اعتمد البرلمان الفرنسي قانوناً يخول القضاء والسلطات الفرنسية، ملاحقة “مجرمي الحرب” السوريين أينما وجدوا في فرنسا.
وذكرت الخارجية الفرنسية في بيانها، أمس الأربعاء، أن ملاحقة “مجرمي الحرب” السوريين بحسب نص القانون الجديد، سيجري بالتعاون بين القضاء والسلطات الفرنسية مع جميع المنظمات الدولية، ممثلة بالآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) الخاصة بسورية.
وفي حال إقرار القانون في مجلس الشيوخ الذي سيناقشه، سيسمح بنقل المعلومات من المحاكم الفرنسية إلى الآلية الدولية المحايدة والمستقلة الخاصة بسورية، وهو أمر غير متاح حالياً.
وأشارت الخارجية الفرنسية في بيانها، إلى أن “القانون الجديد هو جزء من الأولوية التي توليها فرنسا لمنع إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب”.
وقال رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، المحامي أنور البني، عبر حسابه في “فيسبوك”، إن الوصول إلى هذا التعديل التشريعي في فرنسا، جاء نتيجة “بذل جهود كبيرة، من قبل منظمات سورية ودولية وفرنسية وبرلمانيين وسياسيين”.
وأعرب عن أمله بتوسيع التشريع “ليشمل ملاحقة المجرمين حتى لو كانوا خارج الأراضي الفرنسية كما هو القانون الألماني”.
وجاء القانون حسب البني، نتيجة القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية، في تشرين الثاني/ نوفمبر2021، الذي قرر عدم اختصاص القضاء الفرنسي للنظر بجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية، لعدم وجود نص في القانون السوري يعاقب على هذه الجرائم.
وكانت الخارجية الفرنسية أرسلت منذ العام 2015 تقريراً إلى المدعي العام في العاصمة باريس، مكنته من فتح تحقيق أولي في “جريمة ضد الإنسانية”، استندت إلى صور “قيصر” الملتقطة بين عامي 2011 و2013، حسب بيان الخارجية.
ويجري في فرنسا حالياً أكثر من 40 تحقيقاً ومعلومات قضائية عن سورية.
وأكدت الخارجية الفرنسية استعدادها لدعم الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، بما في ذلك التحقيقات الجارية حالياً والمعلومات القضائية المتوفرة في المحاكم الفرنسية.
ما هي آلية (IIIM) الخاصة بسورية؟
اعتمدت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 71/248، في 21 ديسمبر/كانون الأول 2016.
ونص القرار على إنشاء “آلية دولية محايدة مستقلة، للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية، للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي”، والمرتكبة في سورية بعد مارس/آذار 2011.
وتعمل الآلية على جمع وتوثيق وحفظ وتحليل الأدلة المتعلقة بالانتهاكات للقانون الدولي الانساني، والانتهاكات والتجاوزات في مجال حقوق الإنسان.
إضافة إلى إعداد الملفات من أجل تيسير الإجراءات الجنائية العادلة والمستقلة والتعجيل فيها، بما يتوافق مع معايير القانون الدولي، في المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية، التي لديها اختصاص في هذه الجرائم، أو قد يكون لديها اختصاص في هذا المجال مستقبلاً، بما يتوافق مع القانون الدولي.
وتقوم مهمة الآلية على جمع وتحليل المعلومات والأدلة المتعلقة بالجرائم الدولية المرتكبة في سورية، للمساعدة في الإجراءات الجنائية في المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية أو التي لديها اختصاص في هذه الجرائم أو قد يكون لديها اختصاص في هذا المجال مستقبلاً.
وتسعى من خلال مزاولة ولايتها إلى دعم عمليات المساءلة الرامية إلى إنصاف الضحايا الذين تعرضوا لجرائم دولية خطيرة، ارتُكبت في سورية منذ آذار/مارس 2011.
محاكمات فرنسية خاصة بسورية
آخر ما أصدرته المحاكم الفرنسية فيما يخص الانتهاكات في سورية، كانت حكماً بحق “الجهادي” الفرنسي ذي الأصول الأرمنية أرتيوم أويان، حسبما ذكرته وكالة “فرانس برس” الثلاثاء الماضي.
وجاء الحكم نتيجة إدانته بالانضمام عام 2015، إلى صفوف فرع “القاعدة” في سورية سابقاً، أي “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليًا).
ولعل أبرز المحاكمات الفرنسية المتعلقة بسورية، للنقيب المنشق عن قوات الأسد، والقيادي والناطق السابق باسم فصيل “جيش الإسلام” مجدي نعمة الملقب “إسلام علوش”.
وكان نعمة انتقل أواخر 2019 إلى فرنسا في إطار منحة دراسية، لمتابعة دراسته وإجراء بحث حول النزاع المسلح في سورية.
وقبل وصوله إلى فرنسا، كان “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” قد قدم في يونيو/حزيران 2019، شكوى ضد “جيش الإسلام”، بشأن ارتكابه “جرائم ضد المدنيين” خلال سيطرته على الغوطة الشرقية.
واعتقلت السلطات الفرنسي، مجدي نعمة في كانون الثاني/ يناير 2020، حيث مازال يخضع للمحاكمة منذ ذلك الوقت.
وعلى صعيد آخر، رفضت محكمة فرنسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، محاكمة ضابط في مخابرات الأسد دخل إلى فرنسا عام 2015 عبر طرق غير شرعية، وحصل على اللجوء.
وردت محكمة الاستئناف على شكوى تقدم بها سوري ودعوة السلطات الفرنسية لاعتقال الضابط “عبد الحميد س”، والتحقيق معه لضلوعه في جرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين، بعدم النظر في القضية لعدم اختصاصها، لأن سورية ليست ضمن الدول الموقعة على معاهدة روما.
وانتقدت حينها 11 منظمة من بينها “منظمة العفو الدولية” قرار المحكمة الفرنسية، ووجهت رسالة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تضمنت أن فرنسا يجب أن لا تكون أرضاً لا يحاكم فيها “جلادو سورية”.
لكن القضية الأبرز والأكثر جدلاً بين السوريين، هو إيواء فرنسا لرفعت الأسد شقيق رئيس النظام السابق، المتهم بارتكاب مجازر جماعية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
علماً أنه أقام فيها حوالي 40 عاماً، ويملك استثمارات متعددة، وعاد إلى سورية منذ أشهر بطريقة ما تزال الشكوك تدور حولها.