
وبوجهة نظر الباحث السوري، عرابي عرابي: “تريد تحرير الشام أن تسوق لنفسها بأنها جسم حكومي وسياسي يسيطر على منطقة وله سلطة شرعية، وهو أمر يرغب أكثر في التعامل معها”.
ويضيف: “تريد أيضاً أن تمتلك أوراق قوة قبل الاندماج المرتقب، سواء على صعيد العمل الأمني أو العسكري أو الحوكمة. دائماً العناصر الذين يريديون الانخراط في العمل العسكري يوجهون أنظارهم للفصيل الأقدر مالياً وعسكرياً”.
في المقابل يشير الباحث عباس شريفة إلى أهداف أخرى لـ”تحرير الشام” من الترتيبات الجديدة، بينها محاولتها عدم التورط بملفات حقوقية مثل “تجنيد الأطفال”، لاسيما مع تحديد أعمال الراغبين بالانتساب بين 20 و30 عاماً
ويضيف الباحث: “قد تكون دوافع قرار إنشاء شعب التجنيد اقتصادية أيضاً، وذلك بعد الانتقال إلى التجنيد الإجباري في حال استدعت الحاجة إليه، أو المضي بالتجنيد الإجباري مع دفع بدل نقدي”.