تقطعت السبل بمئات السوريين خلال الأيام الماضية بعدما رحّلتهم السلطات التركية من داخل الأراضي إلى مدينة تل أبيض، المحسوبة على مناطق “نبع السلام” في شمال وشرق سورية.
وسلط تقرير لموقع “ميدل إيست آي“، اليوم السبت، الضوء على حال “المرحلّين”، وكيف أنهم يفتقدون المأوى وظروف المعيشة، كون الوجهة التي نقلتهم إليها السلطات “محاصرة” وبعيدة عن موطنهم الأصلي.
ويوضح التقرير أن ما يصل إلى ألفي سورية تم ترحيلهم خلال شهر يوليو الماضي فقط، إلى المناطق المدعومة من تركيا في شمال سورية.
إحدى القصص تتعلق بمحمد العمر الذي كان قد نزل لتوه من الحافلة عندما ألقي القبض عليه في اسطنبول.
والشاب السوري البالغ من العمر 30 عاماً كان في طريقه لرؤية طفله الجديد لأول مرة بعد تلقيه العلاج الطبي لمرض الكلى، الذي أصيب به في مدينة بورصة القريبة.
والآن بعد شهر من اعتقاله، تقطعت به السبل في ملجأ للمبعدين في تل أبيض، شمال سورية.
ويقول إن “زوجته وطفلاه الصغار على بعد أكثر من 1000 كيلومتر في اسطنبول”، بينما شقيقته وعائلته تقيم في مدينة إعزاز بريف حلب، ولا يمكنه الوصول إلى أي منهم.
وعمر هو واحد من أكثر من 1800 سوري تم ترحيلهم عبر تل أبيض في يوليو، بحسب إدارة المعابر الحدودية في المدينة.
ويوضح تقرير “ميل إيست” أن “المبعدين الآن عالقون داخل منطقة آمنة مغلقة تمتد عبر محافظتي الرقة والحسكة، ويسيطر عليها الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا”.
وتم إغلاق جميع طرق الخروج تقريباً من المنطقة، بما في ذلك إلى أجزاء أخرى من شمال سورية، إلا عن طريق المهربين.
“حملة مكثفة”
وكثفت تركيا عمليات الترحيل في الأشهر الأخيرة، بعد أن تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة مليون سوري إلى شمال سورية.
ويقول العديد ممن أعيدوا إنهم أجبروا على التوقيع على أوراق “عودة طوعية”.
وأوضح عمر حيث وصل به الحال في تل أبيض: “لا أعرف أحداً هنا، وصحتي غير مستقرة”.
ويضيف: “تم تعليق علاجي منذ أن اعتقلت من قبل الشرطة التركية، وعائلتي في اسطنبول وحدها”.
وعندما أدرك عمر أنه سيتم ترحيله، قال إنه سأل الشرطة التركية عما إذا كان من الممكن إعادته إلى مسقط رأسه في إعزاز، لكنهم رفضوا.
بدوره قال مهنا البكر، مدير “جمعية البر للخدمات الاجتماعية” في تل أبيض، إن ملجأها دعم نحو 200 مُرحل الشهر الماضي.
وأضاف: “ليس لديهم أقارب ولا مكان يذهبون إليه. كانوا ينامون في الشوارع وفي الحدائق”.
ولاحظت “جمعية البر”، بحسب البكر الشهر الماضي زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم إلى مدينة تل أبيض.
ويتابع: “اعتدنا استضافة المرحلين في منازلنا، لكن أصبح من الضروري إيجاد مأوى للناس”.
“لا طرق آمنة للخروج”
أحمد الإبراهيم (18 عاماً) كان نائماً في مسجد حتى عُرض عليه مكان في ملجأ في تل أبيض.
وأخبر الشاب “ميل إيست” أنه تم اعتقاله مع 10 شبان آخرين من نزل للشباب في مدينة قونية التركية في أوائل يوليو. وبعد ذلك أُجبرت المجموعة على التوقيع على أوراق العودة الطوعية بعد اعتقالها.
وقال الإبراهيم: “كنا نعمل في تركيا لمساعدة عائلاتنا في سورية”.
ويضيف: “ليس لدي من ألجأ إليه الآن. ليس لدي طريقة للوصول إلى شمال حلب حيث تعيش عائلتي. طرق التهريب تتطلب 400 إلى 450 دولاراً، وهي محفوفة بالمخاطر للغاية، والوصول عبر تركيا مستحيل”.
ويوضح فضل عبد الغني المدير التنفيذي لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن منظمته تلقت أيضاً تقارير عن أشخاص دفعوا ما بين 400 و 500 دولار للمهربين من أجل الوصول إلى مناطق أخرى في شمال سورية.
وقال: “هناك خطر جسيم يتمثل في تعريض الناس حياتهم للخطر، سواء حاولوا العودة إلى المناطق الشرقية، أو إذا حاولوا دخول تركيا مرة أخرى عبر طرق غير نظامية”.
من جهته يشير البكر إلى أن جمعية البير كانت تعلم أيضاً أن الناس يلجأون إلى المهربين من أجل مغادرة تل أبيض، وأنهم قلقون من المخاطر على سلامة الناس.
وحذّر بالقول: “قد يتم القبض على شخص [يحاول المغادرة] من قبل أحد الأطراف والاشتباه في أنه جاسوس أو عميل، وهذا يمكن أن يضعه في السجن”.
كما أشار إلى أن “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” تفاوض على نقل 30 شخصاً مرحّلاً من تل أبيض إلى إعزاز في 2 تموز / يوليو الجاري بالتنسيق مع السلطات التركية، ومع ذلك، لم يتم إجراء أي عمليات نقل رسمية أخرى حتى الآن.
“ترحيل المقيمين المسجلين”
وكان العديد من المرحلين يعيشون في تركيا منذ عدة سنوات، ويحملون معهم بطاقات حماية مؤقتة تُعرف باسم بطاقة كيمليك (الحماية المؤقتة).
وقال محمد مسكو، 18 عاماً، من عفرين، إنه أظهر نسخة من بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به على هاتفه للشرطة التركية عندما تم القبض عليه الشهر الماضي. ومع ذلك أضاف: “لكنهم اعتقلوني لأنني لم أكن أملك الورقة نفسها”.
والشاب الآن عالق في تل أبيض، وعائلته لا تزال في اسطنبول، حيث كان يعيش معهم منذ أكثر من خمس سنوات.
وكافح في الأيام الماضية للتواصل مع الآخرين في الملجأ منذ وصوله إلى تل أبيض في يوليو، لأنه لا يتحدث إلا الكردية والتركية، وأوضح أن “عائلته بحثت عنه لعدة أيام بعد اعتقاله، وأخيراً اتصلت به من خلال مبعدين آخرين”.
وعلى الرغم من أن تركيا طرف في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تحظر إعادة اللاجئين إلى بلد قد يتعرضون فيه لخطر الأذى أو الاضطهاد، إلا أن الدولة لديها إعفاء تعترف بموجبه باللاجئين الأوروبيين فقط، مما يترك أكثر من 3.7 مليون سوري في البلاد في وضع غير مؤكد.
وأوضح الحقوقي السوري عبد الغني أنه لا توجد منطقة آمنة في سورية لإعادة اللاجئين إليها، وأن عمليات الترحيل من تركيا تسببت في “سلسلة من الانتهاكات”.
وفي تقرير صدر العام الماضي، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش الاعتقال التعسفي والاحتجاز والترحيل في تركيا لمئات من الرجال والفتيان السوريين.
وقالت نادية هاردمان الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: “بينما لم تتحقق هيومن رايتس ووتش من أحدث التقارير عن عمليات الترحيل، فإنه من دواعي القلق الشديد أن نرى إنكار تركيا الكامل لهذه المزاعم”.
وأضافت أن “التقارير قد ترقى إلى مستوى الإعادة القسرية أو الإعادة القسرية للاجئين إلى حيث يتعرضون لخطر الاضطهاد”.
“يتم إعادة الناس إلى المكان الذي فروا منه في المقام الأول”، وتابعت هاردمان: “وما زلنا نرى الصمت التام فقط لأنه جزء لا يتجزأ من تعهد الاتحاد الأوروبي لرقابة إدارة الهجرة إلى بلدان ثالثة”.