يسعى نظام بشار الأسد إلى جذب أموال السوريين المودعة في المصارف اللبنانية، والتي يُعتقد أنها تمثل جزءاً كبيراً من مجموع الإيداعات المصرفية للأجانب في لبنان، ويأتي سعي النظام هذا لهدفين، أولهما اقتصادي، والثاني سياسي.
وسلط تقرير نشره موقع “المونيتور(link is external)“، أمس السبت، الضوء على محاولات النظام لجذب الأموال من المصارف اللبنانية، بالتزامن مع تشديد التضييق الماليّ على النظام، بعد إقرار مجلس النواب الأميركيّ في 24 كانون الثاني/ يناير الماضي، قانون “سيزر”.
ويفرض هذا القانون عقوبات جديدة على نظام الأسد وحلفائه، في مجالات مشاريع البناء والهندسة وقطاع الطاقة والنقل الجوي، وفي مجالات توفير التمويل.
إجراءات لجذب الأموال
ويدرس مصرف سوريا المركزي حالياً، تطبيق إجراءات عدة لجذب أموال السوريّين من الخارج، وتسهيل عمليّات فتح الحسابات الجارية وقبول الودائع بالعملات الأجنبيّة بالدولار واليورو من قبل المصارف.
وتشير تقديرات إلى أنّ المصارف اللبنانيّة تستوعب نحو 20 مليار دولار من الأموال السوريّة، وقال تقرير “المونيتور” إن هذا الرقم يشكّك فيه مصرفيّون وخبراء ماليّون، إذ أظهرت إحصائية لمصرف لبنان(link is external)، أن ودائع غير المقيمين في لبنان بلغت 36 مليار دولار، بنمو نسبته 2.5% عن نهاية 2017.
ولاقى تحرّك المركزيّ من أجل جذب الأموال استجابة مباشرة من بعض المصارف الحكوميّة، حيث أعلن المصرف العقاريّ عن تعديل أسعار الفائدة على الإيداعات، بغية جذب المزيد من الودائع، وكذلك فعل المصرف التجاريّ.
ويوجد في سوريا 17 شركة صرافة مرخصة و14 بنكاً خاصّاً برؤوس أموال خليجيّة ولبنانيّة، و6 مصارف حكوميّة تملكها الدولة، أكبرها المصرف التجاريّ السوريّ، وفقاً لرأس المال وحجم نشاط أعماله في السوق.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، شهد الاقتصاد السوريّ حركة نزوح لميارات الدولارات من سوريا واستقرّت في بنوك لبنانيّة وإقليميّة. يقدرها(link is external) تقرير للأمم المتحدة صادر في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 نحو 22 مليار دولار، وكان لبنان أكبر المستفيدين.
وقال خبراء ماليون إن هنالك الآن “محاولة لاستعادتها من لبنان لتوظيفها في إنجاح خطط اقتصاديّة وسياسات ماليّة وضعها النظام، وعلى رأسها تعزيز السيولة الماليّة لديه وتحقيق استقرار في سعر صرف الليرة”.
والكتلة الأكبر من أموال السوريين المهاجرة بعد 2011، توجهت لمصارف لبنان، بسبب طبيعة العلاقات الاقتصادية والقرب الجغرافي، فضلاً عن وجود ترابط كبير بين الجهازين المصرفيين.
ونقل “المونيتور” عن خبير مصرفي – لم يذكر اسمه – قوله إنه “إذا أراد النظام حقّاً تشجيع عودة رؤوس الأموال إلى سوريا، لكان عمل على برنامج تحفيزيّ شامل وخاطب جميع السوريّين في دول الجوار. أمّا التركيز على لبنان فهو لغايات أخرى سياسيّة بغالبيّتها”. وأضاف أن االغرض المعني “بشكل رئيسي موضوع اللاجئين السوريين في لبنان وقضية عودتهم”.
ووفق الخبير، يشكل مجموع أصول (موجودات) المصارف اللبنانية 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد على أقل تقدير، وإن أي خلل في هذا القطاع سوف يكون كارثياً على لبنان. لذلك هو وسيلة ضغط على البلد وحكومته.
من جانبه قال رئيس مجموعة “عمل اقتصاد سوريا” أسامة قاضي لـ”المونيتور”: “إذا تمّ خلال عام كامل استرجاع 10 مليارات ليرة، فمعناها استرجاع 20 مليون دولار فقط، وهذا المبلغ بسيط جدّاً لا يستطيع سدّ جزء يسير من الطلب المحليّ أو النفقات الحكوميّة، ولن يساعد في انخفاض سعر الليرة السوريّة مقابل الدولار”.
وبالتزامن مع تحرّك المركزيّ للبحث عن آليّات لجذب الأموال، أعلن المصرف المركزي في 4 شباط/فبراير الجاري، للمرّة الأولى في تاريخ سوريا، عن طرحه شهادات إيداع بالليرة السوريّة بهدف “إدارة السيولة المحليّة في إطار تنفيذه السياسة النقديّة وتشجيع المصارف على استقطاب المزيد من الودائع إلى القطاع المصرفيّ” وفق بيان صحافي نشره المصرف على موقعه الرسمي، وهذا القرار يعزّز ما ذهب إليه الخبراء من هدفه إلى جذب الودائع.
ويريد النظام إعادة الأموال المودعة في مصارف لبنانيّة وتوظيفها، ليس في استثمارات محليّة فقط، بل من أجل ضبط الكتلة النقديّة من العملة المحليّة والمساهمة في استقرار سعر صرف الليرة، بحسب قاضي.
إعادة الإعمار
وبينما يتحدث النظام عن إعادة الإعمار، فإن حكومة الأسد ترى في إعادة الأموال السورية أمراً جيداً بالنسبة لها، في ظل تدهور الوضع المالي للنظام.
وقال الخبير المصرفي إن “الشهادات (الإيداع) قد تكون محفّزة، لكن ليست للأموال الخارجيّة، فهناك فئات جديدة من أثرياء الحرب لا تعرف ماذا تفعل بأموالها، وقد تكون هي الرافعة لهذا النوع من الشهادات”.
وشكّك الخبير في قدرة النظام على استرداد الأموال من لبنان أو الخارج عموماً، لأنّ “لا سلطة للمصرف المركزيّ على الودائع خارج سوريا، ولا يمكن القول إنّها عمليّات استرداد، فهي ليست ملكه أساساً. وبالتالي، إن لم يبادر المودعون أنفسهم بالعودة لن يتمّ ذلك”، معتبراً أنّ هدف النظام “الضغط السياسيّ على لبنان في قضايا عدّة وإحراجه دوليّاً، فعندما قال النظام إنّ للسوريّين حجماً كبيراً من الودائع في لبنان، فإنّه أثار فضول مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة الأميركيّ (أوفاك)، الذي بادر فوراً بالتدقيق في هذا الموضوع”.
وحول ما يمكن أن يفعله (أوفاك)، أو فعله من قبل، فقد أصدر العديد من قرارات العقوبات الاقتصادية على مصارف سوريّة، وجمّد أصول في الخارج، وحظر السفر، والتعامل مع عدد من الشركات ورجال الأعمال السوريين.
وبحسب الخبير ” لايمكن التنبؤ بما سيفعله أوفاك لكن لاشيء مستبعد، (أوفاك) مستمر في مراقبة القنوات المالية لإيران وحزب الله والنظام السوري، وهذا لايعفي المصارف اللبنانية من مخاطر العقوبات كون عدد كبير منها لديه شراكات وأذرع مصرفية في سورية”.
وبالنّسبة إلى إمكانيّة توظيف ما يعود من أموال في إعادة الإعمار، اعتبر أنّ هذه الأموال “لن تشكّل أيّ شيء في موضوع إعادة الإعمار، ولا يمكن الاستفادة منها سوى بزيادة السيولة من القطع الأجنبيّ لدى المصارف العاملة في سوريا”.
وختم الموقع تقريره بترجيح الخبير عن وجود ودائع للسوريّين بشكل كبير في دول الخليج والأردن ومصر بعد استثناء تركيا، بسبب تردّي الأوضاع السياسيّة معها.
وأضاف أن “عدداً من المصارف الخليجية في الإمارات وقطر والكويت لديها حصص كبيرة في المصارف الخاصة السورية من قبل الحرب وحتى اليوم، لذا فإمكانية نقل جزء من الأموال عبر هذا الشبكة واردة أيضاً”.