تربية النحل بإدلب.. تحديات وعقبات في ظل غياب الرقابة وضعف الأسواق
ألقت الأوضاع الاقتصادية بظلالها على كافة مناحي الحياة في الشمال السوري، نتيجة موجة الغلاء وانعدام فرص العمل وتقلص المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تربية النحل، التي تعتبر من المهن الرائجة في شمال غرب سورية، كونها منطقة غنية بالزراعة وتنتشر فيها الأشجار والنباتات.
لكن تربية النحل تراجعت خلال السنوات الأخيرة، بسبب قلة المراعي والنزوح وكثرة التنقلات والمبيدات القاتلة للنحل، والتي تُستعمل لتعقيم المزروعات، وهو ما أكده عاملون بهذه المهنة لموقع “السورية نت”.
تحديات الحفاظ على المهنة
أحمد رمضان، المهجر من قريته جنوبي حلب، حمل معه مناحل النحل الخشبية إلى منطقة النزوح، لتصبح عبئاً عليه يفوق عبء عائلته، كما يقول، حيث سعى لتأمين مكان بديل لها تتوفر فيه مساحات زراعية كبيرة يحتاجها النحل للغذاء وصنع العسل.
“العمليات العسكرية وقلة المراعي وتعقيم المزروعات بالمبيدات دون رقابة ومهنية أفقدتني الكثير من المناحل المنتجة”، يقول أحمد لـ “السورية نت”.
ويضيف أن الواقع الاقتصادي المتردي انعكس على حياة النحّال، مع انعدام فرص تصريف منتجاته خارج مناطق الشمال السوري، إلى جانب تحديات المحافظة على المناحل وإنتاج عسل بجودة جيدة يحقق مورد رزق مناسب.
ويرى النحّال أحمد رمضان أن النحل يحتاج بيئة خاصة ومساحات واسعة تتنوع فيها الأزهار من أجل إنتاج العسل الجيد، إذ إن مساحات كبيرة، وخصوصاً المناطق الجبلية التي تنتشر فيها أزهار الربيع، أصبحت مكاناً لبناء المخيمات مع زيادة عدد السكان وتمدد العمران إلى الأراضي الزراعية، بالاضافة إلى ارتفاع تكاليف نقل المناحل من مكان لآخر نتيجة غلاء المحروقات.
من جانبه، يصف النحّال أبو بكر علاقته مع النحل بـ “الصداقة” كونه يهتم بها بشكل يومي، معتبراً أنها “مهنة ممتازة.. ووجود النحل يعني وجود الحياة”.
وعن تحديات المهنة، يقول أبو بكر لموقع “السورية نت” إن المساحات الجغرافية انحسرت نتيجة العمليات العسكرية والنزوح، إذ يضطر النحال لنقل مناحله كل شهر من مكان لآخر بحثاً عن المرعى، وتكاد لا تخلو منطقة من وجود مخيمات عشوائية، وبالتالي لا يمكن وضع المناحل في مكان قريب من سكن الناس.
ولدى سؤاله عن الأدوات التي تحتاجها تربية النحل، يقول السيد أبو بكر: “بالدرجة الأولى صناديق النحل الخشبية (الخلايا)، وكانت تكلفة الخلية سابقاً 23 دولاراً أمريكياً، أما اليوم تضاعفت تكلفتها لتصبح 45 دولاراً، مع الإشارة إلى أن هذه التكلفة للخلية الفارغة بغض النظر عن سعر النحل وتكاليفه، بالاضافة للمرعى المناسب”.
ويضيف: “نضطر أحياناً لإطعام النحل سكر في فصل الشتاء ليستمر بالعيش، وهذا يزيد من تكاليف تربية النحل، إذ يصل سعر كيس السكر لـ 43 دولاراً أمريكياً”.
غياب الرقابة
المشكلة الأبرز التي تواجه النحالين، بحسب ما أشار أبو بكر وأكده أحمد رمضان، هي قيام المزارعين بالبخ العشوائي بالمبيدات الحشرية، إذ يقوم بعض الصيادلة الزراعيين ببيع مبيدات حشرية بأرخص سعر وأقل جودة، وهي غير خاضعة للرقابة من قبل وزارة الزراعة.
ونتيجة البخ بشكل عشوائي وأحياناً أكثر من اللازم، أُلحقت أضرار كبيرة بالنحالين، حيث ماتت في العام الماضي قرابة 2500 خلية، وخسر أبو بكر 50 خلية في منطقة حارم نتيجة ذلك.
ويشير أبو بكر إلى أن “المزارع يقوم ببخ مزروعاته بدون أن يخبر النحال، ليتكبد الأخير خسارة قد تتجاوز 15 ألف دولار، في وقت من الممكن أن يكون موسم جني العسل”.
ويضيف: “تواصلنا مع وزارة الزراعة بإدلب لضبط عملية بيع المبيدات الحشرية، بحيث تكون جودتها جيدة بالإضافة لضبط عملية البخ بما يتناسب مع حاجة المزروعات وعدم الإضرار بالنحل من أجل المحافظة عليه، لكن لم نجد استجابة من الوزارة حتى هذه اللحظة”.
وحول تصريف العسل في الشمال السوري، يقول أبو بكر: “لا يوجد سوق لبيع العسل في المنطقة، ولا توجد إمكانية للتصريف والشحن خارج سورية، بسبب منع تركيا التصدير من معبر باب الهوى، رغم وجود إنتاج ضخم، وهذا انعكس على سعر العسل الذي لا يتناسب مع تكاليف إنتاجه”.
السيد يحيى كياري، بائع ومسوق عسل في إدلب، يقول لموقع “السورية نت” إنه يشتري العسل من النحالين وينتقي أفضلها، ثم يقوم بتقديمها وتصنيفها وخلطلها بالمكسرات، وعرضها ضمن خطة تسويقية على وسائل التواصل الاجتماعي لبيعها وتحقيق ربح معين.
ويوضح أن سعر الكيلو الواحد يصل إلى 10 دولارات أمريكية، ويختلف بحسب نوع العسل وجودته، وما إذا كان يحتوي سكر أم لا.
وتختلف أنواع العسل المتوفرة في مناطق الشمال السوري، ومنها عسل الربيع وعسل حبة البركة واليانسون والجيجان، وسابقاً الحمضيات والسلوع، التي انقطعت حالياً بسبب غياب المراعي الخاصة بها والتي تسيطر عليها قوات النظام.
ويعتبر العسل السوري من بين أجود أنواع العسل في العالم، حيث تصدر العسل من نوع حبة البركة قائمة لأنواع العسل في معرض في السويد، وحصل على تقييم الأفضل عالمياً عام 2017.