منذ بداية الثورة السورية، وتوقف النشاط الرياضي نتيجة إمعان نظام الأسد بشن العمليات العسكرية في المناطق المناهضة له، بدأ اللاعبون الأجانب في سورية بالمغادرة تباعاً خشية تدهور الأوضاع الأمنية، لكن بعد 12 عاماً من ذلك ومع عودة النشاط الرياضي تدريجياً، أقر الإتحاد السوري لكرة القدم، قراراً يقضي بالسماح باستقدام اللاعبين المحترفين للأندية السورية مجدداً، وذلك بعد إيقاف هذا القرار لمدة تجاوزت الـ 10 سنوات.
بدأت الأندية المتنافسة، خاصة التي تملك استثمارات أو داعمين من رجال الأعمال ورجال الحرب، بالتهافت على استقدام اللاعبين الأجانب لفرقها، فقام أهلي حلب (الإتحاد سابقاً)، المدعوم من قبل مجموعة قاطرجي، باستقدام لاعبين اثنين، منهم لاعب من غانا والأخر من نيجيريا، فيما تعاقد نادي تشرين مع لاعب برازيلي، أما الوثبة الحمصي فأعاد تعاقده مع لاعبه البرازيلي جاجا.
جاجا اللاعب الذي احترف لدى نادي الوثبة عام 2008، استمر معهم حتى نهاية موسم 2010 – 2011، حيث وبالتزامن مع اضطرار ملايين السوريين للنزوح واللجوء، غادر هو الآخر سورية، لمتابعة ممارسة مهنته الكروية.
وقبل أن يعود مؤخراً، غادر جاجا سورية، بالوقت الذي لجأ ونزح واعتُقل واستشهد سوريون كثيرون، بينهم من كان يُشجع جاجا على المدرجات ومنهم زميله في الفريق، وبعضهم من أندية مُنافسة، والكثير الكثير من خارج الوسط الرياضي.
عاد جاجا، وعادت الجماهير المتبقية في سورية ممن حالفهم الحظ والقدر ولم يتعرضوا لقتل أو تهجير، للصدح بإسم البرازيلي على المدرجات. عاد جاجا ووجد سورية قد ماتت بها الروح واختفت به المعالم، عاد جاجا على أنقاض بيوت قُصفت ودماء نزفت، عاد جاجا ولا يوجد حتى أقل الخدمات المعيشية كالكهرباء والغاز والمحروقات.
عاد جاجا ليتفاجئ بإنجازات حكومية لا توجد في بلده الأم، فقد رأى البطاقة الذكية و اكتشف أن سعر الدولار قد زاد 90 ضعفاً، عاد جاجا ووجد الهم و الحزن قد ساد على وجوه سكان حمص، المعروفين بنكاتهم وضحكتهم، وذلك لأنهم وقفوا إلى جانب أخوانهم السوريين في المحافظات الأخرى، وفضلوا الموت على المذلة لحكم ظالم.
وهنا ليس من لومٍ على اللاعب الذي يحاول جاهداً تأمين قوت يومه، لكن هيهات يا جاجا كم يوجد أطفال في الحي الذي تسكنه ينامون جياعاً، وأرباب أسرٍ أرهقتهم الأسعار المرتفعة والدخول المنخفضة، وآخرون من حولك ينامون ويستيقظون على هواجس تعرضهم لاعتقالٍ كيدي أو إخفاءٍ قسري.
هل تعلم يا جاجا، أن عدد من زملاء مهنتك قد اعتقل وقتل أو فُقد أو هُجِر لمكان يبعد عنك فقط مئات الكيلومترات، لكنه لا يستطيع أن يعود لمدينته ومنزله وعمله كما أنت عدت، وأنا واحد من مئات آلاف يتمنون أن يعودوا يوماً لمسقط رأسهم(حمص وغيرها)،كما أنت عدت، أتمنى أن أهتف بإسمك على المدرجات وأشجع الفريق الذي أحبهُ منذ الطفولة، أتمنى عودة المعتقلين والنازحين وأن يعود الصخب والحياة إلى مدينتي.
عاد جاجا ولكن قبل عودته بثلاث سنوات استشهد أيقونة الثورة السورية وحارس المنتخب الأولمبي لكرة القدم عبد الباسط الساروت، الذي هُجر قسراً من حمص، ودفع حياته ثمناً للقضية التي ناضل في سبيلها.
هل تعلم أيها البرازيلي المحترف، أن قبر الشهيد الساروت ليس بعيداً أكثر من ساعة ونصف عن مكان اقامتك في مدينة حمص، ودفع حياته ليكون في مكان تواجدك الآن ، هل تعلم أن عائلة الشهيد جهاد قصاب مدافع الكرامة الذي لعب ضدك عام 2009 يسكنون في الحي الموازي لمكان إقامتك، إلا أن والدهم قتل في سجن ليس بعيد عن مكان نومك اليوم.
عدت إلى مدينة أصبح لكل عائلة فيها فقيد أو شهيد أو مهجر أو معتقل، عدت إلى مدينة شبعت خلال فترة غيابك من الدم والدمع وأصوات الرصاص والقصف والطيران الحربي ، عدت إلى مدينة يتمنى أبناؤها في الخارج أن يعودوا ولو ساعة.
لا أعرف هل عليي أن أحسدك على وجودك في مدينتي، أو أحزن على غربتك عن وطنك وتواجدك بعيد عن أهلك آلاف الكيلومترات فقط، لتؤمن لهم حياة أفضل، ولكن من الطبيعي أنك أكثر من يشعر بما في بين السطور من ألم الغربة التي نعيشها وإياك، كل حسب ظروف واختلاف أسبابه.
لا بد أن في رأسك يا جاجا عشرات الأسئلة عن اختلافات كثيرة تعيشها الآن في مدينة كانت تعجُّ بالحياة والأمل، وانقلب حالها لبؤسٍ تعاينهُ يومياً في وجوه الناس هناك، ولعلك تتسائل في نفس الوقت أيضاً، لماذا لا أستطيع وأمثالي العودة لحمص وباقي المناطق السورية.
الجواب عندي يحتاج لصفحات لا مقال، ولكن أتمنى لو استطعت حين تلتقي بمسؤولي النظام من حولك أن تسألهم بلساني سؤالاً واحداً، وهو “طيب إذا بنرجع..توعدنا تسمعنا؟”. حينها ومن ردة فعلهم قد تعرف لماذا لا أستطيع كسوريٍ أن أعود لسورية التي تحترف فيها كرة القدم.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت