من نهاية الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1990 إلى تاريخ خروج جيش الاحتلال السوري من لبنان في 2005، روجت الطبقة السياسية اللبنانية لشعار وحدة المسار والمصير بين سوريا ولبنان تبريرا لخضوعها لإرادة الوصاية السورية على لبنان التي تحكمت بمفاصل الدولة كافة وبمؤسساتها وبالأحزاب وأدوارها، وحتى أنها حاولت تدجين المجتمع اللبناني وترهيبه من خلال تطبيق نموذجها الأمني عبر الجهاز الأمني السوري اللبناني المشترك الذي حاول قمع كافة الأصوات اللبنانية المعارضة إما عبر نفيها أو حبسها أو عزلها أو محاصرتها.
لم يكن لهذا الشعار إلا هدف واحد هو ربط مسار السلطتين ومصيرهما معا، أي أن سقوط الوصاية السورية عن لبنان سيؤدي إلى زعزعة استقرار نظام آل الأسد في سوريا، وهذا حصل بين إيران وسوريا بعد انطلاق ثورة الشعب السوري، حيث سارع النظام الإيراني إلى حماية سلطة آل الأسد لإدراكه أن سقوطها في دمشق سيزعزع استقرار نظامه داخليا ويضعفه خارجيا، لذلك يتمسك النظامان بشعار وحدة المسار والمصير ويطبقانه.
لم تكن موسكو بمنأى عن الحالة السورية والإيرانية وارتباطهما بأمنها القومي واستقرار نظامها، فهي أول من أدرك ضرورة إخماد ثورة الشعب السوري ومنعها من تحقيق أهدافها لأنها ستنتقل مباشرة إلى طهران، وإذا تمكنت هناك، فإنها ستصل حتما إلى أسوار الكرملين، لذلك تدخلت في اللحظة الحاسمة عندما بدأت آلة الحرب الإيرانية الأسدية تتراجع أمام الفصائل السورية المسلحة، فتدخلت بشكل عنيف وحولت المدن والقرى السورية المنتفضة على نظام الأسد إلى ركام، وبذلك ربطت وحدة المسار والمصير بينهما وعمدته باستباحة دم الشعب السوري.
في الحرب على أوكرانيا، اندفعت طهران المخذولة من الغرب، وفقا لرأي مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، إلى عقد تحالف استراتيجي مع موسكو، حيث قال إن “الولايات المتحدة الأميركية تتحمل مسؤولية التقارب الحاصل بين إيران وروسيا، لتجميدها الملف النووي الإيراني ولفرضها العزلة على روسيا على خلفية الحرب الجارية في أوكرانيا”.
عمليا، بعد الحرب الأوكرانية وصعود الدور الإيراني العسكري إلى جانب موسكو لم يعد ممكنا الفصل بين مسارهما الاستراتيجي إقليميا ودوليا، فما قدمته طهران لموسكو جعلها حليفها الوحيد الذي وقف علانية إلى جانبها وتحمل أعباء هذه المغامرة التي قد تدفع ثمنها طهران مستقبلا، كما أنها تمتن شراكتهما في عدة ملفات وفي مقدمتها الملف السوري الذي يتفق عليه الطرفان استراتيجيا ولكنهما يختلفان في بعض الأمور تكتيكيا. لذلك فإن كافة الإشاعات عن تراجع دور إيران في سوريا نتيجة للضغوط الروسية باتت أشبه بتمنيات لدى من راهن يوما على خلاف روسي إيراني حول سوريا واعتقد أن موسكو ستمنحه دورا على حساب مصالح طهران الاستراتيجية في المعادلة السورية.
كما أن طبيعة نظام آل الاسد الطائفية وارتباطها العقائدي بالنظام الإيراني تجعلها تنحاز لخيار التحالف مع طهران، وحتى الأسد يثق بطهران أكثر من موسكو، حيث يعي آل الأسد أنه لا يمكن لطهران ان تُفرّط بطبيعة النظام السوري الطائفية، فهي الضامن الأساسي لوجودها في سوريا، فيما هناك شكوك داخلية بأن في أي لحظة تستطيع موسكو أن تساوم على آل الأسد، والجدير ذكره أنه حتى هذه المعادلة قد سقطت بعدما تمسك الطرفان الروسي والإيراني بشخص الأسد واعتبراه رمزا لانتصارهما وبأنه لا يمكن لأحد ان يسقطه أو حتى أن يطالب بتغييره.
وبناء على ما تقدم، فإن الرهان على أن موسكو ستُحجم الدور الإيراني في سوريا قد سقط إلى الأبد مع أول طائرة مُسيرة إيرانية استخدمها الجيش الروسي ضد المدن الأوكرانية، وهذا يعني أن التحالف الروسي الإيراني أعمق بالنسبة لموسكو من بعض الدول التي تقترب منها في سوريا نتيجة خلافاتها المرحلية مع واشنطن، فعندما تستطيع هذه الدول المتحمسة للتطبيع مع الأسد تحت ذريعة ملء بعض الفراغات الإيرانية أو فرض نوع من التوازن العربي أو الإقليمي مع إيران في سوريا عبر موسكو، عليها أولا أن ترسل جنودها أو مرتزقتها لحماية النظام السوري كما فعلت طهران، وثانيا أن تقوم بإرسال مسيراتها للقتال إلى جانب موسكو في أوكرانيا كما فعلت طهران أيضا. وعندها تستطيع هذه الدول أن تحصل على مساحة لها في سوريا، لكن بعد أن تحددها روسيا وإيران معا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت