تقرير: الوجود الأمريكي في سورية “نقطة ضعف” وبدائل “روسية” للانسحاب
قالت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية إن النفوذ السياسي والدبلوماسي للولايات المتحدة في الملف السوري “لا يزال محدوداً”، في وقت تواجه فيه القوات الأمريكية في سورية “مخاطر” عدة.
وفي تقرير لها، أمس الاثنين، قالت المجلة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية، إن واشنطن لا تزال تستثمر موارد مالية وعسكرية بشكل كبير في سورية، على أمل تحقيق نتيجة سياسية “غير محددة”.
وبحث التقرير خيارات الانسحاب الأمريكي من سورية، معتبراً أن قرار سحب القوات الأمريكية من سورية، بعد وقت قصير من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، سيكون مكلفاً من الناحية السياسية، وسيزيد من زعزعة الثقة الإقليمية في التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
تفاوض “مشروط” للانسحاب
بحسب تقرير “فورين أفيرز”، لا يزال الوضع الراهن في سورية مصحوباً بمخاطر عدة، خاصة أن ساحة المعركة هناك “معقدة”، حيث تعمل القوات الروسية والسورية والأمريكية على مسافة قريبة بشكل متزايد.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت الهجمات التي تنفذها الميليشيات المدعومة من إيران ضد القواعد الأمريكية في سورية، كما تجدد التهديد بعملية عسكرية تركية ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى كل هذا، تحتاج إدارة بايدن إلى معالجة هذه الأسئلة: هل استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سورية ضروري، وهل هو مجدي؟
تقول المجلة الأمريكية إن إدارة بايدن تتمسك بالأمل في أن الظروف ستتغير أو تتحسن، وأن تسوية تفاوضية أفضل للملف السوري ستصبح واضحة.
“ومع ذلك، فإن كل يوم يمر يزيد من المخاطر على القوات الأمريكية ويضعف، لا يقوي، الموقف التفاوضي للولايات المتحدة فيما يتعلق بما يمكن الحصول عليه من الأسد وروسيا مقابل رحيل الولايات المتحدة”، بحسب التقرير.
وأضاف: “يجب على الولايات المتحدة التفاوض على خروج يؤمن، في أسرع وقت ممكن، مصلحتها الأساسية في سورية، ويضمن وصول الولايات المتحدة إلى المجال الجوي السوري وسلامة السوريين الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية لهزيمة داعش”.
مخاطر البقاء
تقول المجلة في تقريرها، إنه منذ أن أجرت إيران وروسيا وتركيا محادثات ثلاثية في يونيو/ حزيران الماضي، وسّعت تركيا من استخدامها للطائرات بدون طيار والقذائف المدفعية والضربات الجوية في المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا، مستهدفة شركاء الولايات المتحدة.
إذ نفذت تركيا، بحسب التقرير، ما لا يقل عن 56 غارة بطائرات بدون طيار حتى اليوم هذا العام، ما أسفر عن مقتل حوالي 50 عنصراً من مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بما في ذلك عناصر من خارج “وحدات حماية الشعب”، وعشرة مدنيين.
وأضاف أن تصرفات تركيا تزيد من إضعاف الموقف الأمريكي في شمال شرق سورية، لأنها تصرف انتباه “قسد” عن تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتجبرها على طلب الدعم من روسيا ونظام الأسد لمواجهة تركيا.
وفي وقت سابق من هذا العام، سهّلت “قسد” نشر المزيد من قوات النظام السوري في الأراضي التي تسيطر عليها، لإحباط التوغل التركي،و من المرجح أن يزداد الوضع سوءاً قبل الانتخابات التركية عام 2023، مع احتمال استعداد أردوغان لتحمل مخاطر أكبر لدرء الهزيمة، بحسب ما ورد في التقرير.
وأضاف: “إذا غادرت القوات الأمريكية بطريقة غير منسقة، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً ستكون هجوماً عسكرياً تركياً لتحقيق أهداف أردوغان المعلنة، وهو تدخل من المرجح جداً أن يؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من السوريين وإلحاق الضرر بعلاقات الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية بشكل لا يمكن إصلاحه”.
وفي الوقت نفسه، فإن نظام الأسد غير قادر عسكرياً على السيطرة على جميع الأراضي الخاضعة حالياً لسيطرة “قسد”، وإذا غادرت القوات الأمريكية عبر تسوية تفاوضية مع روسيا، فإن وجود النظام الاسمي دون سيطرة واسعة النطاق، هو النتيجة الأكثر ترجيحاً في المناطق التي كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة من قبل.
لكن حتى هذا لا يزال يشكل مخاطر جسيمة لشركاء الولايات المتحدة، بحسب التقرير، لأن نظام الأسد قد يحتجز أو يقتل أعضاء بارزين في “قسد” لإضعاف نفوذ واشنطن في المناطق التي ستكون حينها تحت السيطرة السورية.
التفاوض مع الروس
جاء في التقرير أن إسرائيل أثبتت أن تأمين الوصول إلى المجال الجوي السوري ممكن بالفعل من خلال استخدام الدبلوماسية مع روسيا، التي تسيطر على أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدماً في سورية، والقوة الغاشمة ضد نظام الأسد إذا تعرضت الطائرات الإسرائيلية للتهديد.
وبالتالي فإن “الانسحاب الأمريكي المنسق بشكل فضفاض من شأنه أن يحسن بشكل كبير من احتمالية التوصل إلى اتفاق دبلوماسي بشأن الوصول إلى المجال الجوي السوري، وستحتفظ الولايات المتحدة بالحق الطبيعي في الدفاع عن النفس إذا تعرضت للتهديد من قبل قوات النظام أثناء القيام بضربات ضد داعش”.
وختم أنه بعد حوالي سبع سنوات من وصول أول جندي أمريكي إلى الأراضي السورية، حان الوقت لواشنطن أن تسحب قواتها، إذ لم يعد الوجود العسكري الأمريكي في سورية رصيداً استراتيجياً، بل إنها “نقطة ضعف”.