نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 30 أيار 2022 على موقع “AL-MONITOR“
تبرز مناطق “كوباني ومنبج وتل رفعت” في الهدف العسكري الجديد المحتمل لتركيا، ويمتلك أردوغان في “تل رفعت” الفرصة لاصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، كما يمكنه تضييق الأهداف التي يسعى لتحقيقها لتجنب التوتر مع أمريكا.
أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتمال القيام بشن عملية عسكرية تركية جديدة في سورية، محاولاً مرة أخرى الدفع لتنفيذ خطة منطقة آمنة بعمق حوالي 30 كيلومترًا (19 ميلاً) على أساس طريق M-4 في سورية الموازي للحدود التركية، وهي خطة كان عليه وضعها على الرف في تشرين الأول/أكتوبر عام2021، وذلك بعد الفشل في الحصول على الضوء الأخضر من روسيا والولايات المتحدة في حينها.
يعتقد “أردوغان”، الذي أصبح زعيماً “يُبحث عنه” في حرب أوكرانيا، أنه يستطيع الآن المضي قُدماً في سورية، دون تفويت الفرصة باستخدام “حق النقض” التركي في حلف الناتو ضد عضوية “فنلندا والسويد” كورقة مساومة.
ووفقاً لحسابات أنقرة يمكن لواشنطن أن تُذعن لتحرك تركي في سورية، لتمهيد الطريق أمام توسع تاريخي لحلف شمال الأطلسي، واعتماداً على الأهداف التي تحددها تركيا، يمكن أن تتماشى العملية مع الخطط الأمريكية لفتح جبهة ثانية لروسيا في سورية، كما تعتقد انقرة أن روسيا لن تكون قادرة على التركيز على سورية وهي منشغلة بأوكرانيا وستكون غير مستعدة لإثارة غضب تركيا التي وفرت لها شريان الحياة ضد وابل العقوبات الغربية.
هناك أيضًا جوانب من الظروف التي تواجه الجمهور المحلي: ففي الوقت الذي تحشر فيه قضية اللاجئين الحكومة في الزاوية، يروج أردوغان للعملية العسكرية ويربط بين خطة التوغل وهدف إعادة اللاجئين، ولحشد الدعم الشعبي يطرح بأن العملية العسكرية ستوفر مساحة آمنة لعودة اللاجئين بما يحقق إضعاف تركيز الجمهور على المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.
وكما كانت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن الأهداف الحالية هي “تل رفعت ومنبج” غربي الفرات، و”كوباني وعين عيسى وتل تمر” في شرقي الفرات.
وتم التأكيد على أن “كوباني” بحاجة إلى “التنظيف” لأنها تفصل بين مناطق درع الفرات ونبع السلام، كما أنها تحمل أهمية رمزية كمكان يسيطر عليه “الأكراد” السوريين المنتمين إلى حزب “العمال الكردستاني”، وهي الجماعة المسلحة المصنفة على أنها “إرهابية” في تركيا، ولأنها المكان الذي أعطى فيه أردوغان الأخبار السارة بقوله “ستسقط” عندما كانت على وشك الوقوع في أيدي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في عام 2014، مما أدى إلى اندلاع أحداث 6-8 تشرين الأول/ أكتوبر وكان فيها بدء المساعدات الأمريكية لـ”الأكراد”.
وتعتبر “عين عيسى وتل تمر”، الواقعة في جنوب “تل أبيض ورأس العين”، واللتين خضعتا لعملية “نبع السلام”، مهمة لتأمين طريق M-4 وقطع الاتصال بين المناطق الخاضعة لسيطرة “الأكراد”، ولكن منذ عملية “نبع السلام” عام 2019 انتشر “الجيش السوري” في هذه المناطق في وقت كان فيه الروس حاضرين بالتنسيق والدوريات والشرطة العسكرية، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد فتحت بطريقة ما الطريق أمام تركيا بالانسحاب من “منبج والطبقة وكوباني وعين عيسى وتل تمر” في عام 2019، ولكنها ليست في نطاق العملية العسكرية الجديدة.
وكذلك يتوقع “الأكراد” مرة أخرى موقفاً رادعاً من الولايات المتحدة الامريكية الضامن لوقف إطلاق النار الموقع في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ومن روسيا الضامن لاتفاقية “سوتشي” التي تمت بتاريخ 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
وفيما أعربت إدارة “بايدن” عن اعتراضها على العملية التركية المحتملة على أساس أن التدخل سيؤثر سلباً على جهود القتال ضد “داعش”، فإن روسيا تُعطي إشارات متناقضة مع مقاربتها لتوسيع الصدع التركي-الأمريكي، فبينما يُنظر إلى كلام وزير الخارجية “سيرغي لافروف” -الذي يبرر مخاوف تركيا الأمنية-على أنه دعم للعملية التركية يقوم الروس على الأرض بخلق أجواء معادية حيث أرسلت روسيا طائرتين حربيتين وستة مروحيات إلى مطار القامشلي، كما حلقت طائرات هليكوبتر على الخطوط الأمامية، وبالإضافة إلى مناطق “عامودا والدرباسية وكوباني” قامت روسيا بدورية مشتركة مع “سوريا” و”وحدات الحماية الشعبية” (YPG) في “الدرباسية” لأول مرة، كما ذكرت صحيفة “الوطن” -السورية- أن روسيا أرسلت قوة عسكرية قوامها عشرات الآليات إلى بلدة “الكلطة” جنوب عين عيسى، ووصفت ذلك بأنه تحذير لتركيا.
قبل اعلان “أردوغان” عن خطة العملية بقليل، كانت هنالك مزاعم بأن روسيا بدأت في الانسحاب من سورية، وأن إيران تملأ الفراغ مكانها، ولكن نفى المتحدث باسم “الجيش السوري” “عمر رحمون” المزاعم حول إخلاء مواقع روسية في “القامشلي وتل تمر وعين عيسى وحلب وإدلب”، كما أفادت الجبهة الوطنية للتحرير السورية المعارضة، بأن الجنود الروس يواصلون العمل في جميع النقاط بريف إدلب وحماة واللاذقية.
يتعين على تركيا أن تأخذ مواقف كل من روسيا وامريكا بعين الاعتبار في مناطق شرق الفرات، ولكن أمريكا قد تغض الطرف عن المناورات التركية في منطقتي “تل رفعت ومنبج” غربي النهر.
تخضع “تل رفعت” التي تسيطر على الجزء الشمالي من حلب وقاعدة “منغ” الجوية القريبة منها لسيطرة “وحدات حماية الشعب” منذ شباط/ فبراير 2016، بالتزامن مع دخول “الجيش السوري” المنطقة.
وكانت انسحبت “القوات الكردية” التي خسرت “عفرين” في 2018 إلى “تل رفعت”- ويوجد هناك حوالي 140 قرية “كردية” شمال حلب تزيد من نفوذ “وحدات حماية الشعب” في المنطقة- في ذلك الوقت اعطت روسيا الضوء الأخضر للتدخل التركي في “عفرين” ولكنها رسمت خطاً أحمر عندما تعلق الأمر بـ” تل رفعت” وبتكتيك مماثل أرسلت روسيا “الجيش السوري” إلى “ريف منبج” لوقف تركيا، وبموجب شروط اتفاق “سوتشي” بين التركية و روسيا لعام 2019 كان من المقرر نقل عناصر “وحدات حماية الشعب” وأسلحتهم إلى عمق 30 كيلومترًا بعيداً عن الحدود التركية، بالإضافة إلى إخراج “وحدات حماية الشعب” من “منبج وتل رفعت”، في وقت تُصر أنقرة على أن هذه التعهدات لم يتم الوفاء بها.
لاقت حجج تركيا بشأن “تل رفعت” تفهماً كبيراً إلى حد كبير، لكن من المرجح أن تؤدي الخطوة العسكرية على “كوباني” إلى احتجاجات دولية بسبب كثافة السكان في المدينة، وبسبب صدمات عام2014 وارتباط اسم” كوباني” بالمقاومة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وذكرت مصادر عربية أن “وحدات حماية الشعب” تحتل مواقع في قرى “سوغانكا وقنطاري وسموقة وحساجك وسد الشهباء” قرب تل رفع؛ وتشير تركيا أن “وحدات حماية الشعب” تستخدم تلك المواقع لمهاجمة القوات السورية المدعومة من تركيا في “عفرين وجرابلس وإعزاز ومارع والباب”، وتؤكد على حجتها والحاجة لعملية جديدة لمنع الهجمات على المناطق التي سيطرت عليها في عمليتي “درع الفرات وغصن الزيتون”.
يبرز سيناريوهان متباينان فيما يتعلق بـ “تل رفعت”: الأول هو أن روسيا يمكن أن تذعن لتحقيق تركية مكاسب محدودة في تل رفعت، شريطة ألا تهدد حلب من أجل إفساد العلاقات التركية الأمريكية ودفع “الأكراد” إلى دمشق.
ثانيًا، قد تفيد الاشتباكات في تل رفعت الولايات المتحدة بحيث يؤدي إلى تعطيل التقارب التركي-الروسي، ووضع روسيا في مأزق وزيادة الضغط على إدارة “الأسد”، فقد حدث سابقاً وواجهت تركيا وروسيا بعضهما البعض وقتل 34 جندياً تركياً في القصف الروسي في العملية التي ادت لانتقال السيطرة على طريق M-5 إلى “الدولة السورية” في عام 2020.
بالنسبة “لاردوغان” تشكل “تل رفعت” هدفاً يحقق له عدة مكاسب يمكن توظيفها في نواح عديدة، حيث تحتل تل رفعت موقع مناسباً لإبقاء حلب تحت الضغط من الشمال، ولطالما كانت السيطرة الكردية على “تل رفعت” تقطع الصلة بين إدلب وقوات المعارضة في شمال حلب، إذا سيطرت تركيا عليها فإنها ستقطع تماماً وصول “وحدات حماية الشعب” إلى عفرين، وكذلك ستبقي “القوات السورية” تحت الضغط في شمال حلب، وستمهد الطريق لوحدة بين القوات التي تدعمها تركيا في إدلب وريف حلب.
وأيضاً في حالة تغيير السيطرة على “تل رفعت” سيتم تطويق بلدتين “شيعيتين” مرة أخرى باتجاه عفرين، وهذا السيناريو يثير قلق إيران حيث يحمي “حزب الله” والمليشيات الشيعية المحلية بلدتي “نبل والزهراء” اللتين حاصرتهما القوات المدعومة من تركيا بين عامي 2012 – 2016، وكذلك يوجد “جيش سوري” في المنطقة.
والجدير بالذكر أيضاً أنه بعد إشارة تركيا إلى العمل العسكري، تحركت القوات المرتبطة بإيران حول حلب وبحسب صحيفة “القدس العربي” أجرى الحرس الثوري الإيراني تجارب على صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في جنوب “الرقة” بعد عقد اجتماع في “الميادين”، وذكرت الصحيفة أيضاً أن التدخل في “تل رفعت” سيؤثر على “نبل والزهراء” وذكّرت بالحساسيات الإيرانية.
كما ان حقيقة وجود “القوات السورية” المنتشرة في نقاط تقاطع مع “الأكراد” منذ عام 2019 تزيد من المخاطر المرتبطة بالعملية العسكرية الجديدة، وكانت كتبت وزارة “الخارجية السورية” رسالة إلى الأمم المتحدة تفيد بأن الوجود العسكري التركي وأعماله لا يمكن تحديدها إلا بالهجوم والاحتلال والتطهير الديموغرافي.
بالنظر إلى الميدان يمكن ملاحظة أن العملية تطورت في عدة اتجاهات، وبحسب مصادر عربية انتشرت مليشيات تابعة للجيش الوطني السوري في مواقع لاستهداف “كوباني ومنبج وتل رفعت” فيما استمرت الرحلات الاستطلاعية على خطوط التماس في هذه المناطق الثلاث، ووصل رتل عسكري تركي مؤلف من 56 دبابة و11 قاذفة صواريخ وعشرات الآليات المحملة بمعدات لوجستية إلى خط “منبج”.
ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت