توابع “كورونا” الاقتصادية..أعباءٌ إضافية ترهق سكان الشمال السوري
“البطالة المرتفعة”، “الاقتصاد الهش”، “المشاريع الغائبة”، هي عناوين تعبر عن حالة الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي الذي يضرب الشمال السوري، منذ عدة سنوات، بسبب غياب المقومات اقتصادية، ومشاريع التنمية القادرة على إنعاش المنطقة والنهوض بها، لكن هماً إضافياً لنحو أربعة ملايين نسمة، طرأ حديثاً، مع بدء تسجيل إصاباتٍ بفيروس كورونا المستجد، في إدلب وأرياف حلب، وهو ما قد يخلق تحدياتٍ جديدة للواقع الاقتصادي الهش أساساً.
العمل اليومي أساس الحياة الاقتصادية
وسجل الشمال السوري، الخارج عن سيطرة نظام الأسد، أول إصابة بفيروس “كورونا”، في 9 يوليو/ تموز الجاري، لطبيب يعمل في مشفى باب الهوى، ثم ارتفعت الإصابات تدريجياً لتصل إلى 22 إصابة حتى مساء الثلاثاء 21 يوليو/تموز، توزعت على مدينة سرمدا (7 إصابات)، مدينة الدانا (2 إصابات)، منطقة أطمة (2 إصابة)، مدينة إدلب (1 إصابة)، اعزاز بريف حلب الشمالي (3 إصابات)، باب الهوى (2)، و(5) في مناطق متفرقة بإدلب وأرياف حلب.
وعقب ذلك بدأت المجالس المحلية في ريف حلب والحكومتين، “السورية المؤقتة” (العاملة في ريف حلب) و”الإنقاذ” (العاملة في إدلب وريفها)، باتخاذ إجراءات وقائية لمنع تفشي الفيروس، بإيقاف بعض البازارات، وجمع الأنشطة والتجمعات البشرية.
كما أصدرت “حكومة الإنقاذ” في إدلب بياناً، في 18 يوليو/ تموز، قررت فيه إغلاق جميع المسابح العامة والصالات الرياضية، وحصر عمل المطاعم على الطلبات الخارجية فقط، والتشديد على الحلاقين، كما أغلقت بعض الأسواق (البازار) في المدينة، منها بازار بنش، ما تسبب في توقف عمل أكثر من 180 شخصاً لعملهم، ما يعني تضرر مئات الأسر من ذلك، حسبما قالت مصادر محلية لـ”السورية. نت”.
وفي ظل ذلك، ووسط تحذيرات منظمات طبية وإنسانية من ارتفاع عدد الإصابات، تتوجه الأنظار إلى الوضع الاقتصادي، الذي قد يتفاقم أكثر في حال الذهاب إلى تشديد الإجراءات، خاصة أن حالة الفقر مرتفعة أساساً بين أهالي المنطقة.
وبحسب تقرير نشرته منصة “ReliefWeb“، أواخر العام الماضي، أجرت فيه مسح للواقع المعيشي في الشمال الغربي لسورية، فإن 85% من الأهالي يعتمدون على العمل اليومي.
في حين أجرى فريق “منسقو الاستجابة” استبياناً في ابريل/ نيسان الماضي، أكد فيه أن 84% (من نسبة المشاركين 4783 شخصاً) القاطنين في المنطقة لا يملكون دخلاً ثابتاً، فيما قال 16 % فقط إنهم يملكون مصدر دخل ثابت.
إغلاق الاقتصاد.. كارثة
وعلى الرغم من خطورة الفيروس وانتشاره، إلا أن إغلاق الاقتصاد في الشمال سيكون كارثة على الكثيرين، إذ لا يسمح الواقع الاقتصادي بفرض حظر كامل في المنطقة كباقي الدول، بحسب رأي الباحث الاقتصادي في “مركز عمران للدراسات”، مناف قومان، الذي اعتبر أن “الواقع الاقتصادي في مناطق المعارضة لا يزال هشاً، وغير قادر على تلقي صدمات قوية تؤدي إلى توقف الحياة الاقتصادية”.
واعتقد قومان، خلال حديثٍ لـ”السورية. نت”، أنه “في الوقت الذي لا تزال فيه المنطقة تعتمد بشكل كبير على المنظمات والمساعدات والمانحين، إلا أن أي إجراءات تحد من تنقل الفرق والعمال وتوزيع المساعدات، سواء في المخيمات وخارجها، ستؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها. فضلاً عن تأثر المشاريع التي تنفذ في قطاعات المياه والكهرباء والنقل والمواصلات والتجارة وسواها”.
أما المحلل الاقتصادي، خالد تركاوي، فقد أكد لـ”السورية. نت”، أن الوضع الاقتصادي في الشمال “متعثر”، بسبب توقف التصنيع وتعرض الزراعة إلى مشاكل كبيرة، إضافة إلى توقف معظم الصناعات، مستبعداً تدهور اقتصادي أكثر من الواقع الحالي الذي وصفه بـ”السيء”، قائلًا إن “الاقتصاد بالشمال السوري يقتصر على تأمين الاحتياجات اليومية الأساسية اللازمة، وهذه لا يمكن تعطيلها بكورونا”.
وتتخوف نسبة كبيرة من “العاملين المياومين” فرض السلطات المحلية فرض حظر تجوال، ما سيؤثر سلبًا على أعمالهم وحياتهم المعيشية، كونهم يعتاشون على ما يحصدونه من عملهم اليومي في ظل غياب أي دخل ثابت.
وأكد مناف قومان أن أي فرضٍ لحظر التجوال/ لا شك سيتسبب بأذى كبير لهذه الفئة (عمال اليوميات)، فـ”التجربة التي عاشتها الدول التي عانت من كورونا حول العالم كشفت أن هذه الفئة هي الأشد تضرراً”.
وحول إمكانية المفاضلة بين الواقع الاقتصادي المتردي (الفقر) وإبقاء الأسواق مفتوحة، وبين التصدي لـ”كورونا”، سأل فريق”السورية.نت” وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، حول ذلك، فقال إنه “في حال تفشي كورونا يجب اتخاذ قرار الحظر، دون النظر إلى الوضع الاقتصادي، لأن تفشي كورونا سيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير”.
إلا أن المصري أكد أن فرض حظر التجوال والتشدد بالإجراءات، سيؤدي إلى إغلاق المحلات وإيقاف البازارات والأسواق، ما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة أكثر وتوقف كثير من الأعمال الحرة، خاصة وأن معظم الأعمال في المنطقة هي مشاريع صغيرة تجارية كالمطاعم وغيرها، وستتأثر بشكل كبير، و”بالتالي نتحدث عن تدهور اقتصادي لكل الفئات”.
إمكانيات الحكومة المؤقتة ضعيفة
وخلال الأشهر الماضية فرضت غالبية دول العالم حظر تجوال جزئي، ما أدى إلى تضرر فئة العمال المياومين، لكن بعض الحكومات عملت على تخفيف أضرار هذه الفئة بشتى الوسائل، وهو مالا يمكن حدوثه في مناطق شمال غربي سورية.
الباحث قومان أوضح أن “الشمال ليس دولة، لا يملك مقوّمات الاستقرار، والمنطقة تعيش حالة التعافي الاقتصادي المبكر، والمجالس المحلية تعتمد بشكل كبير على المساعدات والمنح والمشاريع المقدمة من مختلف الجهات، وبالتالي الإجراءات الاقتصادية في هكذا منطقة ستعتمد على المساعدات أيضاً”.
وتوقع قومان أن تشهد الفترة المقبلة، تعبئة الموارد والمشاريع باتجاه القطاع الطبي، على حساب تعطيل المشاريع في القطاعات الأخرى.
وأكد وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عدم إمكانية تقديم حزم مساعدات لفئة المتضررين، لكنه قال إن حكومته، قد تساعد في دعم أسعار بعض السلع، مثل الخبز وإمكانية توزيعه مجاناً في ضوء الإمكانات المتاحة، كما تتواصل مع الجهات والمؤسسات والمنظمات الدولية والمحلية من أجل تخفيف الضرر على الأهالي في الشمال.
من جهته اعتبر قومان أن الحلول يجب أن تكون في “تخفيف إجراءات الإغلاق والحجر الصحي إلى الحد الأدنى، فهذه الإجراءات تسببت بانهيار وتهديد اقتصادات كبيرة، فكيف سيكون الحال مع منطقة محدودة الموارد والإيرادات”.
وأكد أنه “يمكن الالتزام بالإجراءات الصحية العامة، مثل التباعد الاجتماعي والكمامة، أما إغلاق الأسواق والحجر الصحي، فهذا سيكون له تبعات كبيرة جداً”.