تشكيك في الرواية..دلالات وسيناريوهات مقتل زعيم “داعش” في درعا
يخسر تنظيم “الدولة الإسلامية” زعماءه واحداً تلو آخر، رغم الحالة الأمنية التي اعتمدها في انتشاره بعد خسارته آخر معاقله في الباغوز(مارس/آذار 2019) وتنفيذ عمليات خاطفة ضد خصومه، في سورية والعراق.
وأعلن التنظيم أمس الأربعاء، مقتل زعيمه الثالث على الأراضي السورية “أبو الحسن القرشي”، لكن هذه المرة لم يكن على يد وحدات خاصة من الجيش الأمريكي.
وذكر المتحدث الرسمي للتنظيم “أبو عمر المهاجر”، عبر بيان صوتي نشر أمس، أن “أبو الحسن” قتل خلال اشتباك، دون تحديد مكان وزمان أو طريقة مقتله والجهة التي اشتبك معها.
وكعادته عيّن التنظيم فور إعلان مقتل زعيمه، قائداً جديداً يسمى “أبو الحسين الحسيني القرشي”.
وبعد ساعات، قالت القيادة المركزية الأمريكية في بيان لها، إن القرشي قُتل باشتباكات مع “الجيش الحر” في درعا، منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وهو ما فتح تساؤلاً حول إمكانية ودلالات تواجد “أبو الحسن” في درعا، الخاضعة بمعظمها لسيطرة النظام منذ اتفاق “التسوية” صيف 2018.
دلالة مقتله في درعا
أوضح الباحث في الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، أن التقارير الدولية تتحدث دائماً عن تواجد التنظيم في سورية.
وإذا كانت المرحلة قبل 2014 هي مرحلة قدوم المقاتلين من العراق، الآن ما يتحدثون عنه، أن سورية هي “المشكلة الأكبر بمعنى أن هناك خلايا كبيرة للتنظيم ولديه خبرة مع عدم وجود الاستقرار”.
وهو ما يدل أو يشير، حسب حديث أبو هنية لـ”السورية نت”، إلى أن التنظيم فعلاً يحاول أن يتجذر في الواقع السوري بجميع المناطق.
ولا يقتصر ذلك على مناطق محددة أومنطقة البادية، بل حتى في الجنوب السوري الذي “لا يوجد إضاءة عليه بشكل كبير”.
فالتنظيم، حسب أبو هنية، متجذر فعلاً في هذه المناطق أمنياً، ولا يُظهر أي نشاطٍ عسكري واضح ومباشر، لأنه “حول الولايات (مناطق تواجد عناصره سابقاً) من ولايات عسكرية أي سيطرة مباشرة وتمكين إلى ولايات أمنية”.
وما يجعل سورية مرشحة مرة أخرى لتنامي نشاط التنظيم “عدم وجود استقرار وضعف الاقتصاد والمظالم وعدم وجود حل سياسي”.
فإنشغال الروس في الحرب الأوكرانية، والخلافات بين الروس والإيرانيين، وعجز النظام عن فرض نفسه، كل هذه التجاذبات سمحت له بالاستمرار وتشكيل خطر في سورية.
ومن هنا يُفهم القلق الأمريكي من “إعادة بناء التنظيم في سورية، في ظل التطورات والتحولات الدولية وتعطل أو ضعف جهود مكافحة الإرهاب”، حسب أبو هنية.
وفي حال صدق الرواية الأمريكية حول مقتل “أبو الحسن” في درعا، فهذا يعني أنه الزعيم الثالث للتنظيم، الذي يقتل على الأراضي السورية، منذ ظهوره باسم “تنظيم الدولة في العراق والشام” عام 2013.
وكانت القوات الأمريكية قد قتلت “أبو بكر البغدادي” وعائلته، إلى جانب المتحدث باسم التنظيم “أبو الحسن المهاجر”، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بعملية إنزال في قرية باريشا بريف إدلب، أُتبعت بغارات من الطيران الحربي.
كما قتل “أبو إبراهيم القرشي” عبد الله قرداش، إلى جانب المتحدث باسم التنظيم “أبو حمزة القرشي”، في شباط 2022، بعملية عسكرية أمريكية بالقرب من أطمة بريف إدلب.
وخسر التنظيم بلدة الباغوز بريف دير الزور آخر معاقله في سورية في آذار / مارس 2019، لكنه ما يزال ينشط عبر خلاياه في عدة مناطق، ووجد من البادية مأوى مناسباً لنشر عناصره وحمايتهم من الضربات الجوية والعمليات العسكرية البرية.
وما يزال ينفذ هجمات خاصة في مناطق شمال شرقي سورية بمناطق سيطرة نظام الأسد و”قوات سوريا الديمقراطية”،آخرها خمسة عمليات في محافظتي دير الزور والرقة بين 19 و25 تشرين الثاني / نوفمبر الحالي، بحسب ما جاء في العدد الأسبوعي من مجلته “النبأ”.
تشكيك في الرواية..قُتل دون أن يعرفه قاتلوه
ما ذكرته القيادة المركزية الأمريكية في بيانها حول اشتباك قُتل خلاله “أبو الحسن القرشي”، يعود إلى معركة دارت بين فصائل محلية في مدينة جاسم بريف درعا وبين عدد من عناصر التنظيم، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن لا توجد أي مصادر غير الأمريكية تؤكد مقتله، حتى أن مقتل ماهر العقال زعيم التنظيم في سورية بغارة أمريكية بريف عفرين شمال غرب سورية في يوليو / تموز الماضي، لا توجد تأكيدات على مقتله باستثناء بيان القيادة المركزية الأمريكية.
وكشفت مصادر من مدينة جاسم لـ”السورية.نت”، تفاصيل اشتباك تشرين الأول / أكتوبر الماضي.
وذكرت المصادر أن العملية أطلقتها فصائل محلية ضد عناصر التنظيم، وحاصرت مقراً له في المدينة، لكن مقاومتهم “كانت كبيرة”، ما دفع الفصائل المحلية إلى طلب مؤازرة من “الفيلق الثامن” الذي يقوده القيادي السابق في المعارضة، أحمد العودة.
وقبل استطاعتهم مداهمة المنزل حصل تفجير تعددت الروايات حول سببه، إن كان تفخيخ المنزل من قبل الفصائل، أو قصف خارجي، أو تفجير مقاتلي التنظيم لحزام ناسف.
وعقب مداهمة المنزل عثر المقاتلون على ثلاث جثث، عرف منها جثة شخص يدعى “أبو عبد الرحمن العراقي”.
ولم يكونوا على دراية تامة بهوية العراقي، سوى أنه زعيم “داعش” جنوبي سورية، ومسؤول عن الخلايا النائمة هناك، وتم تسليم الجثث للنظام.
الباحث ومدير تحرير مجلة نيولاينز حسن حسن، تحدث عن عدة نقاط حول الإعلان الأمريكي عن مقتل “أبو الحسن الهاشمي” في درعا.
وكتب عبر حسابه في “تويتر”، أنه يجب الأنتباه إلى أن الإعلان يمكن أن يكون مزيفاً، كما ذكر عدة سيناريوهات حول ذلك.
Emphasizing he’s an insider might be because the suspected leader mentioned above was a rare case of an “outsider” to the organization, who joined it much later in his jihadist career, from a rival group, as explained here https://t.co/usOvP5JvVc https://t.co/q6CznnvztW
— Hassan I. Hassan (@hxhassan) November 30, 2022
الأول، أنه قتل بالخطأ خلال مداهمة أو قتال دون معرفة من قتله (أميركي، عراقي، أكراد) بأنه زعيم التنظيم، وهذا سيكون غير مسبوق لكنه ممكن.
الثاني، التنظيم لم يبين هوية “أبو الحسن القرشي” عند وصوله لقيادة التنظيم، فيمكن بسهولة الإعلان عن مقتله وتغيير اسمه إلى “أبو الحسين”.
وبهذا يحل التنظيم مشكلة كبيرة دون تكلفة أو ضرر، بإبعاد أجهزة الاستخبارات عن ملاحقته ومتابعته، وللجماعات الجهادية تاريخ طويل في ادعاء مقتل قادتهم لإبعادهم عن مراقبة أجهزة الاستخبارات.
وأشار الباحث حسن حسن إلى أن الإعلان الأخير هو أقصر الإعلانات الصوتية للتنظيم، ولم يركز على مؤهلات الزعيم الجديد العلمية سوى أنه “أحد أبناء الدولة الإسلامية”.