بمواجهة التحديات والتهجير..نساء معيلات يروين تجاربهن في “مساحات الأمان”
“لم أكن أتوقع أن أتغلب على ظروفي بعد وفاة زوجي، وبدء رحلة نزوح مرهقة لي ولأولادي الأربعة دون معيل لنا، حيث انتهى بنا المطاف في مخيمات النزوح شمالي إدلب”، تقول أم أنس وهي تشكو مرارة الفقد والتهجير والعجز، مع بصيص أمل بدأت تشعر به حين انخرطت في مهنة تحبها، لتتخطى عقبات كما تقول.
السيدة الثلاثينية، التي عاشت تجربتي زواج لم يُكتب لهما النجاح، الامر الذي دفعها لتكون كما تقول في عزلة داخل خيمتها، ما عرّضها لأزمات نفسية خرجت منها بـ “الوقت المناسب”، حسب تعبيرها.
“مساحة أمان” وتجارب
خضعت أم أنس لجلسات دعم نفسي، تقدمها منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، وهي من برامج “المنتدى السوري”، وكانت إحدى المستفيدات من مشروع “المساحة الآمنة للنساء واليافعات” في مخيم الخير شمالي إدلب، والذي تنفذه “إحشان” في مناطق عدة شمال غربي سورية.
“ساهمت هذه الجلسات في تغيير حياتي، شاركتُ في برنامج مهارات الحياة وشكّلت علاقات اجتماعية جديدة، ثم تمت إحالتي إلى إحدى المنظمات لتنمية مهاراتي في تصفيف الشعر، هذه المهنة التي أحبها”.
التحقت أم أنس بمركز لتمكين المرأة في منظمة “مسرّات”، لتقوي مهاراتها في تصفيف الشعر، وتبدأ حياتها المهنية بما يساعدها على تأمين مورد عيش لها ولأولادها، بعد توفير لوازم المهنة.
وتضيف أم أنس في حديثها لـ”السورية نت”، أن “الدعم الإيجابي الذي تلقيته، ساعدني على تخطي المرحلة الصعبة في حياتي، وساعد الكثير من النساء اللواتي بحاجة لمن يدعمهن. كان ذلك بفضل جلسات الدعم النفسي التي تم تقديمها من قبل مسؤولة إدارة الحالة”.
للسيدة عبير تجربة مشابهة لأم أنس، فهي سيدة تبلغ من العمر 36 عاماً، توفي زوجها قبل أربع سنوات في قصف للنظام على ريف إدلب الجنوبي، لتجد نفسها المعيل الوحيد لخمسة بنات.
عاشت عبير تجربة نزوح مريرة، كما تقول لـ”السورية نت”، حيث اضطرت إلى النزوح من ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة أرمناز شمالي إدلب، وأقامت مع بناتها في منزل عائلتها، ضمن ظروف معيشية صعبة.
“في إحدى المرات قام فريق إحسان(للإغاثة والتنمية) الجوال بزيارتي، وتم خلالها تشجيعي للتغلب على مصاعب الحياة والانخراط في سوق العمل، لأتمكن من مواجهة التحديات بقوة، خاصة أني كنت أعمل كوافيرة قبل النزوح”.
تناقضات تحكم النساء المعيلات
عبير هي إحدى المستفيدات من ورشة “الكوافيرة”، التي نظمتها “إحسان” في أرمناز ضمن مشروع حماية المرأة، وبعد حضورها الورشة، تمكنت من الحصول على دعم مادي لبدء مشروعها الصغير.
“أصبحتُ الآن أكثر قدرة على حل مشكلاتي والتخطيط لأهدافي وتقدير ذاتي، عبر تكوين صداقات وحصولي على الدعم النفسي اللازم”، تقول عبير.
أم محمود (34 عاماً) لم تسلم أيضاً من حكم العادات والتقاليد بعد وفاة زوجها، حيث وجدت نفسها بين نقيضين، الأول الامتثال لعادات المجتمع المحيط بها والالتزام بمنزلها، والثاني حاجتها للعمل من أجل إعالة 5 من أبنائها.
عانت أم محمود من الفقر والتنقل المستمر بين مخيمات الشمال السوري.
تتحدث أم محمود لـ”السورية.نت” عن تلك المرحلة:”في كثير من الأحيان كنت أشعر بالعجز والألم أمام طلبات أطفالي البريئة، عشنا البرد والجوع والحرمان داخل خيمتنا، ولم يكن أمامي سلاح أواجه به تلك المرحلة سوى الدموع”.
مشاريع الحماية بريف حلب..مساحة “أمان” لتطوير المهارات ومواجهة التحديات
حين انتهى بها المطاف إلى “مخيم الخير” شمالي إدلب، سمعت أم محمود من نساء أخريات عن وجود مركز “حماية المرأة” التابع لمنظمة “إحسان”، حيث خضعت لجلسات دعم نفسي، وبدأت العمل على مشروعها الخاص في بيع الاكسسوارات وأدوات الزينة، حيث تملك خبرة مسبقة بهذا المجال.
حصلت أم محمود على مواد الاكسسوارات والمكياجات من فريق “إدارة الحالة” في “إحسان”، ثم عملت على توسيع مشروعها بإصرار وجهد كبيرين، كما تقول.
عانت كافة العائلات السورية، في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية متعددة ودامية، من الفقدان والفقر، إضافة لمرارة النزوج المتكرر خاصة في مناطق شمال غربي سورية، حيث يعيش ختى الآن نحو مليون ونصف المليون شحص في مخيماتٍ طالت إقامتهم فيها لسنوات.
وفيما لا تقتصر المعاناة على فئة بعينها، فإن الأطفال والنساء هم الفئات الأكثر ضعفاً والأشد تأثراً خاصة في ظروف التهجير، الأمر الذي دفع بعض المنظمات الإنسانية، للمبادرة في إقامة فعاليات وتدريبات مهنية للنساء اللواتي فقدّن معيلهنَ أو مررن بتجارب صعّبت حياتهنَ، وهي تدريبات وأنشطة يقول القائمون عليها، إنها تؤمن بيئة داعمة للضحايا، وتساهم في تمكين المستفيدات لتجاوز محنتهنَ والمضي قًدماً في حياتهنَ عبر تعلم مهارات ومهنٍ تعينهنَ على مواجهة تحديات الحياة.