تعقيدات الحوار الكُردي –الكُردي في سورية
أشهرٌ عديدة ولا تزال الحوارات جارية بين المجلس الوطني الكُردي وأحزاب الحركة الوطنية الكُردية،- بغالبيتها الأحزاب المنضوية في الإدارة الذاتية-. ولهذا الحوار طابع مغاير عن الحوارات السابقة، وإن بدا الحوار على أنه ذو خصوصية كُردية –كُردية داخلية سوريا، بيد أن تغيرات جوهرية أصابت صُلب العملية السياسية السورية برمتها، ورُبما تلعبُ دوراً محورياً في تأثيرها على الحوار حتّى قبل نتائجه، بدءاً من تنامي تأثير الأوضاع الإقليمية على الساحة السورية، كاحتمالية ترسيم جديد للحدود البحرية الإقليمية في المتوسط، وفقاً لصراع النفوذ على الغاز، والتوافق التركي الروسي في ليبيا، والدور الروسي المميز اليوم على صعيد تصفير المشكلات والحفاظ على علاقاتها وشراكاتها مع مختلف الدول.
المخيف في نوعية العلاقات المتجددة بين تركيا وروسيا، وإمكانية تأثيرها على الوضع الكُردي في سوريا عبر جملة من المقايضات، إنما يتجسد بقرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، ويقابله أزمة متجددة بينهما في شمال غربي سوريا، هذا الربط بين الملفين المعقدين، والمطلب التركي حالياً بمقايضة جنوب طريق حلب – اللاذقية مع تل رفعت ومنبج التي تسيطر عليها “قسد” بدعم روسي، بدلاً من الحل العسكري في إدلب، وربما يكون وقف إطلاق النار في ليبيا وتفعيل العملية السياسية هناك، يقابله منع تفكيك نقاط المراقبة التركية بين حماة وحلب وإدلب. قدّ يكون ثمة مطلب تركي آخر غير معلن في اتفاقه مع روسيا، قوامه الوضع الميداني والسياسي الكُردي في شرق الفرات، مع استحضار دور روسيا في شرق وغرب الفرات، ومحاولاته الحثيثة من سحب ورقة قوات سوريا الديمقراطية لصالحه، مستفيداً من الراهنية الجديدة لهذه القوات بعد عملية نبع السلام، والتي لا تشبه الوضع الكُردي جغرافياً وسياسياً، قبل وبعد تلك العملية وما تلاها من اتفاقٍ تركي مع روسيا وأميركا، والتي تقاطعت إحدى بنود الاتفاق على إخراج قوات سوريا الديمقراطية خارج المنطقة كلها وربما إلى /32/ كم مع تجريدهم من السلاح.
والمستجد الخاص بالراعي الحالي للحوارات المتمثل بالإدارة الأميركية والتي يبدوا أنها تسعى هي الأخرى لاستثمار هذه الحوارات لدعم جزئي محدود لحملتها الانتخابية في مواجهة “جون بايدين” الذي يُبدي استعداده لدعم كامل للقضية الكُردية في سوريا.
بمعنى أدق فيما يتعلق بشكل ومضمون الموقف الروسي والأميركي من شرق الفرات، فإن تركيا أحدثت خرقاً عميقاً في نمطية شبكة العلاقات التي نسجتها “قسد” مع كلاً من الفاعلين الدوليين، عدا عن التواصل الأمني بين أنقرة ودمشق، والثابت في الأمر إعادة تفعيل اتفاقية أضنة، وربُما بتوسيع مناطق نفوذها إلى حدود دير الزور.
أيضاً، التي تتيح لتركيا ملاحقة تلك القوات ضمن الأراضي السورية. إضافة إلى المستجدات الأخيرة في سياسة الائتلاف السوري المعارض، وتعرض عضوية المجلس الكُردي في هيئة التفاوض للقرصنة، واستبدال ممثل المجلس الكردي دون علمه، بأخر من المكون العربي، عقاباً على استمرار الحوارات.
وفقاً لكل هذه المستجدات، ونقاط القوة التي نسجتها تركيا مع الفواعل الرئيسيين في الملف السوري، والرؤية السياسية الروسية للحل في سوريا، وإصرار الإدارة الأميركية على مسار الحل السياسي في جنيف وفق 2254، يعيش ملف الحوار الكُردي –الكُردي ثلاث تقاطعات مخيفة في مضمونها، ومجهولة في مصيرها:
أولها: إن ما حصل حتى اللحظة مهم ومفيد، وما تم إنجازه يُعتبر إزالة لغم في طريق متعرج معبد بالمسامير المختلفة لعرقلة الحوار، لكنه لا يخرج من كونه تفاهمات حول رؤية سياسية، لم تُنفذ بعد، ولم تدخل حيز التطبيق العملي، فلا يزال المشروع السياسي للإدارة الذاتية كما هو دون تغيير، وحتّى لو صحت التوقعات والتسريبات عن قرب الإعلان عن المرجعية السياسية وشكل الإدارة الذاتية المقبلة، فإن أيَّ شيء لن يدخل حيز التنفيذ والتطبيق إلى حين الاتفاق النهائي الشامل، والذي وضحه سكرتير الحزب الديمقراطي الكُردستاني –سوريا، ورئيس المجلس الكُردي السيد “سعود الملا” في أكثر من مناسبة حول العراقيل التي تمنع التوصل إلى الاتفاق العميق المنشود، والتي كورها في قضية التعليم، التجنيد وبشمركة روج آفا، العقد الاجتماعي، قضية المعتقلين لدى الإدارة الذاتية، وخروج جميع العناصر الكُردية غير السورية من كُردستان سوريا؛ وهو ما يعني أن تنفيذ التفاهم حول رؤية سياسية، مؤجلة إلى حين الاتفاق النهائي الشامل. خاصة وأن وثيقة التفاهم السياسي لم تحمل توقيع أي طرف، ما يعني أن جميع التفاهمات والاتفاقات الجزئية إن تم الاتفاق عنها تباعاً، ربما لن تحمل هي الأخرى أي توقيع، إلى حين الاتفاق الشامل النهائي على جميع الملفات.
ثانيتها: نجاح الاتفاق سيقوي ورقة الجهة التي ستصطف المنصة الكُردية الموحدة إلى جانبها، خاصة في مسارات الحل السياسي، كما ستشكل المنطقة عمقاً استراتيجيا مهما لها على صعيد الاستقرار والدعم الاقتصادي لغرب الفرات، عبر قطاعات الطاقة والزراعة والتبادل التجاري.
الثالث وهو الأخطر: تعي قسد جيداً، أن روسيا وأميركا تتعاملان معها بنمطية جديدة، قوامها خسارتها في كُل المعارك مع تركيا وفصائل المعارضة السورية، واستمرار التهديدات التركية لها، وإن لن تشهد المنطقة أيَّ تحركاً عسكري إلى حين الانتهاء من الانتخابات الأميركية، بيد أن عدم تنفيذ الشرط الأميركي الواضح حول قطع أي صلة لقسد أو الإدارة الذاتية مع أي طرف غير سوري، سواء العمال الكُردستاني، أو حتى روسيا، أو نوعية علاقات جديدة مع دمشق وحلفائها، سيعني مزيداً من التهديد الأميركي بالانسحاب ومنح تركيا الضوء الأخضر بالمزيد من الاجتياح، خاصة أن لا سياسة استراتيجية واضحة لواشنطن في سوريا.
ليس أمام الطرفين الكُرديين سوى الاتفاق، ووحده الاتفاق الشامل، الذي لم يُنجز منه سوى القليل، والقليل جداً، سيحقق الحفاظ على ما تبقى من الأراضي الكُردية في سوريا، أو أن أعواما عصيبة تنتظر المنطقة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت