كيف دخلت السليمانية على خط التصعيد بين أنقرة و”قسد”؟
على مدى الأيام الماضية دخلت السليمانية في كردستان العراق على خط التصعيد بين تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهو ما عكسته سلسلة من التطورات، كان آخرها ضربة نفذتها طائرة بدون طيار على هدف داخل مطار مدني.
وتعتبر السليمانية المعقل الأساسي لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي يتزعمه بافل طالباني، نجل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، وهو حد الحزبين الكرديين الرئيسين في إقليم كردستان العراق إلى جانب “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني.
وتتهم تركيا “حزب الاتحاد الوطني” بالتعاون مع “حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب، وتستهدف أنقرة مراراً مواقع للأخير في السليمانية.
“تصعيد خطير”
وجاء التوتر بين أنقرة وحزب طالباني بعد استهداف طائرات مسيرة، قيل إنها تركية لسور مطار السليمانية الدولي، بهدف ضرب قائد “قسد”، مظلوم عبدي، والذي نجا من العملية.
ويعتبر عبدي من أبرز القياديين في شمال وشرق سورية المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعتبره تركيا مع القوات التي يقودها فرعاً لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب أنقرة، حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
ورغم نفي “قسد” لتعرض عبدي للاستهداف أولاً ومن ثم تأكيدها، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن غارة بطائرة مسيرة في شمال العراق استهدفت يوم الجمعة مظلوم عبدي، الذي كان برفقة ثلاثة عسكريين أمريكيين.
وأكد مظلوم عبدي تعرضه لعملية استهداف، وقال لموقع “المونيتور” الأمريكي إن “الهجوم وقع بالقرب من قافلة كانت تقلنا إلى المطار”، وكان برفقته إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”.
وأضاف أنه “كان في السليمانية بغرض إجراء أعمال روتينية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة، في إطار برنامج مشترك لمحاربة داعش”.
وأشار إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي سعت فيها تركيا لقتله، وأن هناك محاولات سابقة، كان آخرها الهجوم الذي استهدف مقرات لـ”قوات مكافحة الإرهاب” في الحسكة.
ونقلت قناة “العربية” عن مصدر وصفته بـ”الرفيع” في حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، أن “الهدف من استهداف المطار لم يكن التخلّص من مظلوم، وإنما إرسال رسالة تركية للسلطات في السليمانية على خلفية دعمها المستمر لقسد”.
وفي تغريدة عبر حسابه في “تويتر” قال عبدي إن “موقف الاتحاد الوطني القومي المساند لأشقائه في سورية يزعج تركيا”.
وأكد على استمرار العلاقة مع “حزب الاتحادي الوطني” الذي وصفه بـ “الحليف” في السليمانية.
ولاقى الاستهداف سجال بين الحزبين الكرديين الحاكمين في إقليم كردستان، إذ اعتبر المتحدث باسم حكومة الإقليم، جوتيار عادل، أن استهداف المطار يأتي نتيجة احتلال المؤسسات الحكومية، واستخدامها في أنشطة غير قانونية”، في إشارة إلى حزب بافل طالباني.
ورداً على ذلك قال نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، والقيادي في “الاتحاد الوطني الكردستاني”، قوباد طالباني، إن “جوتيار عادل ليس متحدثاً باسم حكومة الإقليم، ولكنه يمثل حزباً داخل الحكومة”، معتبراً استهداف المطار “تصعيداً خطيراً ويستهدف كل العراق”.
أما رئيس “الاتحاد الوطني الكردستاني”، بافل الطالباني قال إن “الأعمال الإجرامية وعبور الحدود بين إقليم كردستان والعراق يتم بتوجيه من وكالة مخابرات أمنية محلية، ليست نادرة ولنا تاريخ طويل معها”.
وأضاف: “كان يتأنى في الماضي من أجل الحفاظ على الوحدة وتحقيق المصالح العليا للشعب، لكن استمرار السلوك غير اللائق لبعض الأجهزة الأمنية في ظل حكومة استبدادية تجاوز كل الحدود”.
3 تطورات أغضبت تركيا
استهداف مطار السليمانية سبقتها تطورات سياسية وميدانية اتخذها “الاتحاد الوطني الكردستاني” وأغضبت أنقرة وزادت من نقمتها على الحزب.
التطور الأولى كانت زيارة رئيس “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني”، بافل طالباني إلى شرق سورية، أواخر العام الماضي، ولقائه بقائد “قسد”، مظلوم عبدي ومسؤولين في التحالف الدولي، الذي تقوده أمريكا، إضافة إلى شخصيات في “حزب الاتحاد الديمقراطي” (pyd).
وأشار عضو مجلس قيادة “الاتحاد الوطني”، آراس محمد آغا، في حديثه لـ”اندبندنت عربية” إلى أن زيارة طالباني هي لهدفين، الأول: هو مكافحة “الإرهاب مع الحلفاء” و”قسد” في المنطقة.
أما الهدف الثاني، يتمثل في سعي طالباني “لتوحيد الخطاب السياسي الكردي، في ظل انقسام غير مطلوب، والزيارة تأتي لتقوية العلاقة مع هذا الجزء الكردستاني”، بحسب تعبيره.
التطور الثاني كان مقتل تسعة عناصر من “قسد” بينهم قائد “قوات مكافحة الإرهاب” شرفان كوباني، نتيجة تحطم طائرتين مروحيتين كانتا في طريقهما من شمال شرق سورية إلى محافظة السليمانية.
وقال رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، إن “هذه المروحيات كانت في الأصل تم شراؤها من قبل مجموعة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، ولكن كيف ولماذا وصلت هذه المروحيات إلى يد قوات سوريا الديمقراطية هذا ما لا نعرفه. ولماذا كانوا موجودين في هذا المكان وتحطمت هناك، هذا ما يحتاج إلى تحقيقات أكثر”.
وتعليقاً على ذلك، قال وزير الدفاع التركي، خلوص آكار: “مرة جديدة يتم ضبط داعمي التنظيم الإرهابي بالجرم المشهود من خلال منحهم المروحيات”، في إشارة إلى تعاون عسكري بين الطرفين.
وأضاف: “عليهم أن يدركوا أن هذه جهود لا طائل من ورائها، فحربنا على الإرهاب ستستمر دون انقطاع حتى القضاء على آخر إرهابي”.
وعقب ذلك أوقفت الخطوط الجوية التركية رحلاتها إلى مطار السليمانية في كردستان العراق، بعد الحديث عن اكتشاف ممر جوي بين سورية والعراق لنقل مقاتلي “حزب العمال الكردستاني”.
ونقل موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، عن مصدرين تركيين مطلعين على القضية، أن توقيف الرحلات جاء رداً على العلاقات المتزايدة بين “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”حزب العمال الكردستاني” الذي تصنفه تركيا “إرهابياً”.
وأضاف المصدران أن تلك العلاقات تجسدت عبر ممر جوي بين سورية والعراق، يُستخدم لنقل مقاتلين بارزين من “حزب العمال” بأمر من زعيم “الاتحاد الوطني الكردستاني” بافل طالباني.
التطور الثالث هو الكلمة التي وجهها بافل طالباني، في عيد “النوروز”، الشهر الماضي، للأكراد في ديار بكر جنوب تركيا.
وقال طالباني “إنني أدعو جميع الدول المجاورة إلى إطلاق سراح سياسيينا، وإطلاق سراح جميع قادتنا، والسماح للناس بزيارتهم وأطبائهم ومحاميهم لخدمتهم”.