جواد أبو حطب عن البدايات والطب والثورة: عقبات وتحديات وآمال
وسط جموع المُكرَّمين في حفل تخريج أولى دفعة أطباء من كلية الطب البشري في “جامعة حلب في المناطق المحررة”، الأسبوع قبل الماضي، كانت ابتسامة واحتفاء الطبيب جواد أبو حطب، واضحةً لجميع الحاضرين، إذ ترى هذه الشخصية الأكاديمية أنها تقطف ثمار مسيرة كفاحٍ طويلة، بدأت مع الهتافات الأولى للحرية والكرامة في سورية، متنقلاً في عدد من المناطق السورية، بين الأعمال والمناصب الإدارية والطبية، وصولاً إلى عمادة كلية الطب البشري.
وفي غمار العمل المدني والتنظيمي لأبو حطب، كان ثابتاً وحيداً في هذه المسيرة، ملازمته لمهنته “الطب البشري”، حيث لم يقتصر عند هذا الحدّ، إذ أخذ على عاتقه إعداد الكوادر الطبية بمعايير أكاديمية عالمية، من خلال المساهمة في تأسيس المعهد التقاني السوري، الذي تطوّر بعد عام إلى أول كلية طب بشري في مناطق شمال غربي سورية.
نشأته ودراسته
جواد أبو حطب، من مواليد عام 1962، في بلدة أشرفية الوادي في منطقة وادي بردى غربي العاصمة دمشق، درس فيها مراحل تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي حتى انتقل إلى العاصمة من أجل الدراسة الجامعية.
تخرج من كلية الطبّ البشري ـ جامعة دمشق عام 1988، تخللها سفر طارئ إلى تركيا ومن ثم بلجيكا، نتيجة الضغط الأمني خلال ما عُرف في سورية بأحداث الثمانينات وعلى رأسها مجزرة حماه الدموية.
اتّجه أبو حطب بعد تأدية الخدمة الإلزامية، نحو التخصص وأتمّ الجراحة العامة عام 1997 وجراحة القلب عام 2001 في دمشق، وبعدها سافر إلى جامعة ميلانو في إيطالية، وتخصص في جراحة قلب الأطفال في مستشفى جراحة القلب في مركز “ساندوناتو” عام 2003، كما خضع في مستشفى “غريت أورموند ستريت” التابع لجامعة لندن في المملكة المتحدة، لتدريب مدته 6 أشهر على جراحة التشوهات القلبية عند الأطفال.
بعد عودته إلى سورية عام 2004، عمل أبو حطب جراحاً في مستشفى القلب الجراحي التابع لكلية الطب البشري في العاصمة، وانصبّ اهتمامه بشكل كبير أنذاك، على جراحة التشوهات القلبية وصدر له مؤلفين في هذا الصدد، إلى جانب عمله مدرّباً لطلاب الدراسات العليا.
مناصب نقابية وإدارية
قبل انطلاق الثورة السورية، نشط اجتماعياً ونقابياً وأكاديمياً، إذ يؤكد أنه شغل عضوية نقابة أطباء القلب السوريين ونقابة الأطباء في (ميلانو)، وعضو أطباء القلب والصدر الأوربيين، وشارك في عدد من المؤتمرات المحلية.
عمل أبو حطب جراحاً في مستشفى جراحة القلب التابع لكلية الطب في جامعة دمشق، وعضو مجلس الإدارة ممثلاً عن نقيب المعلمين، بالتوازي مع عمله كطبيب استشاري في جراحة طب الأطفال في مستشفى الشامي في دمشق، وفي عيادته الخاصة وأخرى في مستشفى العباسيين، وبقي على هذا الحال حتى عام 2012 وقت غادر سورية.
أبو حطب في الثورة السورية
خلال عمله مدرّساً في جامعة دمشق، أعلن أبو حطب عن أول موقف معارض لنظام بشار الأسد، خلال حضوره ندوة شاركت فيها كوادر من “التعليم العالي” وقيادات أمنية وسياسية من النظام على مدرّج الجامعة، لمناقشة إلغاء المادة (8) من الدستور السوري، التي تقول إنّ “حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة”، ليكتشف بعدها أنّ القاعة كانت مليئة بـ”عناصر مخابرات” وكاميرات المراقبة، الأمر الذي كان كفيلاً بتوجيه أنظار الأجهزة الأمنية عليه.
في 26 أبريل/نيسان 2011، وإثر ما دار خلال الندوة التي ظهر فيها أبو حطب بنَفَسٍ مؤيد للحراك الشعبي، كان أول استدعاء رسمي له في فرع الأمن السياسي، بتهمة التحريض على الإضراب الذي شهدته مستشفى المواساة في دمشق من قبل طلاب الدراسات العليا، رداً على اعتقال جرحى من المستشفى من قبل أجهزة الأمن السورية، إلا أنه تمكّن من الخروج بعد تحقيق طويل والتوقيع على تعهّد.
تأسيس مستشفيات لعلاج السوريين
لا يكاد ينفك نشاط الطبيب جواد أبو حطب في ظل الثورة السورية، عن تخصصه الطبيّ، فعمل جاهداً على إنشاء مستشفيات ومراكز صحية ميدانية، لعلاج الجرحى السوريين بعيداً عن المستشفيات التي كان يحكم النظام هيمنته عليها، وبالتالي تعرّض السوريين المصابين بنيران قواته، لخطر الاعتقال في أية لحظة.
وكان أبو حطب من مؤسسي أول مستشفى ميداني في منطقة وادي بردى 2011، حيث يقول إن دعم المشفى تم تأمينه من خلال تبرعاتٍ محلية من تجّار وأصحاب أموال وأهالي المنطقة، مع كادر طبي منهم اعتقل ومنهم استشهد ومنهم نجا.
فُصل الطبيب أبو حطب إثر ذلك من وزارة التعليم العالي، بعد بلاغ من “أمين عام جامعة دمشق”، واضطر لمغادرة سورية قبل إطباق الحصار على المنطقة، بعد أن صار مطلوباً لأجهزة الأمن.
طمح أبو حطب بخروجه من سورية وتسليمه مهام إدارة المستشفى الميداني لباقي الكادر الطبي، لإيجاد منافذ دعم إضافية، وهو ما حصل بعد تأسيس عدد من المنظمات الطبية التي قدمت دعماً للمستشفى لاحقاً، وبقي يعمل حتى تهجير آخر المتبقينَ من الرافضين لـ”التسوية” في المنطقة قسراً بـ”الباصات الخضراء”.
بعد وصوله إلى الأردن، افتتح أبو حطب أول مستشفى حمل اسم “عاقلة”، ومن ثم مستشفى “السلام” بكادر طبي سوري بامتياز بمشاركة عدد من الأطباء الأردنيين، لاستقبال الجرحى السوريين الواصلين من منطقة جنوب سورية ودمشق وريفها.
من المجالس المحلية إلى “المؤقتة”
ركز أبو حطب حين وصوله إلى منطقة شمالي سورية 2013، على ملف “المجالس المحلية”، وكان من مؤسسي كتلة المجالس المحلية التي كانت أساسية في “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية”.
بعد تشكيل الائتلاف، نشط أبو حطب لمدة سنتين في أعمال مشتركة مع “المنتدى السوري للأعمال” الذي يرأسه مجلس إدارته، الأمين العام الأسبق للإئتلاف مصطفى صبّاغ، حيث تشكّلت “كتلة قوية” طمحت إلى ضرورة إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بـ”حوكمة رشيدة”، وتركز العمل حسب الإمكانيات على مختلف قطاعات الحياة الرئيسية للسكّان من تعليم وصحة وغذاء وخدمات.
أسست الكتلة خلال تلك الفترة، بدعمٍ من “المنتدى السوري” وحدة المجالس المحلية، التي نجحت في تغطية بعض الخدمات الأساسية للسكان في المناطق التي باتت تحت سيطرة قوى الثورة والمعارضة السورية.
في تاريخ 16 مايو/أيار من عام 2016، انتخبَ 54 من أصل 98 صوتاً من الهيئة العامة لـ”الائتلاف الوطني” جواد أبو حطب رئيساً لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، بينما كان يُحاضر بطلابه في كلية الطب البشري.
يقول أبو حطب لـ”السورية.نت”، إن “قبول الحكومة شعبياً في الداخل ودعمها كان هاجساً لي منذ بداية قبولي لتقلّدها”، ويضيف: “سمّيت الحكومة جميعها من الداخل، وبعض الوزراء كانوا يقيمون في مناطق محاصرة من قبل النظام، وذلك عقب عدة اجتماعات مع مدراء المستشفيات والمجالس المحلية، لكن وسط ظروف صعبة جداً إذ تزامن ذلك مع سقوط مدينتي داريا والزبداني وحصار حلب”.
“غياب الالتفاف الشعبي”
ويقول أبو حطب، إن أعضاء حكومته تعرضوا لأكثر من 30 استهدافاً مباشراً سواء بالقصف أو السيارات المفخخة، و”خسرت الحكومة إلى حين استقالتها حوالي 200 شهيد، بينهم وزراء ومدراء مديريات وموظّفون”.
يتحدث أبو حطب عن غياب الالتفاف الشعبي حول “الحكومة المؤقتة” بسبب الانتقاد العام للمعارضة التي شكّلت هذه الحكومة، و”بقي هذا التعاطي مستمراً”، إذ يسرد عدداً من المواقف التي غاب فيها التأييد الشعبي منها بيانه “الذي طالب فيه ديمستورا بالإعفاء من مهمامه كمبعوث الأمم المتحدة لسورية، في إثر استهداف النظام قافلة مساعدات كانت في طريقها لحلب خلال حصارها، دخلت من معبر باب الهوى، بضمانة الحكومة المؤقتة”.
يعلّق أبو حطب: “رفضتُ سحب البيان رغم الضغوطات، لكن مع الأسف افتقرُ كحكومة للدعم الشعبي، كما رفضتُ اتفاق المدن الأربع وأستانا، وفي وقتٍ مبكّر رفضت حضور مؤتمر جنيف لأنه أعطى الشرعية للنظام في وقتٍ كانت مساحات واسعات مُحررة”.
ويعتقد أنه قدم عدداً من المميزات على صعيد العمل الحكومي، أبرزها حوكمة الحكومة مع الاتحاد الأوروبي من خلال وضع قوانين مالية وإدارية تحكم قطاعات التعليم والصحة والزراعة في الحكومة، بالتوازي مع تشكيل مجلس التعليم العالي والمجلس الأعلى للمجالس المحلية، كما يُظهراً أسفاً لأن حكومته “طمحت أن يكون الجيش الوطني نظامياً لكن هذا لم يحدث”.
قدم أبو حطب استقالته من رئاسة “الحكومة المؤقتة” في 1 مارس/آذار عام 2019، وتفرّغ بعدها لحياته المهنية والأكاديمية.
كلية الطبّ البشري
بدأت فكرة الجامعة من ضرورة تعويض الكوادر المهاجرة، وكانت الوجهة لأبو حطب وعدد من الأكاديميين مدينة إدلب، حيث يقول إن المنطقة حينها “كانت حديثة عهد في التحرير من النظام(…)كان الهدف أن نستفيد من مقر جامعة إدلب، وشكلنا لجنة مؤلفة من الدكتور جلال خانجي، والدكتور عبد العزيز دغيم، والدكتور عبد الله حماة، إلا أن اعترضتنا معاملة خشنة من فصائل عسكرية وشبه تمّ طردنا”.
في عام 2015 انطلقت “جامعة حلب في المناطق المحررة” في أرياف محافظة إدلب، وعلى رأسها كلية الطبّ في مدينة كفرتخاريم شمال غربي المحافظة، التي كان أبو حطب من مؤسسيها رغم التحذيرات والرفض من بعض الوسط الأكاديمي السوري والرغبة في أن تكون الجامعة في الداخل التركي، بحسب ما يقول لـ”السورية.نت”.
يعلّق على الموضوع: “كان دائماً يوجّه إلينا سؤال: هل من المعقول أن تجمّعوا الطّلاب كي يقصفهم النظام، وكان الردّ إذا كانوا في بيوتهم ألن يقصفهم النظام؟”.
على إثر هذه المعطيات، كان القصف أبرز ما واجه كليات “جامعة حلب في المناطق المحررة”، ومنها كلية الطبّ البشري، إلى جانب افتقارها إلى الكادر التدريسي، الأمر الذي اضطرها إلى اللجوء لخدمة “التعليم أون لاين” لكن هي أيضاً كانت بظروف قاهرة في ظل غياب الإنترنت والكهرباء، إلى جانب تأمين المواد المخبرية الكيميائية الممنوعة من العبور إلى المنطقة.
أكاديميون وطلبة:”مسيرة شاقة” وطموحات وتحديات مابعد تخريج أطباء “حلب الحرة”
وتعرّضت فكرة “التعليم عن بعد” في كلية الطبّ لانتقادٍ وأُخِذت كـ”نقيصة وعيب” على الجامعة كما يقول، لكن “بعد جائحة “كورونا تغيرت النظرة وَوُجِدَ المبرر لها، بعد أن توجّهت الجامعات عبر العالم إلى التعليم عن بعد”.
يقول أبو حطب: “في بداية انطلاق كلية الطب رفضت عدة منظماتٍ دعمها، فكانت الشراكة مع مؤسسة مداد التعليمية، والدكتور يحيى عبد الرحيم وأطباء من الولايات المتحدة الأمريكية، ورحمة بلا حدود الذين كان لهم فضل كبير في مساندة الكليات الطبية في جامعة حلب واستمرارها”.
في ختام حديثه لـ”السورية.نت”، يأمل أبو حطب الذي يثابر أسبوعياً على إجراء عمل جراحي في القلب في شمال غرب سورية، أن “يكون التدريس في كلية الطبّ وتطبيب الناس، آخر ما أفعله حتى نهاية حياتي، وأن ألقى الله على هذا الحال”.