في كلمته بعد أداء اليمين الدستورية لولايته الرابعة، ذكر الرئيس السوري بشار الأسد أن “العائق الأكبر حالياً” أمام عودة الحياة الى الاقتصاد، هو الأموال السورية المجمدة في لبنان، والتي تتراوح بين 40 و60 مليار دولار أميركي، مشدداً على أن أياً من الرقمين (الأدنى والأقصى) هو كاف “لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا”. هذا التجميد (اللبناني) يحرم دورة الاقتصاد السوري من الحركة، وتهريبها يضغط على الليرة السورية ويخفض قيمتها. “هذا العنصر يُشكل عائقاً كبيراً وتحدياً عسيراً وحله مرتبط بتغير الظروف في لبنان”، كما جاء في خطاب الأسد.
ليست هذه المرة الأولى التي يذكر فيها الأسد الأموال السورية “المجمدة” في لبنان، بل سبق له الإشارة اليها سريعاً، لكن هذا الخطاب يكتسي أهمية إضافية لسببين. أولاً، هذا الخطاب رمزي يحمل عناوين عامة مهمة ويُحدد التوجهات العامة في كل ولاية رئاسية (هو نظير خطاب القسم في لبنان، مع فارق أن الرئيس في سوريا مُؤبد). بعض الخطاب شعبوي ومكرر كالحديث عن القضية الفلسطينية، إلا أن الكلام عن لبنان جاء في سياق نقاط اقتصادية محددة ومرحلية.
ثانياً، يأتي الخطاب هنا في سياق سوري واقليمي مختلف عن السنوات السابقة، سيما أن هناك لقاءات سورية مع دول عربية معنية بالملف اللبناني، وأيضاً نرى دوراً روسياً أكثر فاعلية (حتى لا نقول أكثر تأثيراً من دون دليل حسي على ذلك).
والخطاب يُؤسس لسردية مفادها أن الأموال السورية المُجمدة في لبنان، مسؤولة عن احباط الاقتصاد السوري الذي لا يُمكنه النهوض سوى بفك أسر الودائع. عملياً، المطلب السوري الصريح هنا هو الإفراج عن هذه الودائع (أو بعضها العائد للموالين أو لمن يتفق مع الأسد) لضخ الأموال في الاقتصاد السوري.
في السياسة، هذا الخطاب يرسم مسارين، الأول على ارتباط بالمصارف ورؤيتها للحل في لبنان، والثاني متصل بها، وهو يُحدد اعادة تموضع أقطاب السلطة في هذا السياق.
ذاك أن النظام، مع هذا المطلب (الافراج عن الودائع السورية)، يصطف الى جانب تكتل المصارف (بينها مصارف كبرى فتحت فروعاً في سوريا وبنت علاقات مالية مع أركان النظام)، إذ ترفض الأخيرة أي عملية قص للودائع الكبرى، وما زالت تُطالب بالاستحواذ على أصول الدولة اللبنانية من ذهب وعقارات ووزارات (الاتصالات والطاقة) ومطار ومرافئ. من خلال عملية الاستحواذ والتصرف بالأصول، بحسب رؤيتها للحل، بإمكان المصارف فك الودائع الكبرى تباعاً، ووفقاً للمصلحة والأولويات. في غضون ذلك، تتولى المصارف تدمير (لا قص) الودائع الصغيرة والمتوسطة من خلال تعاميم مصرف لبنان ودفع ودائع الدولار بالليرة اللبنانية بعد ابتلاع 90 بالمئة منها. عبر الاستحواذ على أصول الدولة، تكون المصارف قد أكملت الانقضاض على الفقراء عبر تصفير قدرة أي حكومة لبنانية على توفير خدمات لذوي الدخل المحدود، وهم الغالبية الساحقة من السكان.
ومن يدري، إذا نجحت المصارف في تمرير خطتها أو بعضها، قد تتعاون مع النظام السوري في هذا المجال، حتى لو بالخفاء لتجنب سيف العقوبات. أليس بين المدافعين الكبار عن المصارف، حلفاء للنظام السوري (ايلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب مثالاً)؟ وفي حال الاستحواذ على الأصول اللبنانية، سيكون النظام السوري شريكاً في إدارتها والتصرف بها.
وخطاب الأسد يصنع من دمشق لاعباً من خلال الحلفاء المحليين، بدءاً بـ”حزب الله” و”الوطني الحر”، في تقرير مسار الحلول المقترحة للأزمة في لبنان. نتيجة ربطه الاقتصادين السوري واللبناني، قد يتحول موقف “حزب الله” باتجاه السماح للمصارف بالاستحواذ على أصول الدولة، بما يتيح اقتسامها بين المودعين الكبار وبينهم النظام السوري (ممثلاً لقسم من المودعين السوريين).
ولدى النظام السوري أوراق ضغط على الجانب اللبناني، أهمها طبعاً إيران و”حزب الله”، والحدود، وأزلامه بالسياسة اللبنانية، علاوة على أسلحة أخرى لا يتورع عن استخدامها، مثل الاغتيال السياسي والتلاعب بالأمن.
في نهاية المطاف، هذا سلاح ذهبي جديد في يد لوبي المصارف اللبنانية أيضاً. في جعبة هؤلاء، وسائل الاعلام الكبرى، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعض السياسيين اللبنانيين الكبار، والى حد ما سفيرة الولايات المتحدة (من خلال دعمها سلامة)، والآن النظام السوري وحلفائه.
هذه كتلة صلبة سنرى قدراتها في أي حكومة مقبلة، أكانت من لون واحد (يعني موالية للنظام السوري و”حزب الله”) أو حريرية الهوى، وكلاهما سيّان في النتيجة اليوم.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت