انتهى اجتماع روما الذي ضم لأول مرة دول ما يسمى “الدول النواة” في مجموعة أصدقاء الشعب السوري بالإضافة إلى تركيا وقطر، وهو في الحقيقة كان أول اجتماع دولي تقوم به وزارة الخارجية الأميركية بشأن سوريا منذ سنوات الرئيس السابق أوباما، بما يبشر ربما بعودة الدبلوماسية النشطة الأميركية بشأن سوريا.
صحيح أن الاجتماع عقد على هامش الاجتماع الدولي لمحاربة داعش وبما يؤشر باستمرار السياسة الأميركية في التركيز على محاربة داعش أكثر من تركيزها على تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، لكن البيان الختامي أشار إلى ضرورة تطبيق القرار 2254 كما أن مساعد وزير الخارجية حذر من تبعات التطبيع مع النظام السوري الذي استخدم السلاح الكيماوي في حربه ضد شعبه.
لا يبدو في الحقيقة أن هناك خطة سياسة أميركية استراتيجية مُختلفة اتجاه سوريا. إنها تبدو استمراراً لسياسات أوباما وترامب السابقة، لم يتم التعامل مع الملف السوري كأولوية لحل الأزمة الإنسانية هناك كما لم يتم التعامل مع الانتقال السياسي كبند رئيسي وضروري لحل الأزمة الإنسانية وللقضاء على المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش.
تحاول الإدارة الأميركية تبرير موقف أخلاقي يقوم على أساس الملف الإنساني كأولوية دون اعتبار للملفات السياسية والعسكرية الأخرى، حتى إن ملف العدالة وارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لا يبدو أنه يخضع لأهمية استراتيجية في الموقف الأميركي اليوم الذي يبدو خائفا “بأي شكل” من التورط في الملف السوري.
هناك تخوف من دعم أي تدخل عسكري في سوريا حتى ولو كان للحليف التركي، فربما يتصاعد الموقف عسكريا إلى اعتبارات لا يمكن السيطرة عليها، ولذلك أتى البيان على أهمية وقف إطلاق النار ولو كان وقف إطلاق النار هذا مؤقتا فهناك قناعة بأن تغيير الأمور لصالح المعارضة قد حسمت مع التدخل العسكري الروسي عام 2015 وأفضل موقف يمكن الدفاع عنه اليوم هو إبقاء الوضع على ما هو عليه.
ومع افتقار المنطقة العربية إلى نظام إقليمي أو مُؤسّسة إقليمية تستطيع من خلالها ضبط عملية الانتقال السياسي في سوريا فجامعة الدول العربية ليست ديمقراطية بأي شكل من الأشكال وهي التنظيم الأضعف تقريباً يصبح التعويل على قانون قيصر بالنسبة للسوريين أولوية لعدم تأهيل نظام الأسد، ولذلك كانت خطوة دعوة جامعة الدول العربية إلى اجتماع روما لإسكات الأصوات التي تنادي بعودة الأسد إلى الجامعة.
ولذلك سيقوم الموقف الأميركي على تشديد العقوبات الاقتصادية ومنع التمديدات المالية التي تصل لنظام الأسد من الدول المختلفة. والتركيز الدبلوماسي على السماح بمرور الساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى وربما إضافة معبر آخر إذا سمحت روسيا بذلك طبعا، ومنع التصعيد العسكري وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الأسد من عمليات القتل واقتحام المدن والاعتقالات العشوائية وتحويل السجون إلى مراكز اعتقال جماعية، لكن موقف الإدارة الأميركية لن يختلف فيما يتعلق برفض استخدام القوة لتحقيق الانتقال السياسي وهو ما يعني عدم التوازن بين ما كان يجري على الأرض في سوريا وبين تقييم الإدارة الأميركية وخطابها السياسي. فالخطاب الأميركي يُركِّز على فكرة العقوبات الاقتصادية ويقوم بالعمل من خلال مجلس الأمن الذي تَحوَّل إلى مُؤسَّسة غير فاعلة بسبب الفيتو الروسي والصيني.
وبالتالي ستبقى الولايات المتحدة حذرة تماماً اتجاه أي خطوات إضافية أخرى تُغيَّر موقفها مما جرى من سوريا على الرغم من قرار بايدن إبقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا بعدد محدود، لذلك نستطيع القول إنَّ الإدارة الأميركية بالرغم من وعودها فيما يَتعلَّق بمساعدة السوريين في حقهم في تغيير نظامهم السياسي أو في مساعدة السوريين في وقف هذه الأزمة الإنسانية فشلت فشلاً تاماً على المستوى الأخلاقي وعلى المستوى السياسي.
وأعتقد أنه حان لهذه الإدارة أن تدرك ذلك وتعمل على تطوير استراتيجية حقيقية تخرج السوريين من محنتهم الإنسانية وتفتح لهم أبواب المستقبل.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت