قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن نظام الأسد يرى في الزلزال الذي ضرب مناطق شمال غربي سورية، فرصة للخروج من عزلته الدولية، وإثبات أن التعامل معه هو “وسيلة مثمرة لتحسين ظروف السوريين المنكوبين”.
وفي تقرير لها، اليوم الأربعاء، قالت الصحيفة إن النظام رضخ بالنهاية، حين سمح للأمم المتحدة بإدخال مساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرته شمال غربي سورية، عبر معبرين إضافيين مع تركيا.
وأضافت أن “الوصول إلى المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة قد تم تسييسه طوال فترة الصراع من قبل الأسد، الذي فرض قيوداً على حركة المنظمات الإنسانية” بدعم من روسيا، كما أن بعض الدول المجاورة لسورية عرقلت دخول المساعدات أيضاً.
واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن عدم اعتراض الأمم المتحدة على ذلك علناً “هو خطوة يجادل النقاد بأنها تهدف إلى الحفاظ على الوصول إلى دمشق، على حساب ملايين المدنيين الذين يعيشون خارج سيطرة الأسد”.
الأسد يضغط لمصلحته
تقول “واشنطن بوست” إنه بعد اعتراف الأمم المتحدة بفشلها بالاستجابة لمتضرري الزلزال في سورية، بدأ الأسد يضغط لمصلحته، من أجل رفع العقوبات المفروضة عليه، مدعياً أنها تعرقل وصول المساعدات.
وأضافت: “يشكك معارضو النظام بهذا الادعاء، مشيرين إلى وجود استثناءات للأغراض الإنسانية التي كانت سارية منذ فترة طويلة”.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أعلنت إعفاء أية معاملات متعلّقة بجهود إغاثة ضحايا الزّلزال في سورية من العقوبات، وذلك لمدة 180 يوماً، وحتى تاريخ الثامن من أغسطس/آب المقبل.
وبهذا الصدد، قالت “واشنطن بوست” إن التحذير الوحيد هنا هو أن إدارة بايدن ستحتاج إلى إيلاء اهتمام وثيق للغاية لاحتمال أن يسعى حلفاء النظام إلى إخفاء الاستثمارات الاستراتيجية الخاضعة للعقوبات في سورية، ضمن الأنشطة التي توصف بأنها “إغاثة من الزلزال”.
وأضافت: “إلى جانب ما قد يجنيه الأسد من توسيع تدفقات المساعدات إلى البلاد – وهناك مخاوف متزايدة بشأن تحويل أجزاء من هذا الدعم عن المجتمعات المحتاجة – هناك حقيقة أوسع مفادها أن التعاطف الطبيعي مع المحنة السورية قد يؤدي إلى خروج النظام من عزلته المفروضة من قبل الكثير من المجتمع الدولي”.
وأضافت: “يمكن القول إن هذه العملية كانت قيد التنفيذ بالفعل، لا سيما في الجوار السوري. وقد تحركت دول مثل الإمارات العربية المتحدة، التي كانت ذات يوم من أنصار المعارضة السورية، لإصلاح العلاقات مع الأسد ووعدت أيضًا بتقديم مساعدات كبيرة في أعقاب الزلزال”.
وكذلك أرسلت السعودية أول رحلة طيران مباشرة إلى سورية منذ عقد، كما أعادت تونس -مهد الربيع العربي الذي أشعل الانتفاضة السورية- العلاقات الرسمية مع الأسد مؤخراً.
ونقلت الصحيفة الأمريكية في ختام تقريرها عن ويل تودمان، الزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الأسد “يحاول إعادة تأهيل صورته عبر إظهار الرغبة في تقديم تنازلات من خلال المفاوضات مع الجهات الفاعلة الدولية”.
وأردفت “هذه التنازلات طفيفة، لكن يأمل (الأسد) أن تكون كافية لبناء إيمان في العواصم الأوروبية وأماكن أخرى، بأن التعامل مع النظام هو وسيلة مثمرة لتحسين ظروف السوريين المحتاجين”.
“كل البيض في سلة النظام”
من جانبها، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” في تقرير لها أمس الثلاثاء، عن مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، قوله إن فتح معابر إضافية في مناطق شمال غربي سورية “يأتي لصالح الأسد سياسياً”.
وأضاف أن النظام “أثبت للعالم أن الأمم المتحدة غير مستعدة لفعل أي شيء في سورية دون إذن منه”، مشيراً إلى أن أزمة الزلزال سمحت للأسد “بإغراء المجتمع الدولي للتطبيع معه”، رغم أن فك العزلة السياسية عنه بشكل كامل يحتاج لتحولات كبيرة من واشنطن ولندن.
واعتبر ليستر أن الأمم المتحدة “وضعت كل بيضها في سلة النظام”، عبر قيامها بتسييس المساعدات الإنسانية والتفاوض مع النظام لتأمين وصولها لمعبر لا يسيطر عليه بالأساس.
أما الأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، جوزيف ضاهر، قال للوكالة الأمريكية إن موافقة نظام الأسد على فتح المعابر الإضافية مع تركيا “كان سياسياً أكثر منه إنسانياً”.
وأضاف: “إنها وسيلة للنظام لإعادة تأكيد سيادته ومركزيته واستخدام هذه المأساة كأداة لتحقيق أغراضه السياسية”.
ويشير خبراء سياسيون وإنسانيون إلى أن الأمم المتحدة ليست بحاجة لقرار من مجلس الأمن لإرسال مساعدات عبر الحدود في حالات الطوارئ، وسبق أن ألقت مساعدات جوية على مدينة دير الزور السورية عندما حاصرها مسلحو تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وكانت أول قافلة مساعدات أممية دخلت إلى مناطق شمال غربي سورية، أمس الثلاثاء، عبر معبر باب السلامة، المغلق أمام المساعدات منذ عام 2020، نتيجة “فيتو” روسي في مجلس الأمن، أخرج هذا المعبر عن إطار المساعدات العابرة للحدود.
وتعاني مناطق شمال غربي سورية من أوضاع كارثية أساساً، تفاقمت حدتها لأضعاف، بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة، في 6 فبراير/ شباط الجاري، وأودى بحياة أكثر من 2274 شخصاً حتى اليوم.