بدأ من سورية وقد ينتهي في غزة.. نفوذ روسيا في المنطقة أمام منعطف
وصل النفوذ الروسي في الشرق الأوسط إلى “نقطة انعطاف” بعد غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي، والذي وضعها بموقف محرج دبلوماسياً، إلا أن تراجع أهمية موسكو في المنطقة برز بشكل كبير بعد الحرب على غزة الشهر الماضي.
إذ لم تكتسب المساعي الروسية في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة سوى القليل من الاهتمام، في حين أن موقف موسكو كان “مركزياً” فيما يتعلق بالملف السوري في الأروقة الدولية.
ويرمز هذا التناقض إلى نهاية عودة موسكو للمنطقة، والتي دامت عقداً من الزمن، وفق تحليل لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
بداية النفوذ من سورية
وجاء في التحليل الصادر اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسعى منذ سنوات إلى إعادة روسيا إلى دور بارز في الشرق الأوسط، وهو الدور الضروري بالنسبة لها كي تصبح “دولة عظمى”.
وأضاف أنه في خضم الحرب السورية، رسمت موسكو مسارها نحو أهمية متجددة في الشرق الأوسط، عبر منع أي إجراء أممي ضد النظام السوري.
وبرز ذلك بصورة أوضح عام 2013 حين كانت الولايات المتحدة تستعد للتدخل المسلح في سورية، بعد تجاوز النظام “الخط الأحمر” المعلن عنه من قبل الرئيس الأسبق، باراك أوباما، بسبب استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية.
إذ تدخلت روسيا حينها وأنشأت “تسوية دبلوماسية”، وعدت بموجبها بالمساعدة في تدمير الترسانة الكيماوية التابعة للنظام السوري.
وبعد عامين، عززت روسيا موقفها المتجدد في المنطقة من خلال التدخل العسكري في سورية.
وفي أقل من عام، قلبت قوات موسكو مجرى الحرب وأمنّت حكم “الدكتاتور السوري” بشار الأسد، وهو نجاح يستثمره بوتين في نفوذه في جميع أنحاء المنطقة، وفق التحليل.
ومع إحكام قبضتها القوية على سورية، أصبحت روسيا مركزية في الدبلوماسية الإقليمية من أنقرة إلى الرياض إلى القاهرة.
ومن خلال العمل مع إيران و”حزب الله” في ساحة المعركة في سورية، بدأت علاقات موسكو مع طهران تتحسن.
وعلى صعيد آخر سعى العراق ومصر إلى التعاون مع الاستخبارات الروسية في مجال “مكافحة الإرهاب”، وسرعان ما بدأت القوات المدعومة من روسيا بالوصول إلى ليبيا للتدخل في تلك الحرب أيضاً.
وبحسب التحليل، “استخدمت موسكو دخولها الجديد إلى المنطقة لوضع نفسها كبديل للولايات المتحدة، مستفيدة من حالة الاستياء من واشنطن لتعزيز نفوذها”.
“النهاية من أوكرانيا وغزة”
ورغم ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 إلى تفكك تدريجي لنفوذ الكرملين في الشرق الأوسط، وفق التحليل.
إذ “شوه الهجوم الروسي غير المبرر مكانة روسيا الدولية، مما جعلها بديلاً أقل جاذبية للعب ضد واشنطن”.
وجاء فيه: “أضعفت موسكو وجودها العسكري والأمني في الشرق الأوسط. وبينما لا تزال روسيا تحتفظ بقاعدة بحرية وجوية رئيسية في سورية، فقد خفضت بعض قواتها هناك للمساعدة في القتال في أوكرانيا”.
كما أن قدرة روسيا على إبراز القوة في المنطقة أصبحت مقيّدة، بسبب حقيقة مفادها “أن موسكو سوف تجد ضغوطاً شديدة لتعزيز وجودها في أي أزمة أو في حالة تعرض قواتها هناك للتحدي، نظراً لالتزامات روسيا في أوكرانيا”.
واعتبرت المجلة الأمريكية أن الحرب الإسرائيلية في غزة هي بمثابة “نقطة اللاعودة” لنفوذ روسيا المتضائل في الشرق الأوسط.
خاصة أن العلاقات الروسية- الإسرائيلية كانت متوترة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن استجابة بوتين للأزمة في غزة “جعلت الأمور أسوأ”، بحسب التحليل.
وأضاف: “امتنعت موسكو عن إدانة هجوم حماس صراحة. ولم يمر تحفظ موسكو في التأثير على الجانب الإسرائيلي دون أن يلاحظه أحد، حيث ظهر سياسي من حزب نتنياهو على التلفزيون الرسمي الروسي لانتقاد رد فعل روسيا”.
كما أن أهمية موسكو السابقة كوسيط بين الجماعات الفلسطينية بدأت تتبدد أيضاً، وبات من الصعب على روسيا التعامل مع المنافسات الإقليمية، في ضوء علاقاتها “الدافئة” مع إيران.
وفي حين أن موسكو تفضل تجنب الانحياز إلى طرف بين إسرائيل وإيران، فإن محاولات الحفاظ على الحياد وسط الصراع المتصاعد ربما تؤدي إلى توتر مع كليهما.
وإذا اضطرت موسكو إلى الاختيار، فربما تقرر ذلك استناداً إلى وجهة نظرها بشأن تأثير الحرب في أوكرانيا.
وذلك عبر مقارنة ما إذا كانت الأسلحة الإيرانية أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، أو ما إذا كانت الأولوية هي الحفاظ على النفوذ لدى إسرائيل من أجل ثنيها عن تقديم الأسلحة إلى أوكرانيا.
وبحسب تحليل “فورين بوليسي”، فإن تصعيد الأزمة إلى معركة إقليمية أوسع نطاقاً، تشمل إيران بشكل مباشر، من شأنه أن يجعل عجز روسيا واضحاً للجميع.
فمن الناحية العسكرية، يعتبر الوجود العسكري الروسي غير كافٍ لتصعيد الأحداث.
ومن ناحية دبلوماسية “لا تمتلك روسيا النفوذ اللازم للتوصل إلى تسوية أو قيادة المفاوضات. وحتى مع الدول التي تتمتع موسكو بعلاقات جيدة معها – مثل إيران والسعودية – كانت الصين هي التي توسطت في تطبيع العلاقات بين البلدين”.
لكن رغم ذلك “من المؤكد أن الحرب بين إسرائيل وحماس هي تطور مرحب به بالنسبة لموسكو، لأنه يصرف الانتباه الدولي عن حرب روسيا في أوكرانيا وربما يجبر الولايات المتحدة على اتخاذ قرارات بشأن إعطاء الأولوية للمساعدات الأمنية لإسرائيل أو أوكرانيا”.
واعتبر التحليل أن الحرب في غزة قد تسهم بتحديد مستقبل جديد للشرق الأوسط، لكن “من غير المرجح أن يكون لموسكو دور كبير في ذلك”.
وختم “في حين كانت روسيا مركزية في المناقشات حول الحرب السورية قبل عقد من الزمن، من المرجح أن يخرج المسار المستقبلي للشرق الأوسط من أزمة غزة دون أي مساهمة كبيرة لموسكو”.