فيما يشتدّ تفشّي وباء كورونا في مناطق شمال غرب سورية، تتجه الأنظار إلى القمة الروسية – التركية التي تعقد في سوتشي، في وقت لاحق من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، على وقع تصعيد روسي يهدف إلى فرض وقائع جديدة في المنطقة الأخيرة من مناطق ما يسمّى “خفض التصعيد”. إذ تعمد موسكو، بعد أن أحكمت قبضتها على مناطق الداخل، إلى وضع ترتيبات خاصة بالمناطق الطرفية (الحدودية) التي تقع خارج سيطرتها، في إطار تفاهمات ثنائية أو متعدّدة الأطراف مع دول الجوار. في جنوب غرب البلاد، تمكّنت موسكو، بالتنسيق مع الأردن (وإسرائيل)، من إنهاء العمل باتفاق 2018، وإعادة المنطقة إلى سيطرة النظام، تمهيداً لإعادة فتح الحدود كلياً مع الأردن والاستعداد لتنفيذ اتفاق نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سورية، والذي أجازته الولايات المتحدة.
وما إن أنهت موسكو ترتيب الأوضاع في جنوب غرب البلاد، حتى انتقل تركيزها إلى الشمال الذي تحكمه معادلات قوة مختلفة، والمرشّح لتطورات مهمة في المدى المنظور. في الشمال الغربي، تسعى روسيا الى إلزام تركيا بفتح الطريق الدولي “إم 4” الذي يربط بين حلب واللاذقية، بموجب اتفاق الخامس من مارس/ آذار 2020، ودفع قوات المعارضة إلى شمال الطريق. وتحاول روسيا هنا على ما يبدو تكرار سيناريو السيطرة على طريق “إم 5” الرابط بين حماة وحلب، مطلع عام 2020، إذا فشلت قمة سوتشي في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن. تبدو أهداف روسيا في هذه المرحلة محدودة، فهي على الأرجح لن تغامر بمعركةٍ شاملةٍ في إدلب تكون مكلفة سياسياً وعسكرياً، تضعها في مواجهةٍ مباشرة مع تركيا، كما حصل مطلع عام 2020، وتقوض الحوار الروسي – الأميركي الذي نجح في شهر يوليو/ تموز الماضي، بعد قمة بوتين – بايدن في جنيف، في الاتفاق على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى، كما أن حملة كبيرة في إدلب ستعرض العلاقات الروسية – الأوروبية لمزيد من التدهور، إذا حصلت موجة لجوء جديدة، فيما يصارع الجميع لاحتواء وباء كورونا. خلاف ذلك لا تريد روسيا، على ما يبدو، ولا هي مستعدّة، أقله الآن، لتحمل مسؤولية نحو أربعة ملايين سوري يعيشون في مناطق الشمال الغربي، فيما يمكن إبقاء العبء ملقىً على كاهل الأتراك والأمم المتحدة.
في الشمال الشرقي، تبدو الترتيبات أعقد قليلاً بالنسبة إلى الروس، بسبب وجود “جار” إضافي كبير، هو الولايات المتحدة، إلى جانب تركيا طبعاً. وفيما تتفق روسيا وتركيا في رغبتهما فدفع الولايات المتحدة للخروج من المنطقة، روسيا لأنها تريد عودة النظام ووضع يدها على ثروات المنطقة (نفط – غاز – قمح – قطن… إلخ)، حيث تسعى تركيا إلى القضاء على مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعدّها فرعاً لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل الانفصال في تركيا، فإنهما تختلفان على كل شيء آخر تقريباً. بالمثل، تختلف “قسد” والمعارضة السورية جوهرياً في الرؤى والمواقف، إلا أنهما تتمسّكان ببقاء الأميركيين في المنطقة.
وعلى الرغم من غياب ضغوط داخلية أو على الأرض، كما في أفغانستان، لسحب نحو 900 جندي أميركي من شرق سورية، إلا أن هذا الاحتمال لا يمكن شطبه نهائياً، في ظل توجه واشنطن إلى التركيز كلياً تقريباً على الصين. إذا حصل هذا، من غير الواضح الطرف الذي سيعمد الأميركيون إلى التنسيق معه لملء الفراغ، وتولي مهمة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشرق السوري: “الحليف” التركي الذي سيبطش بالأكراد، وقد كانوا ذراع واشنطن في محاربة “داعش”، ولهم أصدقاء كثر في إدارة بايدن، أم “الخصم” الروسي الذي يمكن لواشنطن أن تضمن معه للأكراد نوعاً ما من لامركزية إدارية في مناطقهم. هذه الهواجس هي ما دعت قيادة مجلس سورية الديموقراطية (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، والتنظيم الكردي الأبرز في مناطق شرق الفرات، إلى زيارة موسكو وفتح الأبواب معها، استباقاً لأي تطورات محتملة بهذا الاتجاه، بدل الاستمرار في الرهان على وفاء “الحليف” الأميركي، وانتظار اتضاح مصيرها في بازار المفاوضات الثلاثية الجارية بين موسكو وواشنطن وأنقرة، كما تفعل المعارضة السورية القابعة في إسطنبول، وغيرها، بانتظار معجزةٍ تنقذها من مصيرٍ يبدو، وفق أدائها، بائساً محتوماً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت