قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده اقترحت على النظام السوري وتركيا عقد اتفاق، يسمح ببقاء القوات التركية على الأراضي السورية بشكل “شرعي”.
جاء ذلك خلال اجتماع للافروف مع طلاب وأعضاء هيئة التدريس في “معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية”، اليوم الجمعة.
هل يمكن إقناع النظام؟
وقال لافروف إن روسيا “عرضت على سورية وتركيا العودة إلى اتفاق يسمح للقوات التركية بمحاربة الإرهابيين على الأراضي السورية، ولكن بالاتفاق مع دمشق”.
وأضاف: “خلال اتصالات غير رسمية، اقترحنا العودة إلى فلسفة عام 1998، عندما تم التوقيع على اتفاق أضنة”.
مردفاً: “هذا الاتفاق افترض وجود تهديد إرهابي، ومن أجل وقف هذا التهديد الإرهابي، سيكون لتركيا الحق بالوجود” في سورية، عبر إرسال أجهزة مكافحة الإرهاب التابعة لها إلى عمق معين من الأراضي السورية.
واعتبر الوزير الروسي أن جميع وثائق ومخرجات محادثات “أستانة” تحث على “احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها”.
لافتاً إلى أن “الدول الضامنة” بما فيها تركيا توقع دائماً على هذه الوثائق.
ويأتي حديث لافروف عن الاتفاق في وقت تشهد فيه المحادثات بين تركيا والأسد “تعقيدات”، بسبب مسألة الانسحاب التركي من سورية.
فمن جهة يؤكد النظام أن أي ليونة سيقدمها للجانب التركي من أجل عودة العلاقات، ترتبط بشكل رئيسي بالانسحاب الفوري والعاجل للقوات التركية من الأراضي السورية.
ومن جهة أخرى، تعتبر تركيا أن هذا الشرط “لا معنى له”، مؤكدة عدم وجود نية لديها للانسحاب في المستقبل القريب، إلا في حال اختفاء “التهديد الإرهابي” من حدودها مع سورية.
لكن الاقتراح الروسي بالاتفاق بين النظام وتركيا على صيغة جديدة للوجود التركي، يأتي ضمن المساعي الروسية لعقد لقاء يجمع أردوغان والأسد، وتحقيق تقدم ضمن هذا المسار.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قال في آخر تصريحاته، أمس الخميس، إن أي تقدم نحو التطبيع مع تركيا سيكون مرهوناً بالانسحاب التركي من سورية.
وتحدث عن ”موضوع الانسحاب التركي من الأراضي السورية وحتمية حصوله كشرط لا بد منه لعودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وأنقرة”.
في ضوء “أضنة”
أشار وزير الخارجية الروسي إلى أن الاتفاق الذي اقترحته بلاده على تركيا والنظام، سيكون شبيهاً إلى حد ما باتفاق “أضنة”.
وخلال سنوات القطيعة بين النظام السوري وتركيا، دار الحديث حول اتفاقية “أضنة” الموقعة بين الجانبين، مرات عدة.
خاصة في أعقاب التهديدات التركية بشن عملية عسكرية على الأراضي السورية، ضد التنظيمات التي تصنفها تركيا “إرهابية”.
وتعود اتفاقية أضنة لعام 1998، وتعتبر نقطة تحول في مسار العلاقات بين دمشق وأنقرة، كونها جاءت عقب تدهور كبير في العلاقات بين الجانبين.
وتمحورت الخلافات حينها حول قضايا الحدود والمياه ودعم النظام السوري لـ “حزب العمال الكردستاني” (PKK) وزعيمه عبد الله أوجلان آنذاك.
إذ صعّدت تركيا عسكرياً ضد النظام السوري، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1998، الذي كان يرأسه حافظ الأسد، وحشدت قوات كبيرة على الحدود، مطالبةً النظام برفع الحماية عن عبد الله أوجلان، الذي اتخذ من دمشق ملاذاً له.
ذلك التصعيد أفضى إلى توقيع اتفاقية بين النظام السوري وتركيا، عقب وساطات عربية وإقليمية، عرفت باتفاقية “أضنة”.
وتنص اتفاقية أضنة على بنود عدة، أبرزها التعاون بين أنقرة ودمشق في مكافحة “الإرهاب” على الحدود المشتركة بينهما.
إلى جانب إنهاء الدعم السوري لـ “حزب العمال الكردستاني” وإخراج زعيمه من الأراضي السورية.
كما تنص على السماح لتركيا بملاحقة التنظيمات “الإرهابية” على الأراضي السورية، ضمن مسافة 5 كيلومترات في الداخل السوري.
وبموجب تلك الاتفاقية اعتبر الجانبان أن الخلافات بينهما قد انتهت، وأتبعها اتفاقيات اقتصادية وتجارية وثقافية وغيرها من المجالات.
لكن بعد اندلاع الثورة السورية وانقطاع العلاقات بين النظام السوري وتركيا، أعاد النظام طرح اتفاقية “أضنة”، مطالباً تركيا الالتزام بها.
حاجز “خارطة الطريق”
وكانت عملية “بناء الحوار” بين أنقرة والنظام السوري بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2022، عبر لقاءات جمع أجهزة الاستخبارات والدفاع.
ثم اجتمع نواب وزراء الخارجية أولاً، تلاها اجتماع لوزراء الخارجية في 10 مايو/ أيار الماضي.
وتوقفت المفاوضات منذ ذلك الاجتماع عند نقطة إعداد “خارطة الطريق”، وتضاربت الأولويات بشأن مسألة انسحاب القوات التركية من سورية.
لكن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال في تصريحاته اليوم الجمعة، إن الاتصالات لا تزال مستمرة لتنفيذ “خارطة الطريق” من أجل تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد.
وأضاف: “لقد سلمنا مسودة خارطة الطريق لجميع زملائنا في وقت ما في يونيو/حزيران، والاتصالات جارية للوصول بها إلى حالة مقبولة”.
وتم طرح “خارطة الطريق” خلال اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام، في موسكو في مايو/ أيار الماضي.
وأعلن المشاركون بالاجتماع حينها عن تكليف النواب بالإعداد لـ”خارطة الطريق”، دون إحراز تقدم حتى اليوم.
وكان المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، قال إن الأطراف التي شاركت باجتماع “أستانة” يومي 20 و21 حزيران الماضي، ناقشت مسودة “خارطة الطريق”.
مضيفاً أن المسودة “تتطلب المزيد من إضفاء الطابع الشرعي”.