نعت وزارة الخارجية الأردنية اللواء مضر بدران، يوم السبت، عن عمر يناهز 89 عاماً، وهو أحد أبرز السياسيين الأردنيين في تسعينيات القرن الماضي، حيث تقلد عدة مناصب حساسة وكان محط ثقة الملك الأردني الراحل، الملك حسين بن طلال.
كما تقلد الراحل عدداً من المناصب كان آخرها وزير الدفاع قبل اعتزاله العمل السياسي في 1992 ليبتعد عن الأضواء والمناصب.
ظل بدران صامتاً عن الأحداث السياسية التي جرت في حقبته حتى صدور كتابه “القرار” في 2020 الذي تحدث فيه عن الأحداث والمواقف السياسية على الصعيد المحلي والعربي التي عاصرها.
“البداية من دمشق”
ولد بدران في محافظة جرش عام 1934، وبعد تلقيه تعليمه الابتدائي في منطقته انتقل إلى محافظة الكرك لينهي تعليمه الثانوي، قبل توجهه إلى سورية لمتابعة تعليمه الجامعي، حيث درس في كلية الحقوق وتخرج منها.
ويروي بدران في كتابه “القرار” أنه حمل رسالة من والده محمد بدران إلى صديقه في السكن بحمص يوم كان قاضياً وهو حسن الحكيم، الذي كان يترأس حينها رئاسة الوزراء في 1951.
يقول بدران إن توجه إلى مكتب حسن الحكيم ليجده في اجتماع مع علماء دمشق وحلب، وبعد الاجتماع تقدم إليه وعرّفه بنفسه، وحمله رسالة قبول إلى جامعة دمشق.
كان بدران يرغب بدراسة الطب في جامعة دمشق، إلا أن مدير التسجيل حينها رفض، وحاول إقناعه بناء على توصية الرئيس حسن الحكيم، لكن دون جدوى وطلب منه مدير التسجيل في الكليات الأخرى واقترح عليه كلية الحقوق.
ويقول بدران في كتابه إن مدير التسجيل قال له إن “له أصدقاء من الأردن درسوا الحقوق وصاروا رؤساء ووزراء”، وقال مازحاً “وأنت عليك دراسة الحقوق لتصبح وزيراً في بلدك”.
وشارك في مظاهرات جامعة دمشق التي خرجت ضد حكم أديب الشيشكلي، وتم إلقاء القبض عليه في إحدى المرات قبل الهرب من دمشق إلى الكرك ثم العودة إلى دمشق مرة أخرى بعد الهدوء.
ومع اندماجه بالمشهد السوري، أصبح بدران عضواً في اللجنة المركزية في جامعة دمشق، على اعتباره طالب سوري، إذ يؤكد في كتابه إنه لم ينتبه أحد له أو يدقق أنه أردني.
بعد انتهاء دراسته الجامعة عاد إلى الأردن عام 1956، وتزوج من امرأة سورية، والتحق بالقوات المسلحة الأردنية كضابط في الاستشارية العدلية بصفته حقوقياً ليتسلم بعدها رئيس قسم التحقيق بالوكالة.
انتقل بدران إلى العمل محامياً عن قضايا القوات المسلحة في قصر العدل، قبل أن يصبح مساعداً لمدير دائرة المخابرات العامة في عام 1965، قبل أن يصبح مديراً للمخابرات في 1968.
في 1973 تسلم منصب وزارة التربية والتعليم في الحكومة، وفي عام 1976 كله الملك الأردني برئاسة الديوان الملكي، قبل أن يطلب منه تشكيل الحكومة ليصبح رئيس الحكومة ووزير الخارجية والدفاع.
في عام 1980 أمره الملك الأردني بتشكيل الحكومة الثانية برئاسته حتى 1984، قبل أن يعود لرئاسة الديوان الملكي في 1989.
وفي نفس العام طلب منه الملك الأردني تشكيل الحكومة مرة أخرى ليصبح رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وبقي حتى عام 1991، قبل أن يعتزل العمل السياسي في 1992، لرفضه الدخول في المفاوضات مع إسرائيل وجهاً لوجه.
محاولة اغتياله
في عام 1980 توترت العلاقات بين نظام الأسد والأردن في 1980، بعد هروب عدد من السوريين بعد أحداث “الإخوان المسلمين” في حماة إلى الأردن، فحشد حافظ الأسد أكثر من 20 ألف جندي وأكثر من 600 دبابة على الحدود الأردنية.
واتهم نظام الأسد الأردن بإيواء جماعات سورية تخريبية وتحويل قاعدة إربد إلى قاعدة لتدريب عناصر “الإخوان المسلمين”.
وشنت وسائل إعلام النظام حينها هجوماً على الأردن، وعلى رئيس وزرائها مضر بدران بأن الأردن يريد التآمر على سورية.
واستمر التوتر بين الطرفين حتى توسط السعودية ووزير الخارجية سعود الفيصل، ليسحب حافظ الأسد القوات من الحدود الأردنية ويعلن انتهاء الازمة.
ورغم انتهاء الأزمة أعلن الأردن القبض على خلية كانت تخطط لاغتيال مضر بدران، وعرضت اعترافاتها على التلفزيون الأردني.
ويروي بدران في مقابلة مع صحيفة “الغد” الأردنية في 2015 عن عملية الاغتيال، والتي كان ورائها رفعت الأسد شقيق رئيس النظام حافظ الأسد.
ويقول بدران إن عملية الاغتيال “هي امتداد لسوء العلاقات الأردنية السورية، وكانت العملية مكشوفة لدائرة المخابرات العامة، وكان يدير العملية مدير المخابرات طارق علاء الدين بنفسه ومساعده رجائي الدجاني”.
وأضاف: “بدأت التحقيقات، تفيد بوجود مقدم من سرايا الدفاع، التي تعمل تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس حافظ، وكان من سينفذ العملية هو عقيد في هذه الوحدة العسكرية”.
وتابع “تم إلقاء القبض على فريق عملية الاغتيال، في إحدى الشقق في منطقة صويلح، وانتهى الأمر بذلك، وبقيت أبحث عن سبب اغتيال الأسد لي”.
وحسب بدران “بعدها قرأت في كتاب أعده ونشره كاتب فرنسي بأن الخلافات التي كانت بين حافظ الأسد ورفعت الأسد وصلت لمستوى تنفيذ رفعت انقلابا على أخيه حافظ، وتم كشف تلك المحاولة، ومحاسبة رفعت ونفيه خارج سورية، وعندها، أدركت بأن العملية كانت لا تستهدفني أنا سياسيا، بل تستهدف حافظ الأسد، ولتعكير صفو علاقاته مع دول الجوار، وإضعاف جبهته الداخلية تمهيدا للانقلاب ونجاحه”.
يروي بدران في كتابه تفاصيل وأحداث مفصلية بالمنطقة العربية، وخاصة حرب العراق مع الكويت.
وحسب صحيفة “الشرق الأوسط” فإن بدران زار سورية في 1990، والتقى حافظ الأسد لمدة ستة ساعات، وطلب منه الموافقة على تأمين الأردن بالنفط في حال قطع النفط العراقي عن عمان.
وأكد بدران أن الأسد أصدر أوامره مباشرة لرئيس الوزراء حينها محمود الزعبي، بتأمين احتياجات الأردن من النفط، متى ما طلبت الحكومة ذلك.
ويضيف: “بعد خروجي من عند الأسد، قال الزعبي إن ما طلبته من صلاحياته، وما من داعٍ لتدخل الرئيس الأسد بالأمر، فقلت له: هكذا أضمن تنفيذ طلبي، وبالفعل، في أحد الأيام، التي طلبت فيها النفط من سورية، منع وزير المواصلات السوري خروج الصهاريج المحملة بالنفط من العاصمة السورية دمشق إلى الحدود السورية الأردنية، فاتصل معه الزعبي وأبلغه أن الرئيس الأسد هو الذي أمر بذلك، وليس أي أحد آخر”.