زيارة الصين..ماذا أراد منها نظام الأسد ومالذي جناه واقعياً؟
بطائرة صينية خاصة ووفد سياسي واقتصادي، يرافقها حملة إعلامية كبيرة لوسائل إعلامه، وصل بشار الأسد مع أفراد من عائلته وزوجته أسماء، الأسبوع الماضي، إلى الصين، في زيارة استمرت عدة أيام وتعتبر الأولى له منذ عقدين.
ورافقت الزيارة تصريحات سياسية من قبل مسؤولين بالنظام، صورتها على أنها “قفزة نوعية” ونقطة تحول في العلاقات بين سورية والصين، خاصة بعد لقاء جمع الرئيس الصيني شي جينبينغ بالأسد، والحديث عن “شراكة استراتيجية” بين البلدين.
وبينما كانت التوقعات تشير إلى أن هذه الزيارة قد تفتح آفاقًا جديدة للعلاقات، إلا أن الواقع كان مختلفاً تماماً. فقد أظهرت التفاصيل اللاحقة أنها لم تتعدى من كونها “استجمامية” لحضور حفل افتتاح الأولمبياد، وأن لا “نتائج حقيقية للزيارة “.
زيارة بروتوكولية؟
رغم التهويل المبالغ فيه والتعويل الكبير على عودة الأسد من الصين محملاً بدعم قد يخرج الاقتصاد السوري من الحالة التي تزداد تدهوراً، إلا أن باحثين ومراقبين لتفاصيل الوضع السوري،أكدوا بأن الزيارة “بروتوكولية فقط ولا نتائج حقيقية لها”.
ووصل الأسد إلى مدينة هانغتشو في شرق الصين، الخميس الماضي، حيث التقى لاحقاً بالرئيس الصيني مرتين، المرة الأولى كان في لقاء رسمي، والمرة الثانية خلال المأدبة التي أقامها على شرف رؤساء وفود الدول التي وصلت لحضور افتتاح حفل الأولمبياد.
ولم يكن اللقاء الرسمي الوحيد بين الأسد وجينبينغ مغايراً للقاء الأخير مع باقي رؤساء وفود الدول لحضور حفل الافتتاح، فمكان الاستقبال نفسه.
كما يظهر من خلال المقارنة بين كلمات الرئيس الصيني مع رؤساء الوفود، استخدام نفس المصطلحات، والتي تؤكد على الترحيب لحضور مراسم افتتاح الألعاب الآسيوية، والإعراب عن أمنيته بتقديم لاعبي الدولة التي يمثلها رئيس الوفد أداء مميزاً.
وسائل إعلام النظام ركزت على أن ما ميز لقاء الأسد بالرئيس الصيني، توقيع اتفاقية “شراكة استراتيجية”، تتضمن عدة بنود أهمها “تعزيز الجانبان التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والثقافة والشباب والإعلام وغيرها، وسيواصل الجانب الصيني تقديم ما بوسعه من المساعدات لسورية، ويدعم الجهود السورية لإعادة الإعمار والانتعاش في التنمية”.
إلا أن محللين اعتبروا الحديث عن “اتفاقية أو شراكة” مجرد “مبالغات”.
واعتبرت الباحثة بجامعة سانت أندروز، كاسيا هوتون، في مقالة على موقع “المونيتور”، أن الاتفاقية “لا تساوي أكثر من قيمة الحبر الذي كُتبت به”.
ويؤكد مدير “مركز الشرق للدراسات”، سمير التقي، خلال حديثه لـ”السورية.نت” إن دبلوماسياً صينياً أكد له أن “زيارة الأسد بروتوكولية فقط”.
أهداف سياسية
ويرى محللون أن الزيارة كانت هدفها الأول حضور حفل افتتاح الأولمبياد، في حين يرى آخرون أنها تحمل في طياتها أهدافاً ورسائل سياسية سواء من الأسد أو الصين.
وتعتبر الصين ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد منذ 2011 إلى جانب روسيا وإيران، في خطوة يأمل النظام أن تُصورَ على أنها كسر للعزلة المفروضة عليه.
ورغم أن الصين لم تشارك في دعم الأسد عسكرياً كالحليف الروسي والإيراني، إلا أن بكين تعتبر من أكبر داعمي النظام سياسياً.
وأبدت الصين دعمها لنظام الأسد في الساحة الدولية، خلال العقد الماضي، من خلال استخدامها حق النقض في مجلس الأمن، كما رفضت معظم المقترحات التي تستنكر سياسات النظام أو تفرض عليه عقوبات.
ويحدد الباحث المستشار في معهد “تشاتام هاوس”، حايد حايد، الأهداف السياسية لكل من الصين ونظام الأسد من وراء الزيارة.
ويقول لـ”السورية. نت”، إن هدف الأسد “زيادة الشرعية على المستوى الدولي بعد نجاحه على المستوى الإقليمي وعودته إلى الجامعة العربية”.
كما يوجد أهداف اقتصادية للزيارة، إذ يبحث النظام عن دعم ودور استثماري صيني أكبر في سورية، في موضوع إعادة الإعمار وزيادة الاستثمارات.
أما بالنسبة للصين، حسب حايد، فإنها تحاول أن تلعب دوراً سياسياً في المنطقة كجهة تقوم بتوافقات سياسية للصراعات المتواجدة، كما بدا ذلك في رعاية الاتفاق الإيراني – السعودي.
واعتبر نفس المتحدث، أن الصين تحاول أن يكون لها “دور قيادي في جمع الأطراف التي لها دور معادي لأمريكا بالتحديد والغرب بالعموم، وبهذا الإطار يكون دعوة الأسد هي رسائل للغرب بأنها قادرة على بناء تحالفات مع دول أخرى ويكون لديها قطب موازٍ أو معارض للقطب الأمريكي”.
“ليست زيارة عادية”
من جانبه وصف باحث الفلسفة السياسية في جامعة باريس، رامي الخليفة العلي، الزيارة بأنها “سياسية بامتياز وليست عادية”.
وقال لـ”السورية.نت”، إن الصين تريد شد عصب الدول القريبة منها والمتحالفة منها لأنها تدرك أنها على أعتاب مرحلة جديدة من الحرب باردة مع أمريكا، وبالتالي لديها حضور في الشرق الأوسط.
وأضاف العلي إن هدف الأسد من الزيارة، رغبته في التقارب مع أي دولة على المستوى الدولي، لأن ذلك يعطيه من وجهة نظره شرعية أكبر.
وحول تأثير الزيارة ومدى قدرة الصين على تحريك المياه الراكدة حول الملف السوري، اعتبر العلي أن الصين لم تكن حليفاً موجوداً على الأرض، وفاعليتها في الملف السوري كان محدوداً، وعلاقتها مع النظام هي عن طريق روسيا وإيران.
أما الإعلامي الصيني نادر رونغ هوان، فاعتبر أن بلاده لا تبحث عن توسيع نفوذها في المنطقة، وإنما تقوم على التعاون مع الدولي العربية والشرق الأوسط على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وقال هوان لـ”السورية.نت”، إن الصين تريد تطبيق التوافقات التي توصلت إليها مع قادة الدول العربية في أول قمة صينية عربية، وتدعم جهود الدول العربية في تحسين معيشة الشعب والتنمية وتدافع عن الاستقرار في المنطقة
وأضاف أن “الصين ليس لديها رسالة للدول الغربية، بل تريد الوساطة لإيجاد حل سياسي ومناسب للأزمة في سورية، وإنقاذ الشعب السوري من المعاناة”.
وكان الرئيس الصيني زار الرياض في ديسمبر العام الماضي، وعقد قمة مع الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية، في أول قمة صينية- عربية.
الاستثمار الصيني
وبعيداً عن الأهداف السياسية البحثة للزيارة، فإنه لا يمكن إغفال بعدها الاقتصادي، من جانب نظام الأسد الذي يبحث عن منفذٍ في الأبواب الموصدة.
وخلال السنوات الماضية أعربت الصين في مناسبات عدة عن رغبتها في المساهمة بإعادة الإعمار في سورية، لكن هذه الرغبة اقتصرت على الخطابات فقط دون نتائج على الأرض، وربطت أي استثمار بحل سياسي للصراع.
وعلى مدى العقود الماضية، كانت الاستثمارات الصينية في سورية تقتصر بشكل كبير على قطاع النفط، إذ كانت ثلاث شركات عامة صينية تستثمر في القطاع قبل 2011، ذكرها مركز “السياسات وبحوث العمليات“.
ويقول المركز في ورقة بحثية صادرةسنة 2021 أن شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC)، هي أول شركة تدخل السوق السورية غان 1977، وعملت من خلال مشاريع مشتركة مع شركتي الفرات السورية وشركة الكواكب السورية الصينية.
واستخرجت الشركتان معاً ما يقرب من 104.000 برميل يومياً اعتباراً من عام 2010، وكانت تدير أكثر من 35 حقلاً منها التيم والعمر والورد والتنك التي تعرضت إلى ضربات من التحالف الدولي خلال المعارك ضد تنظيم الدولة في 2016.
وتنتهي تراخيص التشغيل لجميع هذه الحقول بين عامي 2018 و2024، وقد أبدت الشركات الروسية اهتماماً بالاستثمار فيها.
أما الشركة الصينية الثانية فهي شركة “سينوبك”، التي تعمل بموجب مشروع مشترك مع شركة عودة للنفط ومع حقول الشيخ منصور النفطية في الحسكة. وكان المشروع، الذي بدأ تشغيله عام 2008، ينتج نحو 20 ألف برميل يومياً عام 2010، وتبلغ حصة سينوبك 50%..
وأجبرت الحرب شركة “سينوبك” على إنهاء أنشطتها في سورية عام 2013، قبل أن تعود في يوليو/ تموز الماضي لتعيين مدير جديد لفرعها في سورية.
أما الشركة الصينية الثالثة هي شركة “سينوكيم”، التي “عملت بشكل أساسي في حقل اليوسفية النفطي بموجب مشروع مشترك مع شركة دجلة ابتداءً من عام 2003. واستخرجت شركة دجلة 24 ألف برميل يومياً في عام 2010، حيث تبلغ حصة سينوكيم 50%”.
وحسب تقديرات المركز فإن “الشركات الصينية كانت مسؤولة عن استخراج ما يقرب من 12% من إنتاج النفط السوري في عام 2010، بمعدل 46.380 من إجمالي 385.000 برميل يومياً”.
وفيما تضائلت كثيراً نشاطات الصين في سورية، بعد سنة 2011، فإن نظام الأسد يصنفها دائماً على أنها مع روسيا والصين “حكومات صديقة”، وبالتالي ستمنح الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار.
بعد ذلك أظهرت بكين بعض الاهتمام، وحضرت أكثر من 1000 شركة صينية المعرض التجاري الأول حول مشاريع إعادة الإعمار السورية في بكين، بينما تعهدت باستثمارات بقيمة ملياري دولار.
كما حضرت 200 شركة أخرى معرض دمشق التجاري الدولي سنة 2018، وكان هناك أيضاً بعض الاستثمار المحدود في قطاع السيارات السوري.
وخلال مقابلة للأسد مع قناة “فينيكس” في 2019، أكد أن “الصين تحديداً تقدم مساعدات في مجال إعادة الإعمار ولكن في الجانب الإنساني”.
وأبرز أوجه التقارب بين الصين ونظام الأسد من الناحية الاقتصادية، كان في يناير/ كانون الأول 2022، عندما وقعا اتفاقية لانضمام سورية إلى مبادرة “الحزام والطريق”.
والمبادرة تعرف باسم “طريق الحرير الجديد”، وهو مشروع صيني استراتيجي يمتد عبر مناطق مختلفة في القارات الأوروبية والآسيوية والأفريقية، ويتضمن شبكة من البنى التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات ومشاريع الطاقة والاتصالات.
اتفاقيات..و”حبر على ورق”
وعلى الرغم من إعلان الصين في مناسبات عديدة اهتمامها بالمساهمة في عملية إعادة بناء سورية، لكن يبدو أن الكثير من تلك الجهود اقتصرت على الخطابات والمشاريع الصغيرة وسط استمرار المراقبة الحذرة للوضع على الأرض.
وقدمت الصين وعوداً للاستثمار في سورية، خلال السنوات الخمس الماضية، لكن لم تنفذ نتيجة عدة عوامل حددها الباحث حايد حايد.
العامل الأول هو العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على نظام الأسد، التي تعرض الشركات الصينية للعقوبات في حال قررت الاستثمار في سورية، مؤكداً أن الصين قد تخاطر بالدخول إلى سورية والتعرض للعقوبات في حال وجدت الفوائد أكثر من المخاطر وهذا الأمر ليس محقق في السوق السورية.
العامل الثاني هو عدم وجود بيئة استثمارية في سورية مشجعة للأجانب، لعدة أسباب، منها فرض تعامل المستثمرين مع شخصيات محسوبة على النظام والدخول في شركات معهم، والثاني غياب القوانين التي تحمي المستثمرين في حال وجود خلافات مع الدولة السورية، والسبب الثالث مرتبط بالقوى الشرائية، وضعف السوق محليا إضافة إلى غلاء المواد الأولية وصعوبة تأمينها.
العامل الثالث مرتبط بالاستثمارات النفطية الصينية في سورية، وفي حال أرادت الصين العودة للاستثمار يتطلب ذلك الدخول في صراع مباشر مع المتنفذين الروس والإيرانيين، أو التفاوض مع الأكراد المدعومين من قبل الأمريكان في شرق سورية.
وأكد حايد أن الصين ليس لها مصلحة بالدخول في صراع مع روسيا وإيران في سورية، لأن الموارد النفطية خارج منطقة شمال شرق سورية، هي ضعيفة والفوائد منها غير متوافقة مع الأضرار والصعوبات التي تلاقيها.
أما الباحث في جامعة باريس رامي الخليفة العلي فأكد أن “الشبكات السياسية والاقتصادية الصينية لديها شروطها، وأهمها أن يكون هناك استقرار سياسي وأمني واقتصادي، وكل هذه التوصيفات بعيد كل البعد عن واقع الحال في سورية”.
من جانبه قال مدير “مركز الشرق للدراسات”، سمير التقي، أن دبلوماسيا صينياً أكد له إنه “لا يوجد اتفاقات قابلة للتطبيق في الوقت الحالي (مع النظام)، وكل ما يعلن هو بطلب من الجانب السوري، ولا يوجد لجان عملية لتنفيذ أي مذكرات أو مسودات يتم مناقشتها”.
هل الزيارة مثمرة؟
واعتبر العلي أن المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت بين الصين والنظام لا يمكن أن تجد طريقها إلى التنفيذ طالما الوضع في سوية على ما هو عليه، وبالتالي هي “ذات تأثير دعائي وسياسي محدود ولكن ليس لها تأثير على أرض الواقع”.
وأكد أن “الوضع في سورية بعد الزيارة لم يتغير عما قبله، لذلك لا يمكن وصف الزيارة بأنها مثمرة وإنما هي “حركة علاقات عامة أكثر من أن تكون ذات تأثير سياسي أو عسكري أو أمني أو استراتيجية أو أن تكون الزيارة خطوة لحل الأزمة السورية”.
أما الباحث المستشار في معهد “تشاتام هاوس”، حايد حايد، اعتبر أن “الزيارة كانت مثمرة سياسياً أما اقتصادياً فلا”.
في حين أكد مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، كرم الشعار، أن سقف توقعاته للزيارة كان منخفضاً، لكن ما حصل كان أقل من التوقعات.
ويقول الشعار لـ”السورية. نت” إن التوقعات كانت بالتوقيع على بعض الاتفاقيات واضحة المعالم، لكن لم يتم التوقيع على شي ذات قيمة، باستثناء وثائق التفاهم وهذا الأمر، لا يعكس شهية الصيني للاستثمار في سورية، ولا يوجد أي رغبة حقيقة”.
وأضاف أن “طبيعة الاستثمارات الصينية بالبلدان بشكل عام، تكون بالبنى التحتية، وهي قادرة على الاستثمار في سورية لكن لا تملك الرغبة بالقيام بأي استثمارات واضحة، بسبب حالة عدم الاستقرار، والتخوف من استثمارات غير واضحة المعالم.