تغلق أسماء الأخرس، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، فرص الاستثمار المشترك مع رامي مخلوف، ابن خال زوجها، وواجهة اقتصاد العائلة الحاكمة في سورية، معلنة الحرب عليه، لسحب آخر ما تبقى من رصيد السيولة من حساب شركاته، وتحويله إلى رصيدها في مستويات ثلاثة: الأول، مالي لضمان استمرار رفاهية عيشها، وتعزيز مكانتها في سلم السلطة. والثاني، للاستهلاك السياسي المحلي لترويج دعاية محاربة الفساد داخلياً، وتنفيس حالة الغضب الشعبي بسبب سياسة التجويع التي وضعت أكثر من 85% من السوريين تحت خطر الفقر. والثالث، رسالة سياسية خارجية، لتقديم نفسها ذراعا بديلة “سنّية” محتملة أمام حاجة روسيا لتقديم اسم يحمل تأشيرة (فيزا) القبول الغربي له، عبر جنسيتها البريطانية، وتنوع علاقات عائلتها هناك، وتشابكات والدها مع كبار رجال الأعمال في لندن، وهي، في الآن نفسه، تضمن لروسيا سياسة الولاء الكامل، كعهد زوجها سابقا.
قرأت أسماء الأخرس جيداً تطوّرات الأوضاع السورية دولياً، وهي تكاد تنفذ خطة الانقلاب الداخلي على عائلة الأسد “المرفوض دولياً”، وهذا ما جدّده، أخيرا، حديث المبعوث الأميركي ومسؤول العلاقات الدولية للشرق الأوسط، جيمس جيفري، في نقده الصريح السياسة الاقتصادية والإدارية الفاسدة للنظام السوري، مرحّبا بما يجري من “الكشف عن الإفلاس الأخلاقي الصارخ الذي يتسم به النظام السوري الحاكم والجهات وثيقة الصلة به”، ما يعني أنها بدأت فعليا بالحرب على الجهة الأكثر التصاقا بالنظام، وهي عائلة الأسد – مخلوف التي تهيمن على الاقتصاد والأمن والسياسة. وقد دفع هذا الأمر مخلوف الابن ليلجأ إلى الاستنجاد بالشارع العلوي تحديداً، والتلويح له عن بدء معركة سنية علوية داخل قصر الرئاسة، منبهاً، ومحذّراً في الآن ذاته، إلى أن بشار الأسد قد يميل إلى دعم زوجته على حساب عائلته وطائفته، ضمانا لاستمرار الحكم لأسرته الصغيرة فقط، ضد عموم مصالح الطائفة، في خطّة تنفذها الزوجة، يمكنها أن تسترضي روسيا اقتصاديا، وتؤمن لها استمراراً سلساً لمشاريعها، وفي الآن ذاته تبتعد عن مواجهة مصالح إيران في حدود المتفق عليها إقليمياً ودولياً.
لجوء رامي مخلوف إلى الإعلان عن وجوده عبر تسجيل مصوّر، ليس بغرض الوساطة للتواصل مع ابن عمته بشار الأسد، فحتى عندما يرفض “الرئيس” لقاءه المباشر، فإن عشرات الأسماء الشريكة له يمكنها القيام بهذه المهمة الصغيرة، وخصوصا أن مصالح الأسد لا تزال مرتبطة به، وتتعامل معه يومياً، سواء كان الأسد يعلم بأنها مجرّد أسماء وهمية لعائلة مخلوف أم لا، ما يعني أن مخلوف الصغير، بهذا التسجيل، أراد أن يخاطب مريديه من العلويين، وينقل الخوف والذعر إلى مريدي الأسد من الطائفة نفسها، بأن “الأقرب يؤكل”، فما هو حال من هو أبعد منه مقاماً، وأقل منه سطوة داخل الطائفة العلوية؟ هذا السؤال هو الذي أراد أن يرسمه في عقول من يخاطبهم من فقرائهم ومحتاجيهم، ولكنه أيضاً ينقل من خلاله رسالة إلى كل رجال الأعمال بأن القادم هو حركة تأميم جديدة، تقوم بها سيدة قصر النظام تحت مسمّى الرسوم الضريبية.
ولعل رامي مخلوف أراد من ظهوره غير المنمق، والكشف عن طبيعته الحقيقية، وهو الذي يملك مؤسسات إعلامية ويوظف أهم كفاءات السوشيال ميديا في شركاته، القول إنه رجل لا يجيد فن الخطاب، يحاكي عقول بسطاء قومه، ليقول لهم: أنا منكم، أمثلكم وأتعرّض لحملة شرسة بسببكم، وأدافع عن 6500 عائلة قد تطيحها عدوتكم. ومن خلال ملامح “ورعة”، يقول إنه ليس الشخص الذي يلجأ إلى الموت انتحاراً، وأنه لا ينوي أن يصيب رأسه برصاصتين، أو حادث سيارة محكم على طريق مطار دمشق.
وزيادة في حرص إمبراطور الاقتصاد على الإبقاء على أواصر الود مع ابن خاله الرئيس، ومنحه فرصة جديدة في التفكير بخياراته بين نجاحات الأمس، في ظل شراكته ووحدة الطائفة معه، وبين عثرات الواقع مع خطوات زوجته وأشقائها “الإصلاحية”، فإنه فرّق في التسجيل المصور بين “الرئيس” بشار الأسد واللجنة التي تديرها أسماء الأخرس، وذلك بهدف التركيز على أن المستهدف في الحملة العدائية عليه ليس شخصه، أي مالك شركات الاتصالات وغيرها، وإنما الاستهداف موجه إليه لأنه من الطائفة العلوية، بمعنى أن المحاكمة التي تديرها المرأة “السنيّة” في القصر هي ضد امتيازات العلويين، وما حصلوا عليه من امتيازاتٍ خلال خمسة عقود متتالية.
لقد استعان رامي مخلوف، في إدارة حملته ضد أسماء الأسد، بالسلاح الطائفي نفسه الذي استخدمته مستشارة بشار الأسد، بثينة شعبان، في بداية الثورة عام 2011، لتجييش العلويين ضد ثورة الشعب السوري. واعتمد النظام هذا السلاح الطائفي خلال عقد كامل من حربه على السوريين، لسوق شباب العلويين إلى حربٍ قتل فيها معظم فقرائهم على مذبحة الدفاع عن كرسي العائلة التي تمثل الطائفة كما سوّقها النظام، بعيد بدء الثورة السورية، الكرسي الذي تسحبه اليوم أسماء الأسد من تحت الطائفة.
هل يقبل المجتمع الدولي الذي تديره الولايات المتحدة الأميركية أسماء الأسد بديلا عن زوجها الذي شاركته خططه الأمنية والعسكرية في قتل السوريين، وتعايشت مع اقتصاد الفساد عشرين عاما، بل شاركت في صناعته من خلال خططها الاقتصادية وأزلامها في الحكم، والتي أفقرت السوريين تحت مسمّى اقتصاد السوق الاجتماعي، وما نتج عنها من معاناة لعموم السوريين، وبروز طبقة جديدة من الفاسدين في ظلها، ومن بينها إحلال فساد مكان فساد عبر إحلال عائلتها (الأخرس) مكان عائلة والدة زوجها (مخلوف)؟
إعادة تجديد تكليف روسيا بملف سورية في حديث جيفري قد يجعل من هذه المرأة ورقة جديدة تساوم عليها روسيا أمام المجتمع الدولي، على الرغم مما يكشفه إعلام روسيا عن فسادها واستهتارها بمآسي السوريين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها الحل، ولكنها قد تكون بطاقة مرور لبشار الأسد للهروب من ملف محاكمة النظام على جرائم حربه ضد الشعب السوري، وقد تكون هي محور مناقشات جنيف التي تمدّد للنظام عاماً بعد آخر.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت