لم تنته الأزمة المرتبطة بالكهرباء في مناطق ريف حلب الشمالي حتى الآن، وما بين بيانات أصدرتها المجالس المحلية التي تدير المنطقة هناك وأخرى نشرتها الشركات الخاصة بالتغذية يستمر الاحتقان الشعبي، ووصل أوجه مؤخراً إلى تنفيذ احتجاجات ونصب خيام اعتصام.
ويطالب المحتجون بعدم المس بالأسعار، على خلاف ما تريده الشركات الخاصة، والتي تنقسم ما بين تركية بحتة وتركية- سورية، حيث اتجهت مؤخراً إلى زيادة الأسعار بنسبة الضعف، لاعتبارات قيل إنها تتعلق بالارتفاع الحاصل داخل الأراضي التركية.
وكانت الشركات على رأسها “akenergy” و”الشركة السورية- التركية” قد دخلت بعقود أبرمتها مع المجالس المحلية، لتغذية مدن وبلدات ريف حلب بشبكة الكهرباء، لكن هذه العقود لم تتضح تفاصيلها حتى الآن، وهو ما زاد من حالة الغضب الشعبي.
وبينما يقول المحتجون الذين خرجوا في الباب واعزاز ومارع وصوران وريف منطقة عفرين، خلال الأسابيع الماضية، إن المسؤولية تقع بشكل أساسي على إدارة الشركات، يرى آخرون أن المجالس المحلية تتحمل جزءاً كبيراً بشأن ما يحصل، كونها المسؤولة عن توقيع العقود والمناقصات.
“جدل حول التبعية”
وتتولى إدارة مدن ومناطق ريف حلب الشمالي مجالس محلية كانت قد أنشئت في فترات متقاربة، بدعم من الولايات التركية.
وعلى الرغم من أن المنطقة تخضع إدارياً في الظاهر لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، إلا أن ذلك يسوده الكثير من الجدل، خاصة مع تضارب التصريحات المتعلقة بتبعية المجالس، سواء إن كانت مرتبطة بالأخيرة مباشرة وضمن هيكليتها المركزية، أو تعود قراراتها واتفاقياتها للولايات، مثل هاتاي، غازي عنتاب، كلس.
وأصدرت شركة الطاقة والكهرباء “AK Energy” المشغّلة للكهرباء في مدينة الباب، في الثالث من يناير/كانون الثاني الحالي بياناً ذكرت فيه أن ارتفاع الأسعار سببه المصدر في تركيا، وأنها لم ترفع السعر لحين الاتفاق مع المجلس المحلي للمدينة والخروج بصيغة لرفع الأسعار، بما يتوافق مع ارتفاع أسعار الطاقة من المصدر.
أما في مدينة مارع، فقالت “الشركة السورية- التركية للطاقة الكهربائية” المشغّلة للكهرباء هناك، إن سبب الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي في 4 من الشهر الحالي، هو فقدان التوتر الكهربائي من محطة الريحانية، موضحةً أن التنسيق يجري من أجل إعادة التيار الكهربائي.
من جهته ذكر المجلس المحلي لمدينة اعزاز، في بيان صادر في 30 من ديسمبر/كانون الأول 2021، أن قرار رفع أسعار الكهرباء ألغي بسبب مخالفته شروط العقد المُبرم بين المجلس وشركة الكهرباء، وبعد شكاوى عديدة تلقّاها المجلس.
وسيتم تعويض المواطنين المتضرّرين، الذين شحنوا رصيدهم خلال فترة تنفيذ القرار المذكور، من قبل شركة الكهرباء، بحسب بيان المجلس.
“دور ولا دور”
في غضون ذلك أصدر مجلس اعزاز بياناً، اليوم السبت اعتبر فيه أن التقنين المُعلن عنه من شركة الكهرباء يخالف بنود العقّد الموقّع بينهما. هذا التقنين مدته 12 ساعة، ويبدأ من الساعة 11 مساءً وحتى 11 صباحاً.
وحمّل المجلس المحلي في منشور عبر “فيس بوك” شركة (ak energy)مسؤوليتها بتعويض الأضرار الناتجة عن انقطاع التيار الكهرباء، بعد اتخاذها للقرار بشكل فردي دون الرجوع للمجلس، تحت طائلة المساءلة القانونية.
وأشار المجلس إلى أنّ العقد الموقع مع الشركة، يُلزم الأخيرة بتأمين بديل عبر “المولّدات الاحتياطية” على سبيل المثال.
أما في مدينة مارع فقد دفعت الاحتجاجات وخيمة الاعتصام التي نصبت أمام مقره المجلس المحلي هناك إلى الاستقالة، معلناً في بيان قبل أسبوع أن هذه الخطوة تأتي “بعد سيل من الاتهامات الباطلة”، وما نتج من عدة اجتماعات مع “أصحاب الشأن”.
وأضاف محلي مارع: “إننا في المجلس المحلي نعلن تقديم استقالتنا لأهلنا في مدينة مارع”، موضحاً أنه سيكون في حالة تسيير أعمال، ريثما يتم تشكيل مجلس جديد.
وتواصل موقع “السورية.نت” مع أعضاء في المجلس المحلي لمارع للحصول على تعليق بشأن ما تشهده المدينة من غضب شعبي، وعن الخطوات التي سيتم اتخاذها في الأيام المقبلة بعد “الاستقالة”، إلا أنهم رفضوا التعليق بمبرر أن “الأمور ليست واضحة حتى الآن”.
بدوره اعتبر ناشط إعلامي يقيم في المدينة أن الاستقالة “خلبية واستعراض ولا تتجاوز أكثر من ذلك”.
ويقول الناشط الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ”السورية.نت”: “المجلس معطل، لكن الاستقالة عادة لا تقبل. كان هناك دورات سابقة استقالت، إلا أن القرار يكون من الولاية التركية”.
ويوضح أن “الولاية لا تقبل الاستقالة حتى يكمل المجلس دورته”، مشيراً إلى أن “محلي مارع هو مجلس لتصريف الأعمال منذ بداية تشكيله، وقائم على المحاصصة العائلية، بعيداً عن وجود خبرات”.
وعما إذا كان هناك إمكانية لإجراء انتخابات، زاد المتحدث نفسه: “تشكيل أعضاء المجلس يكون بين المجلس العسكري والعائلات. كل عائلة يجب أن تسمي شخصين أو ثلاثة أشخاص، حسب كبرها، وبغض النظر عن الخبرات أو الشهادات”.
“لم تأت بانتخابات”
ولا تلوح في الأفق أية حلول مطروحة لأزمة الكهرباء، وهذا يعمم على مختلف المجالس المحلية التي تدير مناطق ريف حلب، من جرابلس شرقاً وصولاً إلى قرى وبلدات منطقة عفرين.
المدون والناشط المدني المقيم في مدينة الباب، معتز ناصر أوضح لـ”السورية.نت” أن “شركة الكهرباء الاحتكارية تستمر بجريمتها المخالفة للعقود التي وقعت عليها مع المجالس المحلية، مستغلة بذلك نفوذ إدارتها”.
ويقول ناصر: “المجالس لا تمثل السكان ولا تحوز أي سلطة قانونية حقيقية، أو أدبية شعبية لتواجه هكذا شركة احتكارية، كونها جاءت بتعيينات خارجية، ولم تأتِ بانتخابات شعبية”.
و”استقالة بعض المجالس التي أشيعت تعد أفضل تجاوب منها مع المطالب الشعبية”.
ويضيف ناصر: “وإن فسرها البعض أنها محاولة احتواء، وإبرة تخدير للحراك الشعبي، إلا أن الفشل المتراكب للمجالس المحلية، تحديداً مجلس الباب يعطي عموم الناس حقيقة أن المجالس بهذا الشكل (تعيين خارجي / تبعية خارجية / شرذمة بالمرجعية الإدارية والتنسيق) صارت عبئاً ثقيلاً على الناس، ويسبب زيادة معاناتهم”.
كما يعرقل الشكل المذكور “أي محاولة تنمية خدمية للمناطق المحررة”، بحسب ذات المتحدث.
ويتابع قوله: “الحل الوحيد هو في الخلاص منها تماماً (المجالس القائمة حالياً)، لصالح مجالس منتخبة، تبعيتها وطنية داخلية، يجمعها قانون واحد ومرجعية إدارية واحدة”.