“المركزي التركي” بيد أول سيدة.. رحلة التأسيس وجدل التسمية والاستقلال
مع تعيين أول سيدة تركية بمنصب رئيس “البنك المركزي التركي”، بقرار جمهوري من الرئيس رجب طيب أردوغان، تتجه الأنظار حول ما يمكن أن يُسهم به البنك المركزي، في إطار وعود الحكومة الجديدة بتخفيض معدلات التضخم والبطالة، وتحسين الاقتصاد.
وفي مرحلة يعتبرها خبراء ومحللون “مفصلية” في الاقتصاد التركي، عادت الأذهان إلى تاريخ تأسيس “البنك المركزي التركي”، والرحلة التي قطعها في الاقتصاد الوطني، الذي شهده تقلبات ومطبات “محورية” على مدى عقود.
“المركزي التركي” وجدل التسمية والاستقلال
بالعودة إلى مشروع قانون تأسيس البنك المركزي، طُلب منه بدايةً أن يكون مؤسسة مرتبطة بالجمهورية التركية، للتأكيد على أنه مؤسسة حكومية، تحمل اسم “البنك المركزي للجمهورية التركية”.
وبعد مناقشة مشروع القانون، تقرر منح الاستقلالية للبنك المركزي، كي يتمكن من الدخول في حوارات مع الأنظمة المالية الدولية بسهولة.
كما تقرر حينها منحه اسم “البنك المركزي التركي”، دون ذكر تبعيته للجمهورية، خلال مفاوضات أجرتها اللجنة الاقتصادية البرلمانية.
ويعود مشروع قانون تأسيس البنك المركزي في تركيا إلى عام 1923، حين طُرح للمرة الأولى خلال مؤتمر اقتصاد إزمير.
ويعتبر البنك المركزي امتداداً للبنك العثماني، الذي انتهت سلطته في إصدار الأوراق النقدية عام 1924، أي بعد أشهر من تأسيس الجمهورية التركية.
وقبل تأسيس البنك المركزي، تم التماس آراء البنوك المركزية للدول الأخرى، ومن بينها هولندا وإيطاليا.
وشدد رئيس مجلس إدارة البنك المركزي الهولندي، جي فيسرينغ، في تقريره حينها، على الانتباه إلى ضرورة وجود بنك مركزي غير تابع للحكومة ومنظم بشكل مستقل.
وبالمثل، ذكر الخبير الإيطالي، كونت فولبي، أن إنشاء بنك مركزي ضروري لضمان استقرار العملة التركية.
وبعد تقييم وجهات النظر حول إنشاء البنك المركزي التركي، اتخذت الحكومة الإجراءات لإعداد الإطار القانوني اللازم.
وكلفت البروفسور في جامعة لوزان السويسرية، ليون مورف، بإعداد مشروع قانون تأسيس البنك المركزي التركي.
تقييد لحصة الحكومة
تم قبول المسودة التي أعدها مورف وفريقه، من قبل الجمعية الوطنية التركية الكبرى في 11 يونيو/ حزيران 1930.
ووفقاً لقانون التأسيس، فإن الهدف الرئيسي للبنك المركزي هو دعم التنمية الاقتصادية للبلاد.
ولتحقيق ذلك، تم تفويض البنك بإصدار عملات ورقية من مصدر واحد.
ونشرت الجريدة الرسمية في 30 يونيو/ حزيران 1930 نبأ تأسيس “البنك المركزي التركي”، تحت هذا الاسم، كما تم نشر قانون البنك المركزي رقم 1715.
وبدأ البنك المركزي عملياته في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 1931، واكتسب وجوده القانوني من اعتباره شركة مساهمة، للتأكيد على اختلافه واستقلاليته عن المؤسسات العامة الأخرى التابعة للدولة.
وبموجب قانون التأسيس، تنقسم أسهم البنك إلى فئات (أ) و(ب) و(ج) و(د).
أسهم الفئة (أ) تكون مملوكة للحكومة، ولا يمكن أن تتجاوز 15% من إجمالي رأس المال من أجل تعزيز استقلالية البنك.
وأسهم الفئة (ب) مملوكة للبنوك الوطنية، وأسهم الفئة (ج) مملوكة للبنوك الأجنبية والشركات ذات الامتياز.
أما أسهم الفئة (د) تكون مملوكة للمؤسسات التجارية التركية والأشخاص الحقيقيين والاعتباريين من الجنسية التركية.
وتنضوي تحت “البنك المركزي التركي” عدة أجهزة، أبرزها مجلس الإدارة، وهو أعلى هيئة إدارية في البنك.
وتوجد أيضاً “لجنة مراجعي الحسابات” ومهمتها الإشراف، و”لجنة الخصم والائتمان” التي تنظم أسعار الفائدة وشؤون القروض.
أول رئيسة لـ “البنك المركزي التركي”
عين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بمرسوم رئاسي قبل أيام، حفيظة غاي أركان رئيساً للبنك المركزي التركي.
وهي بذلك أول سيدة تركية تصل إلى هذا المنصب في تاريخ البلاد.
وإلى جانب كونها أول سيدة، تعتبر أركان أصغر شخص يتولى هذا المنصب منذ عقود.
وجاء تعيين أركان ضمن الخطوات الاقتصادية التي بدأها أردوغان بعد فوزه بالانتخابات، وكان أولها تعيين محمد شيمشك الملقب بـ”صديق الأسواق” في منصب وزير الخزانة والمالية.
ولدت حفيظة عام 1982، وتخرجت من قسم الهندسة الصناعية بجامعة بوغازيتشي بعد تخرجها من مدرسة اسطنبول الثانوية للبنين.
وتنحدر من عائلة ذات وضع جيد جداً، فوالدها هو المهندس الميكانيكي إيرول أركان، ووالدتها عالمة الرياضيات غمزة أركان.
وحفيظة هي الابنة الوحيد للعائلة، التي تقيم منذ عقود في اسطنبول إلا أن جذورها تعود إلى مدينة ملاطية جنوبي تركيا.
انتقلت حفيظة غاي أركان إلى الخارج بعد حصولها على قبول من جامعة برينستون.
وأصبحت أول طالب يكمل برنامج الدكتوراه لمدة عامين في جامعة برينستون في عام واحد.
وبهذه الطريقة حصلت على لقب “أصغر أستاذ مالي في البلاد”.
بدأت أركان مسيرتها المهنية في الولايات المتحدة في “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) في عام 2005.
كما شغلت مناصب إدارية عليا بعدد من شركات الاستشارات المالية وأحد البنوك، وكانت من الاقتصاديين الشباب الذين لفتوا انتباه بعض المجلات الاقتصادية.
وتتمتع أركان، وفق وكالة “الأناضول” بخبرة كبيرة في الأعمال المصرفية والاستثمار وإدارة المخاطر والتكنولوجيا والابتكار الرقمي.
وهي عضو في المجلس الاستشاري لقسم بحوث العمليات والهندسة المالية في جامعة برينستون.