تعزيز هيمنة إيران على الاقتصاد السوري بـ”ثمان لجان وقرارات كبرى”
عقب الدعم الإيراني منقطع النظير لنظام الأسد بشقيه العسكري والسياسي، تواصل طهران البحث عن ثمن دعمها وتدخلها وتعويض التكاليف الباهظة التي دفعتها، وذلك عبر توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع حكومة الأسد تشمل قطاعات الاقتصاد كافة.
لكن بعض هذه الاتفاقيات بقيت حبيسة الورق ولم تترجم فعلياً على الأرض، وهو ما دل عليه تصريحات مسؤولين إيرانيين، خلال الأشهر الماضية، بأن إيران لم تستفد من السوق والاقتصاد السوري، وأن العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام ضعيفة جداً ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، على عكس دول أخرى مثل روسيا وتركيا.
كل ذلك دفع طهران إلى التحرك السريع والضغط على نظام الأسد من أجل موافقته على توقيع “اتفاقيات كبرى” في كافة القطاعات الاقتصادية، في ظل إقبال دول عربية للانفتاح النظام، لـ”نقليص النفو الإيراني” كما تقول.
زيارة غير عادية
تحط طائرة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في دمشق، يوم غد الأربعاء، في زيارة هي الأولى لرئيس إيراني إلى سورية منذ اشتعال الثورة ضد بشار الأسد سنة 2011.
وحسب صحيفة “الوطن” شبه الرسمية فإن الزيارة التي تستمر ليومين، ستأخذ طابعاً اقتصادياً، إذ سيبحث مع الأسد “تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين وخصوصاً في الجانب الاقتصادي”.
كما سيتم التوقيع خلال الزيارة “على عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بالتعاون الاقتصادي بين البلدين”، حسب الصحيفة.
وكان من المفترض أن تجري زيارة الرئيس الإيراني، أواخر العام الماضي، لكن خبراء رجحوا تأجيلها في ذلك الوقت، بسبب سلسلة الطلبات الإيرانية التي تم إدراجها لنظام الأسد على جدول الزيارة، ويعود بعضها لعام 2017 وبعضها جديد.
وتحدثت صحيفة “الشرق الأوسط” حينها عن ضغوط إيرانية على الأسد، للحصول على “ضمانات سيادية”، مقابل الأموال التي صرفتها طهران على النظام خلال دعمها له منذ سنة 2011.
ومن بين تلك الاتفاقيات الجديدة، أن “يُعامل الإيرانيون في المستشفيات، والمؤسسات العلمية، والمُلكية…وغير ذلك، بنفس معاملة السوريين. وفي حال ارتكب إيرانيون جريمة، فإنهم يحاكمون أمام القضاء الإيراني وليس السوري”.
ونقلت عن دبلوماسي غربي زار دمشق (لم تكشف عن هويته)، أن طهران “تريد الحصول على تنازلات سيادية كبيرة في أوج حاجة دمشق لها (بسبب أزمة المشتقات النفطية) وانشغال روسيا بحرب أوكرانيا، لسداد التكاليف التي دفعتها خلال الحرب والتي تصل إلى نحو 20 مليار دولار أميركي”.
كما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكي، مطلع العام الجاري، أن طهران اشترطت على نظام الأسد دفع سعر أكبر مقابل الحصول على شحنات النفط، إضافة إلى اشترط طهران الدفاع مقابل إمدادات النفط وعدم قبولها بإرسال شحنات جديدة بالدين.
وكان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، طالب خلال اتصال هاتفي مع بشار الأسد في يوليو/ تموز الماضي، بضرورة تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين و”متابعتها بجدية”.
في المقابل اعتبر الباحث المختص بالشأن الإيراني، محمود البازي، أنه لا علاقة لزيارة الرئيس الإيراني برضوخ النظام، وإنما هي مسألة ترتيبات داخلية ولوجستية.
وقال البازي لـ”السورية. نت” إن فكرة الزيارة ترددت في أواخر 2021 و2022، ومرة ثالثة في مطلع العام الحالي، و”المسألة لا تتعلق بالموافقة على الشروط من عدمها”.
وأضاف “إذا كنا نتحدث عن ظروف الحكومة السورية فإن 2022 كانت الظروف أصعب وأعقد بالمقارنة مع ظروف اليوم والانفتاح السعودي العربي على دمشق، فالمسألة هي مسألة ترتيبات داخلية ولوجستية”.
قرارات مصيرية
زيارة رئيس سبقها وصول وفد اقتصادي إيراني كبير إلى سورية، الأسبوع الماضي، لحضور اجتماعات اللجنة الإيرانية- السورية المشتركة، برئاسة وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بازارباش.
وانتهت الاجتماعات التي استمرت ليومين بتوقيع محضر الاجتماع الذي يضم عدداً من الاتفاقيات التي تقسم إلى ثلاثة أقسام، حسب وزير الاقتصاد في حكومة الأسد، سامر خليل.
وقال خليل لصحيفة “الوطن” إن “الاتفاقيات تقسم لمجموعات من الوثائق، أولها متفق عليها وهي جاهزة للتوقيع وخاصة في مجال المناطق الحرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمعارض”.
المجموعة الثانية في مجال السياحة والكهرباء والسكك الحديدية، وهي اتفاقيات بحاجة إلى التفاوض وتأكيد من الجانب الإيراني، أما المجموعة الثالثة فهي اتفاقيات تدرس حالياً في مجال الإعلام والمتاحف والآثار والبحث العلمي.
من جانبه تحدث المسؤول الإيراني على أنه “للوصول إلى علاقات حيوية بين البلدين يجب اتخاذ قرارات كبرى”، مشيراً إلى تشكيل ثماني لجان تخصصية.
وتختص اللجنة الأولى بالمصارف والشؤون المالية والتأمين والتحويل المباشر للأموال، واللجنة الثانية تختص بمواضيع الكهرباء والخط الإئتماني الإيراني، في حين تختص اللجنة الثالثة في ملف النفط واستثمار الشركات الإيرانية..
اللجنة الرابعة ستناقش ملف النقل بكل أنواعه وخاصة السكك الحديدية من إيران إلى سورية مروراً العراق، في حين تبحث اللجنة الخامسة والسادسة ببناء المدن الصناعية والشؤون الزراعية، وإعطاء 5000 هكتار من الأراضي الزراعية كي تتم زراعتها من الجانب الإيراني.
وتناقش اللجنة السابعة الشؤون السياحية ومنها السياحة الدينية، حيث تم وضع هدف لدخول 50 ألف زائر إيراني إلى سورية، أما اللجنة الأخيرة فهي لجنة متابعة الديون الإيرانية، إذ “كان هناك اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراض بدل هذه الديون”، حسب بازارباش.
ويقول البازي إن زيارة رئيسي تأتي “لترجمة التدخل العسكري إلى منافع اقتصادية مستدامة في سورية”، ولذلك تهدف إيران إلى ربط الأسواق العربية بالبضائع الإيرانية.