تنظر تقارير إلى التقارب المحتمل بين تركيا ونظام الأسد، بالمقارنة مع الدول العربية التي طبعت معه، بأن له “الثقل الأكبر” في تحديد مستقبل سورية وتقييد تأثير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على مستقبل المنطقة.
فمن وجهة النظر التركية، قد يخدم التطبيع مع الأسد المصالح التركية بطريقتين: الأولى عبر تعاون النظام في القتال ضد “وحدات حماية الشعب”، التي تصنفها تركيا “إرهابية”.
والثانية عبر تعاون النظام في ملف إعادة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، والبالغ عددهم 3.5 مليون.
جاء ذلك في مقال رأي نشرته صحيفة “ديلي صباح” التركية، اليوم الأربعاء، تحت عنوان “هل تطبيع تركيا مع سورية ممكن؟”.
بحسب المقال فإن “الدور المحوري الذي تلعبه تركيا في مستقبل سورية، نظراً لتاريخهما ومصالحهما المشتركة، يجعل تطبيع العلاقات أمراً ملحاً في كلا البلدين”.
عوائق أمام لقاء أردوغان- الأسد
وأضاف المقال أن الأسد بدد فكرة عقد لقاء مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ظل المناخ الحالي.
إذ قال الأسد في لقاء مع قناة “سكاي نيوز عربية” الشهر الماضي، إنه لن يلتقي أردوغان دون شروط، وأبرزها انسحاب القوات التركية من سورية.
لكن أردوغان يتبع سياسة “الباب المفتوح أمام الأسد”، وفق تصريح سابق له، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن مسألة الانسحاب “غير واردة”.
وبحسب “ديلي صباح” فإن المشكلة هي أن الطرفين المعنيين لديهما تفسيرات مختلفة حول الجهة التي تشكل “الإرهاب”.
وبعبارة أخرى “فإن أولويات تركيا هي جماعة وحدات حماية الشعب الإرهابية في الشمال، وأولويات الأسد هي المعارضة المدعومة من تركيا في الشمال الغربي”.
وأضافت أن هناك عائق آخر أمام التوصل إلى اتفاق مرضٍ للطرفين، وهو اتهام الأسد لتركيا بأنها “وصية” على جيب إدلب الخارج عن سيطرة النظام.
مشيرةً إلى أن “الدافع الرئيسي وراء سيطرة تركيا على إدلب شمال غرب سورية هو منع الجماهير السورية من التدفق إلى تركيا، خاصة عشية الانتخابات البلدية، التي ستعقد عام 2024 وسط المشاعر التركية السلبية تجاه اللاجئين السوريين”.
واعتبرت الصحيفة أن البيئة الداخلية في تركيا تلعب دوراً مؤثراً في تغيير السياسة تجاه نظام الأسد، إذ “أدركت أنقرة أن الوقت قد فات للإصرار على تغيير القيادة السورية، وتسعى الآن إلى إيجاد طرق للتفاوض مع الأسد”.
وإذا تم تهيئة الظروف المناسبة، “تأمل أنقرة أن يعود اللاجئون السوريون في تركيا إلى سورية وأن يتم الترحيب بهم بمستويات معيشية إنسانية”.
وهذا من شأنه أيضاً أن يعزز يد أنقرة ضد “حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب”، المدعومين من الولايات المتحدة في شمال سورية، وفق الصحيفة.
وفي ظل إصرار الأسد على سحب تركيا قواتها من سورية، فإن الوضع الراهن قد يدفع النظام السوري إلى تغيير موقفه والمصالحة مع أنقرة.
إذ إن الاقتصاد السوري يزداد سوءاً “وليس أمام دمشق خيار سوى التصالح مع تركيا في عهد أردوغان”.
مضيفة أن “الرئيس التركي لديه القدرة الأكبر على الحفاظ على علاقات ودية مع كل من واشنطن وموسكو لتسهيل الاستقرار في المنطقة. وبالتالي، فمن مصلحة الأسد أن يبحث عن مصالحة مع أردوغان”.
“دفن الأحقاد”
يشير المشهد السياسي الأخير، وما تضمّنه من تصريحات ومواقف، إلى أن مسار المحادثات بين تركيا ونظام الأسد يواجه عراقيل عدة، رغم الحديث الروسي عن التنسيق لعقد لقاء يجمع أردوغان والأسد.
فمن جهة يؤكد النظام أن أي ليونة سيقدمها للجانب التركي من أجل عودة العلاقات، ترتبط بشكل رئيسي بالانسحاب الفوري والعاجل للقوات التركية من الأراضي السورية.
ومن جهة أخرى، تعتبر تركيا أن هذا الشرط “لا معنى له”، مؤكدة عدم وجود نية لديها للانسحاب في المستقبل القريب، إلا في حال اختفاء “التهديد الإرهابي” من حدودها مع سورية.
وبهذا الصدد، ترى صحيفة “ديلي صباح” أنه ليس أمام الأسد خيار سوى “التسرع في دفن الأحقاد مع أردوغان، الذي تتمثل أولويته في استقرار سورية وسلامة أراضيها”.
وأشارت أن تركيا “هي الدولة المجاورة الوحيدة التي تضررت أكثر من غيرها بسبب الحرب السورية منذ عام 2011”.
وبالمقارنة مع “الحلفاء” الآخرين لنظام الأسد، أي إيران وروسيا، فإن تركيا “لديها الحق في السيطرة على المنطقة العازلة على طول حدودها مع سورية”.
وبموجب ذلك، “يجب على النظام السوري التوقف عن قتل المدنيين، وأن يضع حداً للوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب على طول المنطقة العازلة”.
وترى الصحيفة أنه “من حق تركيا السيطرة على المنطقة العازلة لتوطين العديد من اللاجئين السوريين الذين تدفقوا بالقرب من حدودها بعد هجمات الأسد الكيميائية على المدنيين في الغوطة، بينما تؤوي في الوقت نفسه 3.7 مليون لاجئ سوري داخل الأراضي التركية”.
وختمت بقولها: “إن تطبيع تركيا مع سورية ليس ممكناً فحسب، بل هو ملح أيضاً لكل من السوريين في سورية والمهاجرين السوريين الذين يعيشون كضيوف في الأراضي التركية”.
المفتاح بيد الروس
في تقرير له، أمس الثلاثاء، قال موقع “فويس أوف أمريكا” إن روسيا ستكون المفتاح لـ “كسر الجمود” في العلاقات بين تركيا والنظام السوري.
إذ تدير روسيا منذ ثمانية أشهر عملية “بناء الحوار” بين تركيا والأسد، عبر عقد لقاءات بين الطرفين، آخرها في مايو/ أيار الماضي، والذي جمع وزراء الخارجية.
وفي ظل تعنت النظام وتمسكه بشرط الانسحاب الذي ترفضه تركيا، لاتزال روسيا تتحدث عن إمكانية عقد لقاء بين الأسد وأردوغان.
إذ تحاول روسيا إيجاد صيغة للاتفاق بين الطرفين، تسمح ببقاء القوات التركية في سورية ضمن “اتفاق”.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأسبوع الماضي، إن بلاده اقترحت على النظام السوري وتركيا عقد اتفاق، يسمح ببقاء القوات التركية على الأراضي السورية بشكل “شرعي”.
وأضاف: “خلال اتصالات غير رسمية، اقترحنا العودة إلى فلسفة عام 1998، عندما تم التوقيع على اتفاق أضنة“.
مردفاً: “هذا الاتفاق افترض وجود تهديد إرهابي، ومن أجل وقف هذا التهديد الإرهابي، سيكون لتركيا الحق بالوجود” في سورية، عبر إرسال أجهزة مكافحة الإرهاب التابعة لها إلى عمق معين من الأراضي السورية.
واعتبر الوزير الروسي أن جميع وثائق ومخرجات محادثات “أستانة” تحث على “احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها”.
لافتاً إلى أن “الدول الضامنة” بما فيها تركيا توقع دائماً على هذه الوثائق.
باختصار، ووفق التقارير السابقة، فإن عزلة النظام السوري، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والضغط الروسي على الأسد للاتفاق مع تركيا كي تتمكن موسكو من تحقيق نجاح دبلوماسي، كلها “أسباب مهمة” للأسد لتسوية القضايا مع تركيا.