قبل أشهر، كتبنا في هذه الزواية أنه لم يعد لبشار الأسد غير إسرائيل. تثبت الأيام والتجربة مدى رهان رئيس النظام السوري على تحقيق أي تقدم في المفاوضات الإسرائيلية السورية لينقذ نفسه ولو بالحدّ الأدنى. كل المعلومات تؤكد أن المفاوضات مستمرة، بشكل مباشر وغير مباشر. حصلت ثلاثة لقاءات سورية إسرائيلية برعاية روسيا، واحد في قبرص وواحد في موسكو، وثالث في باريس. أما المفاوضات غير المباشرة فتتولاها جهات كثيرة بينها روسيا ودول عربية.
في بداية المفاوضات، قدّم الأسد عرضاً يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان السوري، مقابل الإعلان عن الدخول في اتفاق سلام. هو يعتبر أن المنطقة دخلت في عصر التطبيع، ولا خلاص لنظامه إلا بخطوة من هذا النوع، تعيد تعويمه سياسياً، وتوفر له بعض الموارد المالية للحد من الخسائر الهائلة.
وصل النقاش إلى مرحلة متقدمة في فترات سابقة، من دون أن تقدم تل أبيب أي استعداد لأي تنازل عن الجولان، خاصة أنه استفاد من موقف أميركي واضح أيام إدارة دونالد ترامب اعترف لإسرائيل بخطة ضم الجولان، كما أن الخريطة التي نشرت عن صفقة القرن تتضمن الجولان.
حاول الأسد العودة إلى مفاوضات السلام السابقة أيام والده التي تولاها فاروق الشرع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود باراك. ولكن في تلك الفترة كانت القاعدة السائدة هي مبدأ الأرض مقابل السلام، أما اليوم فإن ما تغير على نحو جيوستراتيجي، يطرح معادلة جديدة هي “الغذاء مقابل السلام”. وهذه قاعدة تنطبق على سوريا وعلى لبنان كذلك، نظراً للشروط الإصلاحية سياسياً واقتصادياً المفروضة على أي حكومة لبنانية ستتشكل اتخاذها، وهذه الشروط غير تقنية إنما لها أبعاد سياسية كثيرة، تتعلق بسلاح حزب الله وترسيم الحدود وضبط المعابر ووقف تدفق الأسلحة، ما يعني أن ارتباطها الأساسي يتعلق بأمن إسرائيل.
تستمر المفاوضات غير المباشرة، يفتقد الأسد لأي مقوم من مقومات التفاوض، حتى أن الجانب الإسرائيلي استغل مسألة ضعف الأسد ووهنه وانتهاءه، لعدم تقديم أي تنازل. توقفت المفاوضات المباشرة بعد تدخل إيراني مباشر مع الأسد وحاولوا تعطيل أو إعاقة حصول أي تقدم على طريق الاتفاق. حصلت لقاءات كثيرة بين الأسد والمسؤولين الإيرانيين ومسؤولين في حزب الله لقطع الطريق في هذه المرحلة على استمرار المفاوضات، بينما الأسد يصرّ على إنجاز مثل هذا الاتفاق ولو بشكل غير علني قبل الانتخابات الرئاسية السورية، والتي سيتم فيها انتخابه مجدداً، في ظل انعدام أي أفق للحل السياسي أو لإحراز تقدم في عمل اللجنة الدستورية.
يستمر الروس في تولي إدارة المفاوضات غير المباشرة، بينما يعتبر الأسد أنه قادر على المناورة أكثر في هذه المرحلة، بعد مواقف أطلقت من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتنافى مع مواقف وتوجهات ترامب الخارجية، وخاصة في ملف الجولان. هو يراهن على أي ليونة في الموقف الأميركي هذا ليحسن شروطه في مسألة الجولان، حتماً إسرائيل لن تكون مستعدة لذلك، فيما سيحاول الأسد حفاظاً على ماء الوجه الحصول ولو على مساحة دنيا من الهضبة. بعد الدخول الإيراني القوي على خطّ الأسد، وفي ظل رفع الشروط الإسرائيلية ضد إيران، كل الأنظار تتجه إلى مسار التفاوض الإيراني الأميركي، وهذا يفتح الآفاق على التسابق الذي ستشهده المنطقة على من يذهب باتجاه إرساء التفاهمات أكثر مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. لعبة الأسد ستكون بالرهان على تحقيق تقدم إيراني أميركي.
كل هذه المسارات، لن تقود إلى حلول نهائية في المنطقة، الأزمة ستكون مستمرة كما في سوريا كذلك في لبنان، وحتى لو وصل الأسد إلى اتفاق، لن يكون قادراً على استعادة سوريا أو نفوذه عليها كاملة، وجوده مرتبط بإبقائها ضعيفة وجزراً متشظية ومتناحرة، في ظل وجود قوى دولية وإقليمية تتقاسم مناطق النفوذ فيها، فيكون الأسد، عنواناً لاستمرار الأزمة، ومدخلاً للتقسيم، وهو ما تريده إسرائيل تاريخياً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت