بإعلانه المسؤولية عن الهجوم الذي استهدف خط تصدير النفط من إقليم كردستان العراق إلى تركيا الذي وقع الأسبوع الماضي، فإن حزب العمال الكردستاني يعبّر بوضوح عن رفضه استمرار الحوار الكردي-الكردي في سوريا الذي يجري برعاية من الولايات المتحدة ورئاسة الإقليم.
قبل ذلك كان جزء من إعلام الحزب المصنف إرهابياً قد بدأ بشن هجوم إعلامي على أسرة البرزاني الحاكمة في شمال العراق والتي تحظى باحترام لدى الكثيرين من الأكراد الذين أزعجهم ذلك بل وحتى أثار حفيظة قسم من العماليين، ما أكد الانقسام داخل هذا الحزب حيال المفاوضات بين حزب الاتحاد الذي يعتبر فرع العمال الكردستاني في سوريا، وبين مكونات المجلس الوطني الكردي، خاصة مع وصول المباحثات إلى النقطة المركزية التي يتوقف عليها فشل أو نجاح الحوار.
هذه النقطة هي ملف العلاقة بين حزب الاتحاد وحزب العمال وضرورة فك الارتباط بينهما وإخراج قادة ومقاتلي الحزب التركي من سوريا، وهو ملف معقد جداً بطبيعة الحال، خاصة بالنسبة لـ”الاتحاد” الذي يقود الإدارة الذاتية في مناطق شرق الفرات، والذي يشهد انقساماً هو الآخر حيال هذا الملف.
حتى الفريق المنفتح على ضرورة تلبية هذا الشرط الذي وضعه المجلس الوطني الكردي ووافقت عليه الأطراف الراعية كضرورة لا غنى عنها من أجل الوصول إلى اتفاق، يجد نفسه أمام معضلة كبيرة في كيفية وإمكانية تنفيذ هذا البند الجوهري، خاصة مع تغلل كوادر حزب العمال في جميع مفاصل الإدارة الذاتية، وانتشار فكره وأيديولوجيته المقدمة عند أتباعه على مصلحة السوريين في منطقة شرق الفرات بما فيهم الأكراد أنفسهم، هذه المصلحة التي تتمثل بالعدالة والمساواة والتنمية وتعايش جميع المكونات على أرضهم وتقاسم ثرواتها كجزء لا يتجزأ من الوطن الواحد سوريا.
يدرك الجميع مدى الخطر الذي يمثله الراديكاليون من حزب العمال على حاضر ومستقبل المنطقة في حال تجاوز إرادتهم ومواجهتهم بضرورة مغادرة سوريا تمهيداً للاتفاق المنتظر، إذ من المتوقع طبعاً أن يلجأ هؤلاء إلى تنفيذ هجمات إرهابية لن تستثني حتى قادة حزبهم أو حزب الاتحاد الذين يمكن أن يوافقوا على بند إخراجهم من سوريا.
تقول المعلومات إن هناك طروحاً يقدمها حزب الاتحاد من أجل الوصول إلى حل وسط لهذه المعضلة، مثل استثناء ذوي الضحايا الذين سقطوا في المواجهات مع تنظيم داعش من مقاتلي وقادة حزب العمال، وكذلك بقاء من يقبل بالتخلي عن السلاح والمشروع الانفصالي وغير ذلك من المقاربات، لكن الجميع يدرك أن مثل هذه الحلول ستكون مرفوضة من قبل جماعة “قنديل” قبل غيرهم، وهؤلاء لن يقبلوا إلا بهيمنتهم وفرض مشروعهم على المنطقة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية وأبعد من ذلك حتماً.
بالمقابل يعتقد الكثيرون أيضاً أن كل هذه المخاطر المبنية على تعنت ورفض قيادة حزب العمال المرجحة لفكرة الخروج من سوريا يمكن أن تزول في حال فرضت الولايات المتحدة (راعية الحوار الكردي/الكردي) إرادتها ومارست الضغط الكافي على هذه القيادة، لكن الواقع يقول إن قادة الحزب دائماً ما كانوا أقرب إلى النظام وإيران وروسيا، وأكثر تماهياً مع إرادة هذا المحور، ليس خلال السنوات الأخيرة الماضية وحسب، بل منذ أربعة عقود.
وعليه فإن قيادة قنديل لن تتوانى عن إظهار بعض المرونة أو تجاهل بعض التقدم في هذا الحوار لكن بشرط ألا يتجاوز ذلك الخطوط الحمر التي تضعها، وهي عدم الخروج من سوريا حتى لو كان ذلك سيتيح الفرصة للسكان من جميع المكونات للعيش بسلام، وبناء علاقات صادقة بين القوى السياسية الكردية ومكونات المعارضة السورية الأخرى، وتبني قاعدة عدم تهديد تركيا وابقاء التوتر قائماً معها، وبالتالي استمرار تهديدات أنقرة بشن العمليات العسكرية في هذه المنطقة.
يدفع اليوم الجانب الكردي ثمن السماح لحزب راديكالي مرفوض ومحارب بالانتشار بينهم وسرقة تمثيلهم والتحدث باسمهم، مستغلاً مطالبهم المشروعة سابقاً وحربهم ضد داعش لاحقاً ليجدوا أنفسهم اليوم، مثل أخوتهم من الثوار العرب، أمام معضلة التخلص من الجماعات المتطرفة التي باتت تمثل اليوم عبئا حتى على فصيل مثل هيئة تحرير الشام وهو يسعى للتخلص منها بعد أن أقتنع الجميع أنه لا فائدة يمكن أن تجنى من استمرار وجودها، وأن ضرر الفكر المتطرف وجماعاته أكبر بما لا يقارن مما يبدو أنها فوائد يحققها.
لذا فإن التعويل على الولايات المتحدة أو غيرها من أجل إيجاد مخرج لهذه الورطة يبقى على أهميته عاملاً ثانويا، أما العامل الرئيسي في حسم ملف التخلص من هيمنة ووجود قادة وكوادر حزب العمال الرافضين للتخلي عن السلاح والفكر الراديكالي فهو التوافق البيني بين القوى الكردية وبين هذه القوى وممثلي المكونات الأخرى من سكان المنطقة على مشروع وطني وتنموي شامل، لن تكون المفاوضات بين حزب الاتحاد والمجلس الوطني الكردي، التي انطلقت بنسختها الحالية قبل ثمانية أشهر، سوى لبنته الأساسية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت