يبدو ان الادارة الامريكية قد صعدت خياراتها في التعامل مع الجمهورية الاسلامية في ايران، ولن تترك أي وسيلة من اجل الوصول الى الهدف الذي تريده بجر القيادة الايرانية للجلوس الى طاولة المفاوضات ووضع جميع الاوراق والملفات الاقليمية التي تمتلك تأثيراً ودوراً محورياً فيها للبحث، واضعة هذه القيادة أمام واحد من خيارين، إما القبول بالتفاوض والالتزام بالشروط التي وضعتها حول جميع الملفات (النووي والصاروخي والنفوذ الاقليمي والدعم الذي تقدمه لجماعات وميليشات في المنطقة بما يؤثر على استقرار دول حليفة لها في الإقليم، وإما مواجهة خيار تغيير النظام وانهياره ليس عن طريق عملية عسكرية لا تريد واشنطن التورط فيها، بل من خلال المزيد من الضغط والمحاصرة السياسية والاقتصادية لطهران مباشرة ولكل الدول التي قد تمد يد المساعدة لها والاطراف التي تعمل في إطار المحور الذي تقوده طهران.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام السوري لن يكون الأخير في مسار الضغوط والخطوات الامريكية المستمرة على طهران واجباره للعودة الى طاولة التفاوض، وكما كان متوقعا فإن هذه الضغوط بدأت ترتفع وتيرتها مع اقتراب الثالث من تشرين الثاني نوفمبر موعد اجراء الانتخابات الامريكية، والتي كما يبدو ان الرئيس الامريكي دونالد ترمب الطامح لولاية ثانية بحاجة لتحقيق انجاز على هذا المسار خصوصا بعد الارباك الذي برز مؤخرا والذي تسببت به مذكرات مستشاره السابق للامن القومي جون بولتن الذي صوب على أداء الرئيس أهليته لتولي الموقع الاول في الادارة الامريكية، لن يتردد في المضي على مسار التصعيد والمواجهة المفتوحة بعيدا عن الصدام العسكري ما امكن.
واذا ما كان قانون قيصر الذي يشكل حلقة من حلقات الخيارات الامريكية، يبدو موجعا ومؤلما لطهران وحلفائها كما برز من خلال الخطاب الاخير لامين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله، فهو ايضا يحاصر ايران وحلفاءها الدوليين في موسكو وبكين ايضا، ويجعل من اي خطوة تقوم بها هذه العواصم لتخفيف هذا الحصار يعود سلبا على طهران وامتداداتها الاقليمية، اضافة الى انها بدأت تشعر بأن دائرة الحصار بدأت تضيق وتصل الى مستوى التهديد الوجودي لكل مشروعها الاقليمي، خصوصا في ظل ما تشهده الساحة العراقية من محادثات استراتيجية بين حكومة مصطفى الكاظمي والادارة الامريكية في مختلف المجالات والتي تهدف منها واشنطن لتعزيز موقف الحكومة امام الضغوط الايرانية والعمل معها للتوصل الى تفاهم استراتيجي حول استمرار وجود قواتها داخل العراق بما يعنيه ذلك من إفشال المساعي الايرانية لاخراجها من هذا البلد كاستراتيجية وضعتها كرد على اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني مطلع هذا العام في بغداد.
وفي اللحظة التي اعتبرت طهران ان المعركة بينها وبين واشنطن قد ابتعدت نسبيا عن الجدل المباشر حول الملف النووي، وان الصراع بينهما يتمركز في هذه المرحلة حول منطقة غرب آسيا في العراق وسوريا واليمن ولبنان وافغانستان، لجأت واشنطن الى تفجير أزمة بنود الاتفاق النووي والذي يحمل طابعا إقليميا وتحديدا تلك المتعلقة بموضوع رفع الحظر على شراء وبيع الاسلحة الذي ينتهي في الثامن عشر من تشرين الاول اكتوبر المقبل، وبدأت مساع متشعبة من اجل تحقيق هذا الهدف ان كان عبر آليات الاتفاق النووي الذي انسحبت منه قبل عامين، او من خلال مجلس الأمن بالدفع بمسودة مشروع قرار يمدد الحظر اما لمدة زمنية قصيرة الامد او طويلة الامد. وهي مساع اصطدمت برفض روسي – صيني مشترك وتهديد باستخدام الفيتو، وتردد من الترويكا الاوروبية (المانيا وفرنسا وبريطانيا) انطلاقا من الجدل حول حق الولايات المتحدة استخدام آليات الاتفاق لفض النزاعات بعد الانسحاب منه.
واشنطن وأمام السد الروسي الصيني المحتمل، لم تسقط خيار مجلس الأمن وتفعيل آلية فض النزاعات التي تسلب من موسكو وبكين حق استخدام الفيتو، ذهبت الى مسار مختلف، باللجوء الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمخرج الذي وفره التقرير السابق لمجلس حكام الوكالة الدولية الذي أشار الى عدم تعاون ايراني في منح المفتشين الدوليين حق الوصول الى بعض المنشآت النووية، لتدفع باتجاه صدور موقف أكثر تشددا يوفر مخرجا لتردد الترويكا الاوروبية ويمهد الطريق للانتقال الى مجلس الامن، فكان أن أصدر حكماء الوكالة قرارا يدين عدم التعاون الايراني في تسهيل عمليات التفتيش، ما يعني عودة الملف النووي الايراني الى دائرة القرارات الدولية السلبية التي تعيد اشهار سيف العقوبات على النظام الايرانية وامكانية ان تطيح بكل الاجراءات التي قام بها في مواجهة الضغوط الامريكية خلال السنتين الماضيتين، وتضعه ايضا امام واحد من خيارين، اما رفض هذا القرار والاصرار على المسارات المتبعة، واما تقديم تنازلات لابعاد شبح العودة الى دائرة العقوبات.
يبدو ان القيادة الايرانية قرأت الرسالة الاوروبية بشكل واضح وبدأت تتلمس موقفا مختلفا من الترويكا الاوروبية وامكانية ان تذهب لاعتماد التقارب مع موقف واشنطن، فسارع رئيس الدبلوماسية الايرانية الى توجيه رسالة ايجابية عن استعداد بلاده توفير التسهيلات الضرورية والمطلوبة أمام عمل المفتشين الدوليين في الوصول الى المواقع المطلوبة. وهو تراجع يحمل الكثير من البراغماتية والخوف في الوقت نفسه لدى النظام الذي بدأ يدرك بان الاجواء الدولية لم تعد لصالحه نسبيا، وان مروحة العقوبات التي تطاول تأثيراتها العواصم الصديقة له وتهدد عصب المحور الذي يقوده، وان الازمات الاقتصادية المتراكمة التي يمر بها العالم خصوصا اوروبا لا تسمح لعواصم الترويكا بالذهاب الى تباين واضح في المواقف مع واشنطن، لذلك وعلى الرغم من وصفه القرار على لسان مندوبها الدائم في الوكالة الدولية …. بأنه “شرك امريكي – اسرائيلي” يتعارض مع القوانين الدولية وتاريخ التعاون الايراني في موضوع التفتيش وتعزيز الثقة الدولية بسلمية برنامجها، فإنها فضلت الذهاب الى خيار التعاون السريع في محاولة لقطع الطريق على تداعيات أي إجراء يعيد نقل الملف الى مجلس الامن وما فيه من مخاطر تخدم الهدف الامريكي، وان اضافة موقعين او اربعة الى قائمة المفتشين الدوليين على الرغم من حساسيتهما بالنسبة للنظام، الا انها ستضاف الى قائمة المواقع التي يجري تفتيشها وعددها 33 موقعاً لا تقتصر على الانشطة النووية المباشرة بل تطاول مواقع ومصانع عسكرية ومنشآت مدنية وعملية وحتى طبية كانت تجري من دون الكشف او الاعلان عنها. فهل ستقف التنازلات الايراني عند الداخل الايراني والملف النووي ام ستتوسع لتطال ملفات اخرى في الاقليم في الاشهر المقبلة؟
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت