الخيول العربية الأصيلة في الشمال السوري..معاناة المربين ومخاوفهم
مع تأقلم كثيرٍ من سكان شمال غرب سورية، على ظروف الحرب الممتدة منذ بداية الثورة السورية قبل تسع سنوات، أعاد بعض مُربي الخيول، نشاطاتهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بعد أن توقفت مع بداية الثورة بسبب انعدام الأمن والاستقرار، والنزوح المتكرر.
“عندما أركب الخيل أشعر براحة لاتوصف، أنا أعشق الخيل منذ الصغر وعند ركوبها تعطيني نوع من العزة والكرامة، وحتى أن ركوبها رياضة جسدية مفيدة. لا أستطيع شراء فرس أو حصان حالياً لأن الخيل العربي الأصيل المسجل والمختوم سعره غالٍ جداً، بالإضافة لصعوبة تأمين مكان وعلف وأدوية لها في ظل ظروف نزوحنا الحالية”.
بهذه الكلمات يعبر أبو عزام، عن عشقه للخيل وهو نازح من جنوب حلب، حيث يزور أحد أقاربه بين الفينة والأخرى لممارسة الفروسية والتدرب على ركوب الخيل.
تربية الخيل في الشمال السوري
منذ عام ،2011 مع بداية الثورة السورية، بدأت مأساة مُربي الخيول، فقد عانوا، من الدمار والخراب الذي لحق مرابط ونوادي الخيل، نتيجة قصف قوات النظام لها، والتي تسبب بنفوق العديد منها، فضلاً عن أن ظروف الحصار والنزوح، أدت لعدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بالخيل، والتي تحتاج الى رعاية طبية خاصة.
و عانى مربو الخيل في الشمال السوري، من صعوبة تأمين الغذاء الجيد، من الأعلاف والمتممات الغذائية من أجل سلامة خيولهم، وعدم تعرضها للمغص، الذي يعتبر من أخطر أمراض الخيل، ويتسبب في نفوقها.
كما أن حملات التهجير التي تسببت بها قبل قوات النظام وحلفاءه، تسببت بفقدان ونفوق الكثير من الخيول العربية الاصيلة في سورية، وشكلت معاناة وصعوبة كبيرة لمربي الخيول، بنقل حيواناتهم من المناطق التي شهدت عمليات عسكرية، كما يؤكد محمود الفندي، وهو مدير جمعية الفجر للخيول العربية الأصيلة في شمال غرب سورية.
وأرجع الفندي في حديثه لـ”السورية.نت”، غياب رياضة الفروسية في الفترة الأخيرة، الى عدم وجود استقرار في الشمال السوري، وغياب النوادي المختصة بأمور الفروسية، إلا أنها تستعيد كما يقول بريقها شيئاً فشيئاً، حيث تقام حالياً مسابقات سرعة وجمال للخيل في الشمال السوري بين الحين والآخر في أرياف حلب وادلب.
يوسف شعبان شاب ثلاثيني هٌجر إلى الشمال السوري من الغوطة الغربية قبل نحو سنتين، ضمن حملات التهجير القسري، قال لـ”السورية.نت”، إنه عشق الخيل منذ الصغر، مضيفاً:”بحكم أننا فلاحون ونعمل بالزراعة فبطبيعة الحال لدينا خيول وتربيتها جزء من حياتنا، وبعد تهجيرنا للشمال المحرر أتيحت لنا فرصة تربية الخيول العربية الأصيلة، حيث أسسنا نادي الصافنات الجياد في مدينة سرمدا وبدأ الناس يتفاعلوا مع الخيل خاصة الأطفال”.
وأضاف:” الخيول بالنسبة للمربي هي جزء من عائلته ولا تقل أهمية عن أي فرد من افراد العائلة، و يواجه مربوا الخيول صعوبات كثيرة كالتهجير وصعوبة تأمين مكان المأوى، وهناك امثلة لعوائل نزحت بالخيام وخيولها تقبع بالعراء دون أدنى مقومات لمتطلبات اسطبل الخيل مما ينعكس سلباً على صحتها وأحياناً يؤدي الى نفوقها”.
ويشير شعبان لأهم الصعوبات التي يعاني منها أصحاب الخيول في الشمال السوري المحرر “منها غلاء الأعلاف مع عدم توفر الأعلاف الجيدة وخاصة ما يضاف للأعلاف من معوضات غذائية و مكملات، خاصة مع الظروف المعيشية القاسية لغالبية مربي الخيول النازحين من ديارهم ، ناهيك عن مشكلة تأمين الادوية، والتي يتوفر بعضها بنوعيات غير جيدة”، قائلاً إن “معظم الادوية غير متوفرة، ولا حتى اللقاحات أو التلقيح الصناعي، كذلك لا يتوفر مختبر لتحليل دم الحصان ومعرفة ما ينقصه من فيتامينات أو ما يصيبه من أمراض”.
ويقول الطبيب البيطري المختص بالخيول وأمراضها، حسن بلان، إن “أكثر الأمراض التي تعاني منها الخيول في مناطقنا هو المغص وهو أخطر مرض عليها، والتهاب الأوتار والحمران والأمراض الجلدية ومرض خناق الخيل الذي يصيب في الغالب الأمهار الصغيرة. أما أمراض الجهاز التناسلي فهي قليلة عند الخيول”، مشيراً إلى إمكانية الإصابة ” بالتهاب الرئتين والجهاز التنفسي وخصوصاً الأمهار الصغيرة. وبالنسبة للكسور فإن الخيل اذا كسرت لايمكن جبرها لأن الجزء السفلي من الخيول لا يوجد به عضلات، فقط أوتار وعظام، وأنا شخصياً قمت بعملية جراحية لأحد الأمهار، حيث بترنا له ساقه وتم تركيب طرف صناعي له”.
وشدد الدكتور بلان، على ضرورة الاهتمام بتربية الخيول وفتح عيادة خاصة بمعالجتها، في مناطق شمال غرب سورية.
مشكلة التسجيل في المنظمة المختصة
مشكلة تسجيل الخيول في “منظمة الجواد العربي العالمية”، والتي تعرف اختصاراً باسم “waho”(واهو)، تُعتبر واحدة من أكبر مشاكل مربي الخيول في شمال غرب سورية.
و “الواهو”، واحدةٌ من أشهر المنظمات، التي تهتم بتوثيق سلاسة الخيول العربية الأصيلة حول العالم، ويقع مقرها في لندن، ولها مكاتب فرعية في عشرات الدول، بينها سورية.
لكن المنظمة لا توثق سلالات الخيول العربية الأصيلة في الشمال السوري، منذ سنوات، ويقول مدير جمعية الفجر للخيول العربية الأصيلة في شمال غرب سورية، محمود الفندي، إن على المنظمة “واجب الحضور للشمال السوري، وتسجيل الخيول غير الممهورة وخصوصاً المواليد الجديدة”.
ويضيف ذات المتحدث، إن المنظمة تقوم بتسجيل “الخيول في مناطق تقع خارج سيطرة النظام مثل الحسكة ودرعا، حيث لها مكاتب وفروع لمنظمة لتسجيل وختم الخيول”، متسائلاً عن عدم تنشيط عملها في إدلب وأرياف حلب.
ويشرح الفندي آلية عمل المنظمة، حيث “تُرسل لجنة لتأخذ عينات الدم وتطابقها مع عينات من دم الأبوين، لتتأكد من سلامة السلسلة، وبعد التأكد، تقوم المنظمة بختم الخيل المعروف على رقبته، وهذا الختم يرفع من قيمة الخيل بشكل كبير”.
ويقول أحد مُربي الخيول في الشمال السوري، وهو يوسف شعبان، إن “أشد ما يخيف مربي الخيول في الشمال السوري هو ضياع نسب خيولهم، فمنظمة الواهو ليس لها مكتب هنا والنظام يحاربنا حتى في تسجيل الخيول كما كان يحتكر الفروسية لآل الاسد فكل الأمهار وبعضها اصبحت أفراس وأحصنة ومازالت دون تسجيل مما يشكل ضرر على أصحابها خاصة ان أراد بيعها”.
ويشير شعبان، إلى تواجد “نسبة جيدة من الخيول العربية الاصيلة وهي ثروة لا تقدر بثمن، بسبب تمسك اصحاب الخيول بخيولهم رغم التهجير والقصف، حيث كانو ينزحون بخيولهم مع أطفالهم”.
ويعود أصل الخيل العربي إلى آلاف السنين، وكانت بدايته من الجزيرة العربية، ثم انتشر في بقية دول العالم، عن طريق الحروب والتجارة وغيرها من الطرق.
ويقول المختصين في الخيول، إن الجواد العربي يتميز عن غيره بالبنية الجسمية، إذ يوصف بأنه من ذوات الدم الحارعلى عكس غيره من السلالات غير العربية، و حافظ العرب على نقاء سلالة الخيول العربيّة عن طريق الإبقاء على التّزاوج الدّاخلي فيما بينها، ممّا نتج عنه تميّزها بخصائص وصفات فريدة.
ويضيف المختصون، أنّ نشأة الخيول العربية في المناطق الصّحراويّة ذات الظروف القاسية، منحها بقاء ميزة قوة والتحمل دون غيرها.