المواد المخدرة بالساحل السوري.. ظاهرة “علنية” تتجاهلها السلطات
في زاوية صخرية أسفل كورنيش مدينة جبلة البحري، يتجمع بضعة شبان ليلاً، لا تتجاوز أعمارهم منتصف العشرينات، وبيدهم سجائر وسط ضحكات مرتفعة وتصرفات تبدو غريبة لكل من يمر بجانبهم، ليدرك أن الأمر “أكثر من سيجارة عادية”.
ينقل يحيى، وهو شاب جامعي من مدينة جبلة، صوراً أخرى لانتشار المخدرات في المدينة، ومنها سجائر اللف التي باتت تباع في البقاليات على أنها دخان وطني، لكن الحقيقية أنها محشوة بالحشيش وتباع من قبل محلات معينة، حسب قوله.
يضيف يحيى في حديثه لـ “السورية نت” أن “تعاطي المخدرات قبل سنوات لم يكن علنياً لهذه الدرجة، بل كان مقتصراً على حالات فردية ونادرة لأشخاص معروفين من قبل أهل المدينة”.
ويردف: “الحصول على المخدرات اليوم في المدينة بات كشراء زجاجة كولا، والشبان يميلون دائماً لتجريب أي شيئ جديد وممنوع ما يجعلهم يقعون ضحية الإدمان”.
ومن بين حالات الإدمان الأكثر انتشاراً في المدينة، هو شرب الحشيش بنسبة كبيرة، ثم يأتي بعد ذلك الإدمان على أدوية مثل الترامادول والكبتاغون.
واللافت في الأمر، بحسب الشاب، أن تعاطي المواد المخدرة راج كثيراً بين طلاب المدارس، لاسيما سجائر الحشيش، معتبراً أن النظام على علم بجميع المسؤولين عن ترويج المخدرات وتجارها، لكنه يتجاهل الأمر تماماً وكأنه مباح علناً، حسب تعبيره.
من يدير تجارة المخدرات في الساحل؟
من جانبه، قال الناشط الإعلامي في مدينة جبلة، أبو يوسف جبلاوي، لـ “السورية نت” إن تجارة المخدرات في الساحل السوري تُدار من قبل مسؤولين سابقين في “الدفاع الوطني” وعناصر تابعة لهم.
وأضاف أن رأس الشبكة يعود إلى فهد خير بيك، ووسيم الأسد قريب رئيس النظام بشار الأسد، بالإضافة إلى مسؤولين في “حزب الله” اللبناني.
ونوّه جبلاوي إلى وجود شبكات صغيرة مدعومة من قادة المليشيات السابقة، والتي تم حلها لاحقاً مثل مليشيا “بواشق جبلة” و”مغاوير الساحل” وغيرها، ويتم تأمين الحماية لأفرادها من قادتها المتنفذين.
ودلل على تغاضي النظام عن هذه الشبكات بحادث السير الأخير على طريق حمص- طرطوس، والذي كشف عن 3 ملايين حبة “كبتاغون” مخدر و2 طن من الحشيش، وهذه السيارة انتقلت من اللاذقية إلى هذه المنطقة وعبرت حواجز النظام الأمنية.
ولفت جبلاوي إلى أن الأمر لا يقتصر على تجارة وترويج المخدرات في المنطقة، بل انتقل إلى التوسع في زراعته في قرى ريفي جبلة وبانياس إلى جانب الدخان، خاصة القنب والحشيش اللبناني.
الأسعار “رخيصة”
من جانب آخر، ارتفعت نسبة تعاطي المواد الطبية المخدرة خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة في اللاذقية، بسبب سعرها الرخيص مثل حبوب الترامادول، والتي لا يتجاوز سعر الحبة الواحدة منها 3500 ليرة سورية.
وبهذا الصدد، قال حسن وهو صيدلاني يعمل في اللاذقية، إن ظاهرة الإدمان زادت نسبتها بين المراهقين والصغار، بسبب الأفكار التي تنتشر بينهم وأن هذه المواد تمنح السعادة وتغيّر المزاج.
وحول دور الصيادلة في منع منح هذه المنتجات دون وصفة طبية، أفاد حسن لموقع “السورية نت”، بأن الحبوب متوفرة في المستودعات بكثرة وحتى من أراد الالتزام بالوصفة الطبية قد يتعرض للتهديد من قبل المدمنين، لافتاً إلى أنه تعرض لمثل هذا الموقف حيث تم كسر واجهة صيدلته أكثر من مرة بسبب رفضه بيع هذه الحبوب دون وصفة.
ويرى حسن أن غياب الرقابة وشعور المتعاطين والمتاجرين بـ”الأمان”، هو ما أسهم بزيادة المقبلين على المخدرات بكافة أنواعها، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويأس الشبان من واقعهم قد أسهم في ترسيخ هذا الواقع.
“امبراطورية المخدرات”
وكانت تقارير غربية عدة أكدت ضلوع نظام الأسد في هذه التجارة، المتركّزة ضمن حدوده وتتخطاها إلى دول الجوار، بينها الأردن والسعودية.
وكشف تحقيق للمجلة الألمانية “دير شبيغل“، منتصف العام الجاري، عن تورط وحدات عسكرية ومقربين من رأس النظام، بشار الأسد، بتصنيع وتهريب المخدرات إلى دول عدة.
وأكدت المجلة، أن “جميع صفقات المخدرات في سورية تتم بحماية نظام الأسد، كما تحصل الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد شقيق بشار على أموال من خلال شحنات المخدرات”.
وقدرت الشبكة المبالغ التي تحصل عليها الفرقة الرابعة مقابل كل حاوية يتم شحنها من ميناء اللاذقية، بـ 300 ألف دولار أمريكي، إلى جانب 60 ألف دولار توزعها على جنودها حتى لا يمارسوا مهام المراقبة بصورة جدية.
وكذلك وصفت صحيفة “نيويورك تايمز”، العام الماضي، سورية بأنها “امبراطورية المخدرات” التي تزدهر على أنقاض الحرب.