بعد وصفه بـ “مجرم حرب”.. ما إمكانية محاكمة فلاديمير بوتين؟
بعد مرور 3 أسابيع فقط على الغزو الروسي لأوكرانيا، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشكل صريح بأنه “مجرم حرب”، مندداً بالجرائم المرتكبة ضد المدنيين من قبل جيشه، وداعياً إلى عزله.
في حين تجنب البيت الأبيض تطبيق تصنيف “مجرم حرب” على بوتين، رغم كل ما ارتكبته قوات بلاده من مجازر في سورية خلال السنوات الماضية، رافضاً الدعوات المطالبة بمحاكمته كـ “مجرم حرب”.
لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، استخدم الرئيس الأمريكي المصطلح للمرة الأولى، وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، أن الرئيس بايدن كان يقصد هذا التصنيف.
وبدأت بالفعل التحقيقات في تصرفات بوتين، حيث تعمل الولايات المتحدة و 44 دولة أخرى معاً، للتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات المحتملة، بعد صدور قرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق.
وبموازاة ذلك، تقوم المحكمة الجنائية الدولية، الهيئة المستقلة التي تتخذ من هولندا مقراً لها، بدورها بالتحقيق في هذا الاتجاه.
ووسط التحقيقات والاتهامات “السياسية” والتصريحات المتعلقة في هذا المجال، ماذا يعني بالضبط اتهام شخص بكونه “مجرم حرب”؟
من هو مجرم الحرب؟
ينطبق المصطلح على أي شخص ينتهك مجموعة من القواعد التي اعتمدها قادة العالم، والمعروفة باسم قانون النزاعات المسلحة.
القواعد تحكم سلوك الدول في أوقات الحرب. تم تعديل هذه القواعد وتوسيعها خلال القرن الماضي، مستمدة من اتفاقيات جنيف في أعقاب الحرب العالمية الثانية والبروتوكولات المضافة لاحقًا.
تهدف هذه القواعد إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، وأولئك الذين لم يعد يمكنهم القتال، بما في ذلك المدنيين مثل الأطباء والممرضات والجنود الجرحى وأسرى الحرب.
وتحدد المعاهدات والبروتوكولات من يمكن استهدافه وبأي أسلحة. كما يُحظر استخدام أسلحة معينة، كالأسلحة الكيميائية أو البيولوجية.
خيارات محاكمة بوتين
موقع “يورونيوز” وفي محاولة للإجابة عن إمكانية محاكمة بوتين كـ “مجرم حرب”، أكد أن هناك 4 مسارات للتحقيق في جرائم الحرب وتحديدها، رغم أن لكل منها حدوداً.
وأول هذه المسارات، المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في مثل هذه القضايا. الخيار الثاني يتعلق بتحويل الأمم المتحدة عملها في لجنة التحقيق إلى محكمة مختلطة لجرائم الحرب الدولية لمحاكمة بوتين.
أما المسار الثالث فيكمن في إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة بوتين من قبل مجموعة من الدول والهيئات الدولية المعنية، مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتعد المحاكم العسكرية في نورمبرغ التي أقيمت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ضد القادة النازيين أكبر مثال على ذلك.
أخيراً، لدى بعض الدول قوانينها الخاصة لملاحقة جرائم الحرب. فألمانيا، على سبيل المثال، تحقق بالفعل مع بوتين. أما القانون في الولايات المتحدة لا يخول لها ذلك، لكن لدى وزارة العدل الأمريكية قسماً خاصاً يركز على جرائم مثل الإبادة والتعذيب وتجنيد الأطفال وختان الإناث.
لكن ووفق ما سبق، هل يمكن محاكمة بوتين؟ يشير تقرير يورونيوز” إلى أن الأمر ليس بهذه البساطة، فروسيا لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولن ترسل أي مشتبه بهم إلى مقر المحكمة في لاهاي بهولندا. كذلك لا تعترف الولايات المتحدة بسلطة المحكمة. يمكن محاكمة بوتين في بلد تختاره الأمم المتحدة أو اتحاد الدول المعنية. لكن بلوغ ذلك صعب جدا بل أنه مستحيل.
ما هو الحل؟
بدوره، طرح موقع “بي بي سي” التساؤل ذاته (إمكانية محاكمة بوتين)، مبيناً أن تحميل مسؤولية “جريمة الحرب” للجندي الذي يرتكبها، أسهل بكثير من تحميلها للقائد الذي أمر بها.
ونقلت عن هيو ويليامسون من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، المتمرس في جمع الأدلة على جرائم الحرب في النزاعات، إن هناك أدلة على إعدامات تعسفية وغيرها من الانتهاكات من قبل القوات الروسية.
ويضيف أن “تحديد التسلسل القيادي” مهم جداً لأية محاكمات مستقبلية، بما في ذلك عندما يأذن قائد ما بارتكاب فظائع، أو يغض الطرف عنها.
وتابع: “هناك جزئية مثيرة للاهتمام في تقريرنا الخاص بأوكرانيا، حيث أمر قائد عسكري الجنود بإخراج اثنين من المدنيين وقتلهم، لكن اثنين من الجنود اعترضا على هذا الأمر ونتيجة لذلك لم يُنفّذ، لذا، هناك أدلة واضحة على وقوع بعض الحوادث في الجيش الروسي، ولكن هناك أيضا أدلة على احتوائها والتحكم فيها”.
كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تجري محاكمة في جريمة “شن حرب عدوانية”، وهي جريمة غزو أو صراع غير مبرر، يتجاوز العمل العسكري المبرر دفاعا عن النفس.
وقد نشأت في محاكمات نورمبرغ، بعد أن أقنع القاضي الذي أرسلته موسكو الحلفاء، بأن القادة النازيين يجب أن يواجهوا العدالة على “الجرائم ضد السلام”.
لكن على الرغم من ذلك، يقول البروفيسور فيليب ساندز، وهو خبير في القانون الدولي في جامعة لندن كوليدج، إن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها مقاضاة قادة روسيا لأن الدولة ليست من الدول الموقعة على المحكمة.
ومن الناحية النظرية، يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في هذه الجريمة، لكن وبطبيعة الحال، يمكن لروسيا أن تستخدم حق النقض ضد ذلك.
ولا تعتمد فعالية المحكمة الجنائية الدولية، والطريقة التي يعمل بها القانون الدولي في الممارسة، على المعاهدات فحسب، بل على السياسة والدبلوماسية أيضاً.
ويحاجج البروفيسور ساندز والعديد من الخبراء الآخرين بالقول إن الحل يكمن مرة أخرى، على غرار محاكمات نورمبرغ، في الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية.
إنه يدعو زعماء العالم إلى تشكيل محكمة فردية لمحاكمة جريمة العدوان على أوكرانيا.