تقرير: لماذا لا يزال السلام بين تركيا ونظام الأسد بعيد المنال؟
بعد أكثر من عقد من العداء، تكثر الشائعات بأن تركيا ربما تسعى إلى المصالحة مع نظام الأسد في سورية.
وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في أواخر أبريل / نيسان أن محادثات أمنية عُقدت بين أنقرة ودمشق، والتي فسرها البعض على أنها الخطوة الأولى في تقارب أوسع.
في غضون ذلك، لم يفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان القوة الدافعة وراء تحرك أنقرة لقطع العلاقات ودعم أعداء الأسد خلال أحداث الثورة السورية، سوى القليل لرفض هذه المزاعم.
بالنسبة للبعض، بحسب مقال تحليلي نشره موقع “ميدل أيست آي”، اليوم الجمعة، فإن “التحرك نحو السلام مع دمشق أمر منطقي بالنسبة لأردوغان”.
على الصعيد المحلي، دعا خصومه في الانتخابات المقبلة في يونيو/حزيران 2023 إلى إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين لا يحظون بشعبية على نحو متزايد في تركيا.
ويضيف التقرير: “إن تطبيع العلاقات مع الأسد يمكن أن يسرق رعد خصومه، ويفتح إمكانية قيادته لحملة إعادة اللاجئين إلى الوطن بنفسه”.
أما على الصعيد الدولي، قام الرئيس التركي، أردوغان مؤخراً بتحسين العلاقات وحصل على استثمارات اقتصادية حيوية من الإمارات العربية المتحدة، التي مارست ضغوطاً، منذ فترة طويلة على حكومات الشرق الأوسط لإخراج الأسد من حالة العزلة.
و”بينما تبدو استعادة العلاقات مع سورية الخطوة المنطقية التالية في المحور الإقليمي لأردوغان، إلا أن مثل هذا التقارب غير مرجح”، بحسب المقال الذي ترجمه موقع “السورية.نت”.
“لا تناسب الطرفين”
ويرى كاتب المقال، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري بلندن، كريستوفر فيليبس أن “محادثات السلام لا تناسب أردوغان ولا الأسد في الوقت الحاضر”.
وتذهب أولويات الرئيس التركي إلى الداخل، لاسيما أن “اقتصاد تركيا متهور وهناك فرصة جيدة لفقده السلطة في عام 2023 بعد عقدين من تولي زمام الأمور. من المنطقي طرح إمكانية التفاوض مع الأسد كوسيلة للتغلب على خصومه”.
ويتابع فيليبس: “إن اقتراح إعادة انتخابه سيؤدي إلى التطبيع مع سورية، وقد تؤثر عودة بعض اللاجئين على الناخبين المتذبذبين، وخاصة شركائه في الائتلاف السابق، حزب الحركة القومية”.
لكن ومع ذلك “من غير المرجح أن يحدث مثل هذا التقارب قبل الانتخابات. بدلاً من ذلك، يمكن إجراء محادثات على مستوى منخفض للحفاظ على الوهم، فقط من أجل وقفها إذا وعندما عاد أردوغان إلى السلطة”.
“دور واشنطن”
ويعتبر “السلام مع الأسد ليس أولوية إستراتيجية لأردوغان”.
و”قد ترحب الإمارات العربية المتحدة بالتطبيع التركي السوري، لكنها لم تجعله شرطاً للوفاق الأخير بين أبو ظبي وأنقرة”.
في المقابل، فإن الحليف الغربي الرئيسي لتركيا، الولايات المتحدة، يعارض بشدة التقارب مع دمشق.
و على الرغم من الخلافات الأخيرة مع واشنطن، لا تزال أنقرة تأمل في أن تتمكن من إقناع الولايات المتحدة بإنهاء تحالفها مع الأكراد في شرق سورية، مما يتيح للجيش التركي حرية التصرف ضد جماعة تعتبرها إرهابية.
ويوضح المقال التحليلي: “لكن أي اتفاق بين تركيا وسورية من شأنه أن يزيد من احتمال وقوف واشنطن إلى جانب حليفها الكردي”.
ومن المرجح، وفق فيليبس “أن يوقف أردوغان إجراء تغييرات كبيرة على سياسته تجاه سورية حتى يتضح مدى تأثير حرب أوكرانيا على حليف الأسد الرئيسي. روسيا”.
وإذا تعرضت موسكو لأضرار جسيمة بسبب الصراع، أو إذا تمت الإطاحة بفلاديمير بوتين، فمن المرجح أن تضعف موقفها في سورية، “مما يتيح لأردوغان مزيداً من الحرية في إملاء شروط السلام على الأسد المنضب بشدة”.
في المقابل، إذا نجا بوتين وخرج من الحرب بثقة أكبر، فسيحد من خيارات تركيا في سورية.
في حين أنه قد تكون هناك قضية تدفع أنقرة للتوصل إلى اتفاق بشأن الأسد الآن بينما تشتت انتباه روسيا، “إلا أن ذلك سيكون محفوفاً بالمخاطر: لن ينسى بوتين بسرعة مثل هذه الخيانة”، بحسب تعبير كاتب المقال.
كما أن حرب أوكرانيا تجعل الأسد على الأرجح غير مهتم بالمحادثات مع أردوغان.
وجاء في مقال فيليبس: “الرئيس السوري في أضعف حالاته منذ سنوات، حيث تثير مخاوف روسيا تساؤلات حول مقدار الدعم الاقتصادي والعسكري الذي يمكن أن تستمر في تقديمه لدمشق”.
ويضيف: “لكن الأسد، الذي لم يكن على استعداد لتقديم تنازلات أو التفاوض مع خصومه الأجانب أو المحليين حتى عندما كان على وشك خسارة السلطة خلال الحرب الأهلية، لن يكون مستعداً لتقديم تنازلات لتركيا الآن. حتى لو كان الديكتاتور السوري مهتماً بصفقة، فإنه سينتظر حتى تصبح النتيجة من أوكرانيا أكثر وضوحاً بدلاً من التفاوض الآن من موقع ضعف”.
ومع ذلك، يتابع فيليبس: “فإن الأسد غير مهتم حقاً بالتفاوض، على الأقل ليس بشروط أردوغان. قد يرغب الرئيس التركي في الحفاظ على سيطرته على ثلاث مناطق عازلة في شمال سورية، والتي تديرها أنقرة”.
“كما يرغب في ضمان بقاء إدلب بعيدة عن متناول الأسد، لضمان عدم توجه أي من المدنيين البالغ عددهم 3 ملايين إلى تركيا لإضافتهم إلى عدد اللاجئين”.
“عقلية النظام”
في غضون ذلك أشار كاتب المقال إلى أن “كلاهما (الشرطين) لا يمكن تصوره بالنسبة للأسد، الذي تعهد بإعادة احتلال كل شبر من سورية قبل الحرب. لقد صمد النظام البعثي لمدة 55 عاماً لاستعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل، رافضاً عروض السلام على إصراره على أنه يجب أن يستعيد كل خردة من الأراضي التي فقدها”.
و”مثل هذا العناد، المصاغ على أنه مقاومة وطنية، يتم غرسه في عقلية النظام وسيتم تطبيقه على الشمال الذي تهيمن عليه تركيا”.
كما أن “الأسد سيكون على دراية بالوضع الداخلي التركي. لا أحد من خصوم أردوغان في الانتخابات ملتزم بالحرب السورية كما هو، مما يجعلهم شركاء مفاوضين أكثر جاذبية إذا فازوا في عام 2023”.
وقد يؤدي انتصار المعارضة إلى “انسحاب تركيا من جانب واحد من المناطق العازلة وإدلب، أو على الأقل الاستعداد لتقديم شروط أكثر سخاء للأسد”.
واعتبر الكاتب فيليبس: “من المرجح أن يكونوا أقل صموداً في الشمال من أردوغان، لذا فإن الأمر يستحق أن يتراجع الأسد عن المشاركة الجادة إلى ما بعد الانتخابات”.
ويشير كل هذا إلى أن المصالحة بين تركيا وسوريا لا تزال بعيدة بعض الشيء، بالنظر إلى أن لا أردوغان ولا الأسد مهتمين حقاً، لكن “هذا لا يعني أن المحادثات على مستوى منخفض لن تحدث، ولكن من غير المحتمل حدوث انفراج جوهري”.
ويشير المقابل التحليلي إلى أن “العامل الوحيد الذي قد يغير هذا الأمر هو إذا خسر أردوغان في عام 2023. يمكن لحكومة جديدة في أنقرة أن تسعى بشكل معقول إلى رسم خط تحت حرب أردوغان، من خلال التفاوض مع الأسد بشروط سخية”.
ولكن حتى ذلك الحين، “من المرجح أن يقبل الأسد فقط التطبيع من أجل العودة الكاملة للأراضي المفقودة، وهو ما قد يكون مهمة صعبة لأنقرة”.