الزراعة في إدلب مرهقة بارتفاع التكاليف وانخفاض الإنتاج
كغيرها من القطاعات الإنتاجية، تعرضت الزراعة في مناطق شمال غربي سورية، لكثيرٍ من الضرر في السنوات القليلة الماضية، ومُنيتْ بنكسةٍ إضافية مع الحملة العسكرية الضخمة لقوات النظام مطلع العام الماضي، على أرياف حلب الجنوبية والغربية، وإدلب الجنوبية الشرقية.
إذ تقلصت نتيجة ذلك المساحة المزروعة، ونزح عاملونَ في هذا القطاع الذي تُشكل غلاله، أهمية لاحتياجات السوق وعجلة الاقتصاد.
وإضافة لأثر العمليات العسكرية، فإن عوامل أخرى، أدت لتراجع الإنتاج الزراعي في شمال سورية، ودفعت باتجاه ارتفاع تكاليف الري، وغلاء الأسمدة والمبيدات الحشرية، في منطقةٍ يعمل كثيرٌ من سكانها بالزراعة.
تكاليف مرتفعة
ويقول أبو حسين، وهو مزارع مهجرٌ من مناطق ريف أبو ظهور شرقي ادلب، التي تشتهر بإنتاج القمح والشعير ، إنه لم يجد بعد نزوحه نحو مناطق سهل الروج غربي إدلب، وسيلة لكسب العيش سوى عمله في مهنته، أي الزراعة، رغم محاولته البحث عن عملٍ آخر.
ويضيف لـ”السورية.نت”، إنه سعى لـ”استئجار أرضٍ زراعية تحقق دخلاً يكفي لتكاليف المعيشة”، و وجدَ بعد البحث أرضاً في سهل الروج، لكنه اشتكى “ارتفاع الإيجار في الفترة الأخيرة حيث يتراوح في منطقة سهل الروج بين 400 و600 دولار في حين أن المناطق القريبة من خطوط الجبهات وصلت ل200 دولار للهكتار الواحد، وهو سعر مرتفع مقارنة بالوقت السابق”.
رغم ذلك، فإنه يرى فرصة في الاستثمار بمهنته، لكون “منطقة ادلب غنية بالأمطار في معظم فصول الشتاء، و هو ما يخفف تكاليف السقاية عن المزارع، التي تشمل أيضاً البذار والسماد وبخ المبيدات الحشرية”.
ويقول إنه يفضل مع أمثاله من المزارعين الذين يفتقدون لإمكانيات كبيرة زراعة “الحبة السوداء والفول في الشتاء، ونسبة قليلة لمحصول القمح”، ويتجنب العمل في المحاصيل الصيفية لـ”ارتفاع تكاليف السقاية من الآبار”.
انخفاض الانتاج
المهندس الزراعي، مجد حاج عمر، تحدث لـ”السورية.نت”، عن عوامل انخفاض الإنتاج الزراعي، بالقول إن “المساحات الجغرافية الصالحة للزراعة قد تقلصت في الآونة الأخيرة، نتيجة العمليات العسكرية في مطلع العام الفائت، وهذا كان له أثر كبير في اعتمادنا على الاستيراد بدل الاعتماد على الاكتفاء الذاتي”.
ويضيف المهندس المقيم في إدلب، أنه و”على مستوى الثروة الحيوانية أصبحت معامل الأعلاف تستورد كل المواد العلفية، ومنها الشعير الذي يعتبر مادة رئيسية في علف الحيوانات، حيث يتم استيراده عبر تركيا وبسعر أقل من الشعير المحلي”.
ويعتبر حاج عمر، أن ” هذا أثر على الدورة الزراعية، حيث كانت الدورة الزراعية الخماسية متبعة بشكل كبير”، في مناطق شمال غرب سورية، لكن “اليوم بدأ المزارع يبحث عن محاصيل تحقق جدوى اقتصادية بوقت قصير وعائد كبير ، أما المحاصيل الأخرى التي لا تحقق هذه الجدوى فيعزف عن زراعتها ،وقد سبب هذا تعب التربة فأصبحت تحتاج سماد أكثر ، ومخصبات أكثر ، ومبيدات أكثر، بسبب ظهور أمراض جديدة، وهذا بدوره أدى لضعف الإنتاج بسبب تكرار المحصول”.
وينوه ذات المتحدث، إلى أن ضعف إمكانيات القطاع الزراعي “انعكس سلباً على القطاع الحيواني، سواء في الدواجن أو الأغنام والأبقار والماعز، فقد خفف كثير من الناس من أعداد مواشيهم بسبب ارتفاع تكاليف العلف الذي ارتفع سعره بنسبة 30%”.
وتابع حاج عمر ،بأن القطاع الزراعي تراجع أيضاً، بفعل “غلاء المواد المستخدمة في الإنتاج النباتي من أسمدة ومبيدات وكذلك الإنتاج الحيواني، من غلاء اللقاحات والأعلاف مما يسبب بترك هذه المهنة من قبل بعض المزارعين ومربي المواشي”.
بدوره أرجع المهندس الزراعي، موسى البكر، تراجع القطاع الزراعي لعدة أسباب منها قلة الأمطار والمياه(في بعض مواسم الشتاء)، والاكتظاظ السكاني في محافظة ادلب، مُشيراً إلى ضرورة التركيز على مواضيع لها نتيجة إيجابية على القطاع الزراعي، ومنها “استبدال المحاصيل الزراعية الموجودة حالياً بسبب رداءة نوعية بعض المحاصيل، كون بعض المنظمات التي تدعم المزارعين، تقوم بشراء القمح أحياناً دون تقييم أو جلب بذار ذو جودة صنفية عالية”.
كما نوه ذات المتحدث، إلى أسبابٍ أخرى أرهقت القطاع الزراعي، كـ”ارتفاع التكاليف، فعلى سبيل المثال بعد شهر تقريباً، ستبدأ زراعة البندورة في سهل الروج، فالمزارع إن قام بسقايتها مرتين، لن يحصل إلا على قطفة واحدة او قطفتين، بسبب عدم سقايتها بشكل مستمر ، وهو ما يزيد في تكلفتها”.
كما أن حفر الآبار وتركيب طاقة شمسية لها، تُشكل حسب البكر “تكلفة عالية للمزارعين الذين يزرعون مساحات صغيرة ،فالبندورة الحالية(الموجودة في السوق) مستورة من تركيا، وسابقاً كانت تأتينا من الساحل أو درعا بسبب طبيعة المناخ هناك، ويمكن في مناطق إدلب تحقيق ذلك عبر البيوت البلاستيكية، كما يمكن استخدام أسلوب الزراعة التحميلية، وهي زراعة ثلاث محاصيل متتالية لنفس الأرض مع ضيق المساحات المزروعة”.
فرص رغم المخاطر
ويرى البكر الذي يقيم في إدلب، ضرورة لـ”التركيز على مصادر المياه الموجودة واستثمارها، فيوجد سد البالعة الذي يخدم نسبة كبيرة من المساحات الزراعية في سهل الروج، الذي يعتبر النسبة الأكبر من المساحات المزروعة حالياً في منطقة ادلب، حيث يمكن تغذية (سد البالعة) والأنهر الموجودة في سهل الروج من نبعة (عين الزرقا) في منطقة دركوش، وممكن أن يتم زراعة (الآزولا) كنبات علفي لمختلف الحيوانات”.
كما يشير إلى إمكانية الحيلولة دون مزيدٍ من التراجع في قطاع الزراعة، من خلال “مشاريع إنتاجية بدعم من المنظمات، واستبدال المساحات الزراعية المستخدمة في زراعة العلفيات بمحاصيل مفيدة لقوت الانسان مثل القمح ،كما يمكن دعم المزارعين بقروض على شكل بذار وأسمدة ومبيدات مما يخفف العبء عن المزارع”.
بدوره يحذر المهندس الزراعي، مجد حاج عمر، من أن “غلاء المواد المستخدمة في الإنتاج النباتي من أسمدة ومبيدات وكذلك الإنتاج الحيواني من غلاء اللقاحات والأعلاف، يتسبب بترك هذه المهنة من قبل بعض المزارعين ومربي الحيوانات”.
ويقول مختصون في القطاع الزراعي في شمال غرب سورية، إن بعض المنظمات تقدم دعماً للقطاع الزراعي وتربية الحيوانات، لكنهم يرون أن الأزمات التي يتعرض لها هذا القطاع، تبقى أكبر من الجهود المبذولة.
ومن المنظمات الناشطة بهذا الشأن، “منظمة إحسان للإغاثة والتنمية”، وهي إحدى برامج “المنتدى السوري”، التي أطلقت مؤخراً “حملة لتلقيح أكثر من مليون ومئة ألف من الدواجن في الشمال السوري بهدف تجنب تفشي فيروس (نيوكاسل- أو طاعون الدجاج)، حيث يعتبر من الأمراض سريعة العدوى والانتشار، ويتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة لصغار مربي الدواجن”.
وحذرت في وقت سابق من العام الماضي، منظمة “الأغذية والزراعة للأمم المتحدة”(الفاو) في تقرير مشترك مع “برنامج الأغذية العالمي”، من أن “الدول التي تعتبر مناطق ساخنة”، معرضة بشدة “لتدهور كبير في الأمن الغذائي في الأشهر المقبلة، بما في ذلك ارتفاع أعداد الأشخاص الذين سيدخلون في مرحلة الجوع الحاد”، مشيراً إلى أن بعض تلك الدول ومن بينها سورية، تشهد بالفعل حالة التدهور هذه.
وأشار المدير العام لـ”الفاو”، شو دونيو، إلى أن هذه الدول كانت “تعاني بالفعل من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي والجوع الحاد قبل جائحة كوفيد-19 بسبب الصدمات والضغوطات التي تشهدها مثل الأزمات الاقتصادية وانعدام الاستقرار والأمن، والظروف المناخية المتطرفة، والآفات النباتية والأمراض الحيوانية”.
وأضاف:”يجب أن لا نفكر في هذا الأمر على أنه خطر سيقع لاحقاً أو أن نتعامل معه باعتباره مشكلة تتعلق بالمستقبل. علينا أن نفعل المزيد الآن لحماية نظمنا الغذائية من جهة، وسكان الأرض الأكثر ضعفاً من جهة ثانية”.