“الدفع أو الرحيل”.. إيجار أراضي المخيمات يفاقم أزمات النازحين بإدلب (صور)
يواجه قاطنو الخيام، على مدار العام، عائق تأمين إيجار سنوي للأراضي الزراعية الخاصة، التي تُشيّد عليها مخيمات النازحين العشوائية في إدلب.
ولجأ مهجّرون خلال الحملة العسكرية الأخيرة، إلى إنشاء مخيمات عشوائية على أراضٍ خاصة مقابل دفع إيجار سنوي لأصحابها، تحت الحاجة الملحّة، لكن مع مرور الزمن يجد ذوو الدخل المحدود من المهجّرين مشقّة في تأمين تلك المبالغ.
وتختلف رسوم إيجار الأراضي للعائلة الواحدة من موقع لآخر، بحيث تكون تسعيرة الإيجار على الدونم الواحد، في حين يتقاسم قاطنو الخيام القائمة على الأرض المستأجرة، المبلغ فيما بينهم.
“مشقة” للنساء المعيلات
في مخيم “السلام” قرب بلدة باريشا شمالي إدلب، تخشى الأرملة أم محمد أن ترحّل مرةً أخرى من خيمتها، وهي أم لـ 6 أيتام، بسبب عدم قدرتها على دفع إيجار الأرض التي تقوم عليها خيمتها.
توضح أم محمد، المهجّرة منذ حوالي 3 سنوات، في حديثها لـ”السورية.نت”، أنّ “المبلغ المستحق عليها لإيجار الأرض التي تقوم على سفح جبلي ربما يكون مقبولاً وهو يتراوح من 10 إلى 20 دولاراً أمريكياً، لكن لسيدة مثل حالتي ليس لها معيل أو دخل ثابت، شاق جداً”.
وتقول إنّ “مطالبات صاحب الأرض لدفع الإيجار من سكّان المخيم، مع موجات الحرّ التي نعاني منها، جاءت لتفاقم أزمة نزوحنا ومعاناتنا، ولا نطلب اليوم سوى جهة إنسانية أو متبرّع يساهم معنا أو يغطي إيجار الأرض”.
ويعتبر الرسم السنوي لإيجار الأراضي الزراعية، أشد وطأةً على السيدات الأرامل المعيلات لأسرهنّ في ظل غياب الدخل الثابت والمعيل.
الحال ذاته لدى آمنة الحسن المهجرة من بلدة التحّ جنوبي إدلب، تقول آمنة لـ”السورية.نت”، إنّ “المبلغ السنوي المستحق علي كإيجار يتراوح من 20 إلى 30 دولاراً أمريكياً، ومن تاريخ الدفع إلى تاريخ الدفع الآخر يتحول إلى مصدر قلق لي حتى أؤمن المبلغ”.
آمنة المقيمة في مخيم “الصالحيّة” قرب بلدة كفرعروق، شمالي إدلب، وهي أرملة وأمّ لـ 6 أولاد أيضاً، توضح أنّ “حالة عائلتي المعيشية متدهورة جداً بسبب النزوح إضافةً إلى غياب المعيل، ما يحول من قدرتي على تحمّل نفقات الإيجار السنوي أو نصف السنوي”.
وتتركز مطالب الأرملتين، آمنة وأم محمد المهجّرتين، على ضرورة “إعفاء السيدات الأرامل أو ممن يفتقرن لمعيل من الإيجارات من خلال تبنيهم من جهة إنسانية أو متبرّعين”.
الدفع أو الرحيل
من جهته، يوضح عبد الله الرحّال، وهو مدير مخيم “السلام” المهدد بالترحيل، أنّ “المخيم يقطن فيه حوالي 272 عائلة مقسمة على أربعة قطاعات، تختلف الأراضي التي يقوم عليها من ملكية شخص لآخر، وعن كل أرض هناك إيجار سنوي مستحقّ على قطاع من قطاعات المخيّم”.
ويضيف الرحّال في حديثه لـ”السورية.نت”، أنّ “المبلغ المستحقّ لثلاثة قطاعات يبلغ حوالي 1650 دولاراً أمريكياً، ونحن مطالبون بالرحيل عن الأرض فيما لم ندفع الإيجار المستحقّ”.
ويلفت إلى أنّ “غالبية المقيمين في المخيم تحت خطّ الفقر، وبينهم أكثر من 50 عائلة تعيلها أرامل فضلاً عن حالات الإعاقة والأمراض، وهذه الفئات جميعها عاجزة عن الدفع”.
آثار مستمرة للحملة العسكرية الأخيرة
يقول محمد حلاج، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، إنّ “تشييد المخيمات العشوائية، في أراضٍ زراعية خاصة، ظهر خلال الحملة العسكرية الأخيرة على أرياف حلب وإدلب وحماة، التي تسببت في موجة نزوح ضخمة قاربت المليون نسمة، في ظل عدم قدرة المخيمات السابقة على استيعاب أعداد المهجّرين”.
وأوضح في حديثٍ لـ”السورية.نت”، أنّ “حوالي 65% من المخيمات العشوائية مشيدة على أراضٍ زارعية، في حين النسبة الباقية وجدت مكانها في أراضٍ صخرية وعلى سفوح الجبال”.
وينتشر في منطقة شمال غربي سورية، 452 مخيماً عشوائياً، يقطن فيها حوالي 235 ألف نسمة.
وفي بداية موجة النزوح، كانت الأراضي الزراعية مجانيةً للمهجّرين، لكن مع طول أمد فترة التهجير التي أوشكت على الثلاث سنوات، حوّلها أصحابها إلى أراضٍ مأجورة، بحسب محدّثنا حلّاج.
واعتبر أنّ “أرقام الإيجارات المطلوبة من المهجّرين مرهقة بالنسبة لهم، في ظل الظرف المعيشي العام والأزمات المختلفة التي يعاني منها النازحون”.
“أوفر” من المنازل
يشير حلّاج إلى أنّ “إيجار الأراضي التي تقوم عليها المخيمات هو خيار أقل سوءاً من غيره بالنسبة للمهجرين، وخاصةً استئجار المنازل”.
ويوضح أنّ “العائلة تدفع بحدود الـ 27 دولاراً وسطياً إيجار سنة كاملة في المخيم، في حين إيجار المنازل السنوي يتجاوز الـ 1000 دولار بالنسبة للعائلة الواحدة”.
ويتفق أبو أحمد المحمد، وهو مهجّر من منطقة ريف المعرة الشرقي، مع حديث حلّاج، ويعتبر أنّ “الإقامة في خيام ولو كانت بإيجار سنوي، أفضل بكثير من المنازل التي لا يمكن لغالبية كبيرة من العائلات المهجّرة تحمّل إيجارها”.
ويضيف في حديثٍ لـ”السورية.نت”: “أقمت في مخيم عشوائي وأدفع قرابة 20 دولاراً أفضل من دفع 100 دولار شهرياً إيجار منزل، في وقت لا يصل مدخولي الشهري لنصف هذا الرقم”.
علي بلان، مهجر من قرية الهلبّة ومقيم في مخيم “السلام” أيضاً، يشتكي من “عدم القدرة على دفع الإيجار السنوي لأرض المخيم بسبب غياب الدخل”، وهو أب لستة أطفال وزوجته مريضة كلى.
ويضيف لـ”السورية.نت”، أنّ “خيارات نقلي لمكان آخر مستحيلة لأنّي حاولت مراراً عبر إدارة المخيم التواصل مع التنمية لتأمين منازل مؤقتة بديلة عن الخيم والأراضي المستأجرة، إلا أنّ أعداد العائلات كبيرة في المخيم ونحتاج وقتاً طويلاً لنقلنا، وحتى تأتي الفرصة علينا تحمل نفقة إيجار الأرض سنوياً”.
في هذا السياق، يعتبر حلّاج أنّ “نقل العائلات المهجّرة إلى وحدات سكنية وشقق، ما زالت تعاني العشوائية والانتقائية، وتشهد إهمالاً واضحاً لعائلات مهجّرة قديمة منذ أكثر من 8 سنوات”.