6 سنوات على التهجير.. نشطاء حلب: مستمرون من أجل قضيتنا
قبل ست سنوات، وفي أيام باردة، دخلت باصات التهجير الخضراء إلى أحياء حلب الشرقية، بعد حربٍ دموية شنّها نظام الأسد وحليفه الروسي، خلال إطباقهما الحصار على أكثر من 50 ألف مدنيّ، واتباع سياسة الأرض المحروقة، على ما تبقى من أحيائها.
ست سنين تهجير ولسا بدنا حريّة#راجعين_يا_حلب#WeWillBeBackToAleppo#HalepeDöneceğiz pic.twitter.com/QGfgygT70V
— Safi Al-Hamam (@SafeHamam) December 15, 2022
وفي ديسمبر/كانون الأول من كل عام، تفتح ذكرى التهجير جراح أهالي المدينة، المشتتين بين مدن التهجير في الشمال السوري، وتركيا ودول اللجوء، مستعيدين آخر اللحظات، لأكبر عملية تهجير قسري شهدتها المناطق السورية، على يد النظام وروسيا وبمشاركة جماعات إيرانية.
ست سنوات ثقيلة مرت على التهجير القسري للمدنيين من مدينة #حلب، ذكريات لن تمحى وأرواح تأبى الاقتلاع من أرضها، وجريمة كشفت تخاذل المجتمع الدولي و فشل مجلس الأمن والأمم المتحدة بحماية المدنيين ووصمة عار لن تزول إلا بتحقق العدالة.#راجعين_يا_حلب#WeWillBeBackToAleppo#الخوذ_البيضاء pic.twitter.com/omMyf1ptia
— Raed Al Saleh ( رائد الصالح ) (@RaedAlSaleh3) December 15, 2022
“مستمرون من أجل قضيتنا”
مصطفى الساروت، ناشط إعلامي، غادر مدينته حلب، التي ولد وكبر فيها، بالباصات الخضراء، بعد أن وثقت عدسته، واحدة من أبشع المآسي الإنسانية التي مرّت بها سورية، نتيجة حرب النظام وروسيا، على حدّ تعبيره.
يقول لـ”السورية.نت”: “كانت تلك لحظات مغادرة المدينة، قسرياً بالباصات الخضراء، ساخنة لمرارتها وهول حملة القصف والتجويع التي اتّبعها النظام وروسيا على المدنيين، رغم برودتها، إذ إنني أغادر المدينة التي ربيت وكبرت بين شوارعها وأزقّتها”.
ويضيف: “عندما دخلت باصات التهجير، كانت اللحظات أكثر قساوةً ووطأةً من أيام القصف المدمّر على الأحياء السكنية بالطائرات الروسية، لأنّي شعرت أننا لن نشاهد حلب بعد اليوم”.
ويقول إنّ “أيام الحصار والجوع والقصف الشديد، كانت الأجمل رغم مرارتها، واليوم نتمنى أنا وأصدقائي المهجرين من المدينة، لو تعود، لكن ونحن في حلب”.
ويردف: “أكثر ما يحزّ في قلبي، هم الأصدقاء ورفاق الدرب الذين تركناهم تحت ثرى حلب.. فهناك قبر أمي، الذي حرمت من زيارته، منذ التهجير، وهذا يكفي للحسرة والشوق لتلك المدينة”.
ويعيش الساروت، منذ تهجيره في مدينة إدلب، ويعتبر أنّ “استمراري في العمل الإعلامي هو من أجل قضيتنا التي لا تتوقف على خسارة مدينة أو بلدة”.
ويردف: “أحلامنا أكبر من أي مدينة، نحن نطمح لتحرير كامل الأراضي السورية والوصول إلى حلم الحرية والخلاص من نظام الأسد”.
والساروت، رفض فرصة لجوء إلى فرنسا، ويقول حول ذلك: “قبولي في منحة اللجوء، تعني أني تركت سورية للأبد، وأنا لديّ أمل من الله، أن ننتصر ذات يوم”.
“بالتهجير ماتت حلب”
رياض الحسين، مصوّر في قناة تلفزيونية، يعمل من مدينة إدلب، يعتبر في حديثٍ لـ”السورية.نت”، أنّ “التهجير كان بمثابة موت لحلب في عيون الثوّار السوريين.. لأن بخروج الأهالي منها وسيطرة النظام وميليشياته الموالية فقدت روحها وتألقها وجمالها”.
يتحدّث الحسين، المنحدر من المدينة، والتي عايش فيها أفظع تفاصيل الجريمة الممنهجة على أحيائها وسكّانها، عن “مطامح سكان حلب في العمل على ازدهار المدينة والمساعي في إعادة عجلة الحياة إليها، رغم حملات القصف، على اعتبارها مشروع العمر والقضية الأولى، بعد سيطرة الثوّار على أجزاء كبيرة من أحيائها”.
يقول الحسين لـ”السورية.نت”، إنّ “المدينة اليوم، بلا روح، غريبة بشوارعها وحجارها، بعد احتلالها من الروس والإيرانيين، في وقتٍ يعجز ما تبقى من سكّانها الأصليين عن تأمين أدنى متطلبات الحياة من لقمة أكل، علاوةً على انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، وانعدام المحروقات”.
يربط الحسين، مآل المدينة إلى التهجير، بـ” التلاعب السياسي بقضية السوريين، وسقوط الأقنعة عن سياسيين اعتبروا مدناً سوريّة خطوطاً حمراء، فيما يهرولون اليوم للتقارب السياسي مع النظام والجلوس معه على طاولة الحوار”.
“إعادة المهجّرين لا تمثّل تطلعات السوريين”
يعتبر الحسين، أنّ “إعادة المهجّرين إلى مدنهم ومنازلهم لا تمثّل تطلعات الشعب السوري، لأن العودة إلى المنازل التي كنّا فيها ذات اليوم، ليست همّاً، المطلوب هو إعادة السلطة للشعب وعودة القرار له، وسقوط النظام وأركانه من أمن وجيش ومؤسسات قمعية وتمكين الديمقراطية”.
ويجدّ محدّثنا أنّ “وجودي على أرضٍ سورية، حتى اليوم، يعني أنّي قادر أن أساهم ولو بجزء يسير أن أقدّم لأعظم حدث عاشته البشرية في القرن الحادي والعشرين”.
“بحر من الدماء”
يصف نبيل شيخ عمر وهو ممرض، عمل في مستشفى القدس، آخر المستشفيات في أحياء الشرقية، الشهر الأخير من الحملة الروسية على حلب، بـ”بحر من الدماء”، لكثرة ضحايا القصف الروسي والنظامي على الأحياء السكنية.
يقول الحلبي لـ”السورية.نت”: “في يوم واحدٍ وصل لمستشفى القدس حوالي 80 شهيداً، و350 جريحاً.. لا يمكن الحديث عن مكان فارغ في المستشفى لكثرة عدد الضحايا، كانت تملأ أرض الطابق الأرضي، الممرّات، والمداخل، وأراضي الغرف، وفي كل مكان”.
ويعتبر أنّ “كثرة القصف الجنوني على المدينة، كان يعطينا قوة أكثر أحياناً، لأنه كان علينا التّماسك لإنقاذ العدد الأكبر من الأرواح، وفي الوقت ذاته، كان الهلع والخوف من فقد عزيز عليك ينغّص عملنا”.
ويروي أسوأ اللحظات، خلال عمله في المستشفى، حين استشهد أحد الكوادر الإسعافية بين يديه، في وقتٍ عجز فيه عن دفنه أو الصلاة عليه مع باقي الكادر الطبي نتيجة القصف، أو حتى تأمين سيارة إسعاف لنقله.
يقول حول هذه الحادثة: “انتظرنا والداه حتى وصلا المستشفى. مشهد نقله بدراجة على ثلاث عجلات. الأم على جانب والأب على جانب آخر، وجسد الشهيد في الخلف، لا يمكن أن يمحو من ذاكرتي.. شعور صعب ألا تعرف حتى إن كان والداه تمكّنا من دفنه أو وجدا مكاناً آمناً للدفن”.
وصل نبيل ورفاقه من الكادر الطبي إلى حالة انهيار، حين التوصّل لـ”اتفاق التهجير القسري”، يقول: “لا أعتقد أنا كنا قادرين على الاستمرار لشدة ضغط العمل نتيجة القصف المكثّف، وبدء نفاد المستلزمات الطبية الضرورية”.
“الشهر الكئيب”
باسم أيوبي، ناشط إعلامي من المدينة، صنع عدة أفلام وثق فيها أيام الحصار، وانتهى به المطاف لاجئاً في تركيا، بعد تهجيره القسري من حلب، يقول: المنفى ليس سهلاً وخاصةً هنا في تركيا، كل يوم هناك قرارات جديدة وتضييق على السوريين بشأن السفر والسكن والعمل والكثير من التي تعود بالنهاية لصالح الدولة، ولكنها تفتك بنا نحنو السوريين”.
الشاب أيوبي، رزق بطفلين اثنين في تركيا، ويعتبرهما “الحسنة الوحيدة” في مكان التهجير الجديد، وسط حربٍ مع الحياة لتأمين لقمة العيش وحياة كريمة لهما.
يقول في ذكرى التهجير السادسة لـ”السورية.نت”، “هذا الشهر كئيب بالنسبة لي ولكل الحلبيين، وبعد مرور أعوام على خروجنا ومصارعة الحياة في المنفى، كثيراً ما أشعر بالغيرة من أصدقائي الذين استشهدوا ودفنوا تحت تراب حلب”.
يعتبر أيوبي أنّ “الثورة غيّرت سقف طموحات الشباب التقليدية، كنت شاباً بأحلام تقليدية قبل الثورة، وبعدها صارت أحلامنا بوطن حر، أحلام نشعر بقيمتها لأننا نناضل من أجلها”.
“راجعين يا هوى”
كانت الصورة القادمة من حلب الشرقية، في أولى أيام التهجير، والعائدة لزوجين ودّعا مدينتهما أمام جدار كتب عليه “راجعين يا هوى”، لوحة مكثّفة تحكي عن حال المدينة.
مروة طالب، السيدة التي ظهرت في الصورة إلى جانب زوجها صالح حسناوي، في وداع مدينتهم حلب، تعيش ذكرى تهجيرها السادس في منفى عائلتها الجديد في فرنسا.
تقول مروة لـ”السورية.نت”: “لاقت الصورة رواجاً وشهرةً كبيرتين، لأن الصورة خرجت من قلبنا وتعبيراً لمشاعرنا حينها، لذلك وصلت إلى قلوب البشر”.
وعن كواليسها، تضيف مروة: “كانت الغاية أن نخفف الضغط عن أنفسنا ونواسي حالنا في هذه الفاجعة، فكتبنا العبارتين على الجدار”.
تفتقد مروة اليوم لمدينتها حلب، وتقول عن ذلك: “تمنيت لو أنني التقطت الصور لكل حارة وحجرة وزقاق وحي في حلب، حتى أعود إليها متى أشاء”.