حذر مسؤول التخطيط الإستراتيجي في “المنتدى السوري”، ياسر تبّارة، من خطورة الوضع “الكارثي” الذي تعيشه مناطق شمال غربي سورية، خاصة في ملف التعليم وتسرب مئات آلاف الطلاب من المدارس، منوهاً إلى أن “تجاهل هذا الملف سيكون له تبعات سيئة بعد خمس وعشر سنوات، على مستوى الجهل والفقر والإرهاب”.
وقال تبارة الذي كان قد أجرى رفقة وفدٍ يرأسه غسان هيتو، الرئيس التنفيذي لـ”المنتدى السوري”، سلسلة اجتماعات في جنيف ونيويورك وواشنطن الشهر الماضي، إن أولولية هذه الجولة، إعادة الملف السوري إلى الأجندة الدولية، وتعزيز برامج دعم الاستقرار في شمال غربي سورية، وضمان استمرار مسار المحاسبة والمسائلة عن الجرائم التي ارتُكبت خلال السنوات الـ12 الأخيرة.
جاء ذلك في لقاء له على قناة “أخبار الآن”، تحدث فيه عن كواليس الاجتماعات الأخيرة حول سورية،ومواضيعها الأساسية.
إعادة المجتمع الدولي الإنساني
وقال تبارة، إن أحد أهم أهداف تلك اللقاءات، يأتي من منطلق “إعادة الملف السوري للمحافل الدولية قدر الإمكان، وجعله فعالاً في الأمم المتحدة والعواصم الدولية”.
وأضاف أن العنوان العريض لتلك الاجتماعات كان “وضع الملف السوري والمأساة السورية على أجندة هذه المحافل”، مشيراً إلى سلسلة “اجتماعات في جنيف وبعدها ذهبنا إلى واشنطن ثم نيويورك”.
وحول اجتماعات جنيف، قال تبارة إن اللقاءات تركزت على الحديث عن مخاوف من تعطيل عمل لجنة التحقيق الدولية حول سورية، والتي تعمل بما يخص محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سورية.
مشيراً إلى أن “واحدة من أهم نقاط المناصرة التي قدناها في جنيف هي الدفع بضرورة استمرار عمل هذه اللجنة بشكل مفتوح”.
أما في واشنطن، فقد تحدث مسؤول التخطيط الاستراتيجي في “المنتدى السوري” عن لقاءات تتعلق بالملف الإنساني والإغاثي في سورية.
وقال: “أهم نقاط لقاءاتنا كانت إعادة انخراط المجتمع الدولي الإنساني في دعم استقرار شمال غرب سورية، الذي أُهمل من قبل الكثير من الفواعل الدولية الإنسانية، وعاش فترة صعبة بعد الزلزال المدمر” في فبراير/شباط الماضي.
العودة للتغيير السياسي
وحول مسار الحل السياسي في سورية، قال ياسر تبارة إن القضية السورية “ليست قضية إنسانية بحتة، بل تبقى بالأساس قضية سياسية وقضية تغيير في إدارة الدولة وإعادة بناء مقوماتها، التي انتُهكت بشكل ممنهج منذ عقود”.
وأضاف “أهم نقطة هي أن يستعيد السوريون زمام مبادرتهم”، إذ “ليس هناك أي جهة سورية (سواء النظام في دمشق أو جهات الأمر الواقع) تمتلك زمام أمورها وإرادتها بشكل كامل”.
وتابع: “مقاربتنا في المنتدى السوري أن ندخل إلى التغيير السياسي من المدخل الاقتصادي والتنموي والحوكمي، على مستويات محلية”.
موضحاً أنه منذ بداية الثورة السورية “استثمرنا في دراسة الحكم المحلي واللامركزية من منطلق يعيد نسج الأرض السورية إلى ما كانت عليه”.
وأيضاً تحدث عن ضرورة الاستثمار في الاقتصادات المحلية، متحدثاً عن أن “إحدى مبادراتنا حالياً هي توجيه القدرات المالية الكبيرة للسوريين في المهجر نحو الاستثمار في الشمال السوري”.
واعتبر أن هذه المداخل “مهمة” للتغيير في سورية، عبر الحديث عن حل سياسي منبعه وأساسه الحكم المحلي واللامركزية الإدارية، التي تأخذ بعين الاعتبار مظلوميات الشعب السوري بمختلف فئاته، والإبقاء على مركز هام قوي ممكن أن يدير الدولة السورية ويعيد بناءها، وفق تعبيره.
“تسييس” ملف المساعدات
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت مؤسسة “غورنيكا 37” الحقوقية دراسة حقوقية مُعمقة، قالت خلالها إن إدخال المساعدات العابرة للحدود إلى الشمال السوري لا يحتاج إلى موافقة مجلس الأمن الدولي.
وصدرت الدراسة بتفويض من “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سورية” (ARCS)، الذي يضم إلى جانب “المنتدى السوري”، 10 مؤسسات تنشط بالشأن الإنساني.
واستندت إلى 4 أسس قانونية، تسمح باستمرار المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية، بما يتوافق مع القانون الدولي واتفاقيات جنيف وسوابق قانونية قضت فيها محكمة العدل الدولية.
وتعليقاً على تلك الدراسة، قال مسؤول التخطيط الإستراتيجي في “المنتدى السوري”، ياسر تبّارة، إن الهدف منها “سحب العذر القانوني التي تتعذر به بعض الدول والجهات الدولية في ملف المساعدات”.
وأضاف: “قلنا لهم يمكن إيصال المساعدات عبر الحدود لأكثر من 4 ملايين شخص في الشمال السوري دون موافقة النظام ومجلس الأمن، وبرهنّا ذلك بالحجج القانونية وبالاستناد إلى تجارب مشابهة”.
واعتبر تبارة أن ملف المساعدات في سورية “سياسي أكثر من كونه قانوني”.
وقال: “هناك شد وجذب، الموضوع مسيّس من قبل النظام وداعميه في مجلس الأمن، وهي معركة إنسانية نخوضها ولن نيأس منها”.
“التعليم أولوية”
وحول المشاريع التي يديرها “المنتدى السوري” في الشمال السوري، قال تبارة لقناة “أخبار الآن”، إن المنتدى “يحاول سد ثغرات غير مغطاة من قبل المجتمع الدولي الإنساني”.
ومن بينها ملف التعليم في شمال غرب سورية، والذي وصفه بـ”الكارثي”، في ظل تسرب 2 مليون طفل من المدارس، وفق قوله.
وأضاف: “للأسف المجتمع الدولي أصبح يصنف ملف التعليم في سورية على أنه غير أساسي مقارنة مع السلل الغذائية والخيام وتوفير المياه وغيرها”.
محذراً من أن “تجاهل هذا الملف سيكون له تبعات سيئة بعد خمس وعشر سنوات، على مستوى الجهل والفقر والإرهاب”.
وبحسب تبارة، يعمل “المنتدى السوري”، للضغط على المجتمع الدولي والداعمين من أجل توفير أكبر قدر من الميزانيات لملف التعليم.
مردفاً: “مقاربتنا لملف التعليم متكاملة، عبر بناء المدارس وتأهيل الكوادر التدريسية وبناء مراكز حماية الأطفال وغيرها”.
متحدثاً في الوقت ذاته عن مشاريع دعمها المنتدى في الشمال السوري لبناء 60 مدرسة، إلى جانب مشاريع أخرى لبناء عدد من المدارس النموذجية.
وختم تبارة بالحديث عن شكل الحل السياسي في سورية، داعياً لأن يأخذ بعين الاعتبار الدينميات المحلية التي أنشئت خلال السنوات الـ 13 الماضية، وأن يأخذ بالاعتبار الواقع السوري “المؤلم” ويبني عليه.
وقال: “هناك الكثير من المداخل التي يمكن للسوريين أن يعملوا من خلالها، مثل المدخل الاقتصادي والاستثماري، والمدخل الإداري المتمثل بالإدارات المحلية التي طورت نفسها خلال السنوات الماضية”.ب
وختم بالقول: “يجب الحديث عن تمثيل عادل لجميع المناطق والمجتمعات المحلية السورية، ضمن نظام سياسي منطقي يعيد بناء الدولة ويوفر الحد الأدنى من الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمواطنين”.