لأول مرة منذ عقود تهتز صورة المؤسسة العسكرية التي رسمتها روسيا، وبعدما أعلن أحد أبرز أصدقاء فلاديمير بوتين “التمرد” على جنرالاته مترجماً ذلك على الأرض لا تبدو أي ملامح واضحة لمآلات الأزمة في الأيام المقبلة.
ورغم أن شرارة الأزمة التي يراقبها العالم أجمع كانت في الأيام الماضية “خامدة تحت الرماد”، إلا أنها شبّت على نحو غير متوقع ليلة الجمعة، ليعلن قائد “فاغنر” يفغيني بريغوجين “التمرد” على وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، مطالباً بتسليم رأس هاتين الجهتين، وإلا سيزحف بقواته باتجاه موسكو.
وفي آخر التطورات المتسارعة قال يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، السبت، إنه ورجاله يرفضون أوامر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتسليم أنفسهم.
ونفى بريغوجين “مزاعم بوتين بالخيانة”، ووصف مقاتليه بالوطنيين، فيما اعتبر أن “الرئيس الروسي أخطأ بشدة” باتهام مقاتليه بـ”الخيانة”، مؤكداً أن “قواته لن تستسلم”.
وجاءت ذلك بعدما خرج بوتين بخطاب توعد فلاديمير بوتين برد قاسي وحاسم، فيما وصف ما حصل بـ”الغدر والطعنة في الظهر”.
وشبه بوتين تمرد “فاغنر” بالثورة البلشفية عام 1917، والتي أدت إلى انهيار الدولة الروسية.
وكانت هذه الضربة هي التي وجهت لروسيا في عام 1917، عندما كانت البلاد تشن الحرب العالمية الأولى، لكن الانتصار سرق منها.
وقال بوتين: “لن ندع هذا يحدث مرة أخرى”. وتحدث الرئيس الروسي أن “القوات المسلحة الروسية تلقت أمراً بتحييد أولئك الذين نظموا التمرد المسلح”، وأنه تواصل الليلة الماضية مع جميع القادة العسكريين في كل المحاور.
وتابع: “ردودنا على هذا التهديد ستكون صارمة وقاسية. ما يحدث هو غدر. محاولة تقسيم المجتمع هي طعنة في الظهر”.
“صداقة وتمرد”
على الأرض قال بريغوجين إنه سيطر على مدينة روستوف أون دون الروسية في إطار محاولة للإطاحة بالقيادة العسكرية، ونشرت حسابات تابعة لقواته مشاهد إسقاط طائرة بعدما حاولت قصف مواقعهم في جنوب البلاد.
اشتهر بريعوجين، 62 عاماً، منذ عقود بأنه “طاه بوتين” بسبب عقود شركته في الكرملين لخدمات التموين.
ومن غير الواضح مدى صداقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنهما يعرفان بعضهما البعض، وكلا الرجلين وُلدا وترعرعا في سان بطرسبرغ، حسب وكالة “رويترز“.
بعد قضاء عقوبة سجن طويلة في الثمانينيات، بدأ بريغوجين بيع النقانق المقلية في مسقط رأسه، وسرعان ما بدأ في بناء حصة في سلسلة من محلات السوبر ماركت، وافتتح في النهاية مطعمه الخاص وشركته للتموين.
اكتسب مطعمه سمعة طيبة بسبب طعامه الجيد، وسرعان ما استضاف شخصيات من المدينة ومن بينهم نائب رئيس البلدية آنذاك فلاديمير بوتين.
ومن هناك، بدأت شركة كونكورد للتموين التابعة لبريغوجين على الفوز بعقود التوريد الحكومية، مما أدى بعملياتها إلى مستوى أكبر بكثير.
واعترف بريغوجين في سبتمبر/أيلول الماضي بأنه أسس المجموعة العسكرية الخاصة في عام 2014، وهو العام الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
وكان هذا أول تأكيد علني له لصلة كان قد أنكرها في السابق ورفع دعوى قضائية ضد الصحفيين بسبب تغطيتهم الصحفية.
وقاتلت مجموعته “فاغنر” في ليبيا وسورية وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي من بين دول أخرى.
وقدمت الجماعة أيضاً الدعم للانفصاليين المدعومين من روسيا الذين استولوا على جزء من منطقة دونباس بشرق أوكرانيا في 2014.
واستولى مقاتلو بريغوجين الشهر الماضي على مدينة باخموت بشرق أوكرانيا بعد بعض من أكثر المعارك ضراوة في الحرب.
لكن خلال هذا الهجوم، كسر بريغوجين المحرمات في نظام بوتين السياسي الخاضع لسيطرة مشددة بإهانات بذيئة لكبار ضباط موسكو.
وأصدر بعد ذلك تسجيل مصور أظهر حقلاً من مرتزقة فاغنر القتلى، وقال إنهم لقوا حتفهم بسبب نقص الذخائر التي تسبب فيها وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة جيراسيموف.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على بريغوجين لدوره في “فاغنر”.
كما يتهمونه بتمويل مزرعة ترول، التي تعرف باسم وكالة أبحاث الإنترنت، والتي تقول واشنطن إنها حاولت التأثير على الانتخابات الأمريكية.
“لديه الكثير من الأعداء”
ومنذ قرار بوتين العام الماضي بغزو أوكرانيا، تضخمت صفوف فاغنر إلى حوالي 50 ألف مقاتل، وفقاً لتقديرات أجهزة مخابرات غربية، بما في ذلك عشرات الآلاف من السجناء السابقين الذين تم تجنيدهم من السجون في جميع أنحاء روسيا، غالباً بواسطة بريغوجين شخصياً، وفقاً لصحيفة “الغارديان“.
وتحدثت الغارديان مع العديد من الأشخاص الذين عرفوا بريغوجين على مر السنين، وكثير منهم طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية.
وقال رجل أعمال كان يعرف بريغوجين في التسعينيات للغارديان: “إنه نشيط وموهوب، ولن يتراجع عن أي شيء ليحصل على ما يريد”.
ويتكهن بعض الذين يعرفونه بأن لا المال ولا القوة كانا العامل المحفز الوحيد لبريغوجين، على الرغم من أنه حصل على الاثنين خلال مسيرته.
وبدلاً عن ذلك يقولون إنه مدفوع بإثارة المطاردة، والاعتقاد بأنه يحارب النخب الفاسدة نيابة عن أي رجل عادي، والرغبة في سحق منافسيه.
وعلى مر السنين، أصبح لبريغوجين العديد من الأعداء، ومنهم شركاء الأعمال السابقين الذين يشعرون بالخداع، وجنرالات الجيش الذين انتقدهم باعتبارهم بيروقراطيين في مكاتبهم، وكبار المسؤولين الأمنيين الذين يخشون أن يكون لديه طموحات للاستيلاء على السلطة السياسية.
وأكد رئيس مجموعة فاغنر، الجمعة، دخول قواته الأراضي الروسية واقتحام مقاطعة روستوف، مشيراً إلى أنهم سيواجهون من يعترض طريقهم وسيواصلون “حتى النهاية”.
وقال بريغوجين إنه ورجاله “سيدمرون كل من يعترض طريقهم ومستعدون للمواصلة حتى النهاية”.
وأضاف أن قواته اقتحمت مقاطعة روستوف الروسية، وقال: “نحن ندخل روستوف”.
وانتشرت آليات عسكرية في العاصمة موسكو، بعد أن هدد بريغوجين، بـ “تمرد عسكري” عقب مقتل الآلاف من مقاتليه في غارات اتهم القوات الروسية بشنها.