سورية في الاتفاق السعودي- الإيراني.. ملف أولوي أم ثانوي؟
يسود تفاؤل حذر في الشرق الأوسط بعد الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، عقب سنوات من العداء والتنافس على النفوذ والتأثير في ساحات المنطقة.
الاتفاق بين الغريمين الإقليمين، الذي جاء بشكل مفاجئ وُوصف بأنه “زلزال بالساحة السياسية” و”أهم حدث سياسي وإقليمي بالآونة الأخيرة”، فتح باب التحليلات والتساؤلات حول تأثيره على أزمات دول الشرق الأوسط، خاصة وأن كلا الدولتين يمتلكان من النفوذ ما جعلهما على صراع مستمر خلال السنوات الماضية.
ملفات كثيرة استعصت في المنطقة يُنتظر حلحلتها بعد الاتفاق بين الرياض وطهران، على الرغم من عدم وجود أي رؤية واضحة حتى الآن، إلى جانب أنه ما زال مبكراً الحديث عن تأثيرات فورية للاتفاق على المنطقة، حسب ما يرى محللون.
“اتفاق مفاجئ”
بعد جولات تفاوضية خلال الأشهر الماضية في العراق وعمان لم يكتب لها النجاح، فاجأ الراعي الصيني، الأسبوع الماضي، بالتوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران في خطوة لاقت ترحيباً عربياً ودولياً مقابل قلق أمريكي وإسرائيلي.
ونص الاتفاق على خمسة بنود هي “الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران”، و”احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، و “تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما الموقعة في 2001”.
إضافة إلى “بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي”، والاتفاق على عقد وزير خارجية البلدين اجتماعاً لتفعيل بنود الاتفاق وترتيب تبادل السفراء.
وكان التركيز على الاتفاقية الأمنية الموقعة في 2001، والتي نصت آنذاك على “مكافحة الإجرام والإرهاب وتبييض الأموال، ومراقبة الحدود والمياه الإقليمية بين البلدين لمنع التهريب”.
الاتفاق المفاجئ، الذي قد يخفف حدة التوتر بين البلدين، دفع محللين سياسيين لتحليل الأسباب التي دفعت الرياض إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع عدوها اللدود في المنطقة.
يعتبر الباحث السياسي المختص بالشؤون الإيرانية، محمود البازي، أن السعودية درست جدوى تطبيعها مع إيران وإسرائيل، التي تحشد وتصرح دوماً بإمكانية شن حرب عسكرية ضد طهران لإيقاف برنامجها النووي.
ويقول البازي لـ”السورية. نت” إن السعودية وجدت في تطبيعها مع إسرائيل “سباق تسلح وموازنة عسكرية بمليات الدولارات، والدخول في نزاع لا ناقة للسعودية فيه ولا جمل، ولا مظلة حماية أمريكية سواء ديمقراطية أو جمهورية وذلك استناداً إلى تجربة 2019 عندما رفضت إدارة ترامب الرد على ضرب منشآت أرامكو”.
أما على الطرف المقابل فإن تطبيع الرياض مع طهران يعتبر “نقل مساحة الصراع والتنافس من البعد العسكري إلى البعد الاقتصادي، والمضي قدماً في مشروع التنمية الاقتصادية والبشرية، والتحول إلى مكان آمن للاستثمار الخارجي، وتحول السعودية إلى مركز لتبادل الطاقة، وحل الملفات الخلافية في لبنان وسورية والعراق واليمن”.
“بيان مبهم”
وعلى الرغم من أن بنود البيان الثلاثي مبهمة ولم تتطرق إلى بؤر التوتر في المنطقة، إلا أنه تكشف لاحقاً عن إلقاء الاتفاق ظلاله على الملف اليمني، إذ نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن مسؤولين سعوديين وأمريكيين قولهم بإن “إيران وافقت على وقف إرسال شحنات الأسلحة إلى حلفائها الحوثيين في اليمن”.
واقتصر الحديث عقب الاتفاق على الملف اليمني فقط دون الملف السوري الذي اعتبرت وسائل إعلام وصحف أجنبية بأن الاتفاق سيلقي بظلاله على سورية.
وتعتبر إيران الداعم الأبرز لنظام الأسد منذ 2011، عسكرياً عبر زج ميليشياتها للقتال إلى جانب قوات الأسد، وسياسياً من خلال الدخول بمنصة “أستانة”، واقتصادياً من خلال تقديم الخطوط الائتمانية والمحروقات.
أما السعودية فكانت داعمة في وقت من الأوقات لفصائل المعارضة السورية، كما دعمت المعارضة سياسياً من خلال اجتماعات الرياض التي انبثقت عنها “هيئة التفاوض”، إلى جانب مطالبتها دائما بإيجاد حل سياسي وفق قرار الأم المتحدة 2254.
ورحب نظام الأسد بالاتفاق واعتبره، في بيان لوزير خارجيته، أنه “خطوة مهمة ستقود إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.
من جانبه رحب بشار الأسد، في مقابلة مع وكالة “روسيا اليوم”، بالاتفاق ووصفه بـ”الخطوة الإيجابية ومفاجأة رائعة”، معتبراً أنه “لا بد أن تنعكس إيجاباً على المنطقة”.
وقال المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، جمال رشدي، في تصريحات للصحفيين، إن “الجامعة تعتبر الاتفاق بين السعودية وإيران سيكون له انعكاساته على الوضع الإقليمي كله بما فيه الوضع في سورية”.
وكالة “فارس” الإيرانية في تقرير لها ذكرت أن إيران أخذت مصالح من تسميهم “محور المقاومة والممانعة”، واعتبرت أن “حلفاء طهران في سورية واليمن سيرون “فرصاً جديدة أمامهما من الآن فصاعدا في عملهما لتحقيق المصالح الوطنية”.
من جانبها اعتبرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن الاتفاق يمثل “خبراً رائعاً” لبشار الأسد وحزب الله اللبناني، قائلة “إن “الأسد وحزب الله يقومان حالياً بدراسة كيفية تحقيق مكاسب من هذا الاتفاق”.
أولوي أم ثانوي؟
ورغم توجه الأنظار إلى انعكاسات الاتفاق على ملفات المنطقة ومنها الملف السوري، إلا أن محللين قللوا من أهمية التأثير.
وحول تأثير الاتفاق على الملف السوري، اعتبر الأسد أن “السياسة السعودية اتخذت منحى مختلفاً تجاه دمشق منذ سنوات، ولم تتدخل في شؤون سورية الداخلية كما أنها لم تدعم أياً من الفصائل”.
الباحث السياسي المختص بالشؤون الإيرانية، محمود البازي، اعتبر أن هناك ثلاثة ملفات أهم من الملف السوري، كونه “ملف ثانوي للعديد من الدول”، ما يعني أن “أبعاد المصالحة الإيرانية السعودية على الملف السوري ستأخذ وقتا أطول”.
والملفات الثلاثة هي الملف اليمني وهو أولوية وضروري من أجل التفاهم والتوصل إلى حل نهائي، لأن “ذلك يؤثر على الأمن القومي السعودي”، والملف الثاني هو “الملف اللبناني في مسألة اختيار رئيس للبلاد”، ثم “الملف العراقي وضرورة ترسيم خريطة النفوذ”.
وأشار الباحث إلى أن الملف السوري يقع في النهاية، حيث “ستسعى طهران لتطبيع العلاقات السورية- السعودية، ومحاولة كسب الضوء الأخضر السعودي، لعودة سورية إلى الجامعة العربية”.
بدوره قال المحلل السياسي محمود علوش لـ”السورية. نت” إنه “من المبكر الحديث عن إمكانية أن يؤدي الاتفاق إلى تحول كبير في الوضع الإقليمي وحتى في العلاقات بين البلدين”.
واعتبر أن الاتفاق بين البلدين سيكون تأثيره محدود على الملف السوري لسببين: الأول أن السياق السعودي- الإيراني بالتأثير على المسألة السورية أضعف بكثير من السياق الأخر المتمثل بالسياق التركي- الإيراني- الروسي.
أما السبب الثاني يعود إلى أن دور السعودية في سورية ضعيف مقارنة بالدور الإيراني، مؤكداً أن “مثل هذه التحولات في العلاقات السعودية الإيرانية، لا يتوقع منها أن تؤدي إلى تغير جذري بالصراع في سورية”.
هل يقرب الاتفاق الرياض من دمشق؟
بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 من فبراير/ شباط الماضي، كان واضحاً التقارب العربي حيال نظام الأسد المعزول دولياً، كان أبرزها الموقف المستجد للسعودية التي ألمحت إلى إمكانية الحوار مع نظام الأسد.
وصرح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أكثر من مرة إنه “لا بد أن نجد مقاربة جديدة في سورية، وهذا سيتطلب لا محالة حوار مع الحكومة في دمشق”، في إشارة للنظام السوري.
واعتبر أن “زيادة التواصل مع سورية قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية”، “لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة”.
وجدد الوزير السعودي التأكيد على أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن “عزل سورية لا يجدي”، وأن “الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك”.
وسلط الاتفاق بين السعودية وإيران الضوء على إمكانية تسريع تقريب الرياض من طهران، وفتح أبوب الحوار مع نظام الأسد بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية، الأمر الذي يقلل من الهيمنة الإيرانية.
ويرى المحلل السياسي محمود علوش أن استعادة العلاقات الدبلوماسية ومحاولة بناء علاقة جديدة بين الرياض وطهران، قد تدفع بمسار المصالحة بين الرياض ونظام الأسد.
لكن هذا المسار قائم ما قبل الإعلان عن الاتفاقية، حسب علوش، إذ “شهدنا تحول في الخطاب السعودي تجاه دمشق، كما أن هناك رغبة للحوار مع دمشق ضمن بيئة متحولة عربية، تسعى لإعادة تشكيل الموقف في سورية”.
وحول تأثير لاتفاق السعودي الإيراني وانفتاح الرياض على دمشق على هيمنة طهرات وتواجدها، يرى البازي يرى أن سورية تعتبر “بعد استراتيجي” لإيران التي تحملت نفقات عالية جدا تقدر بنحو 30 مليار دولار بحسب عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، فلاحت بيشه.
واعتبر أن طهران أنفقت كل هذه الأموال من أجل الاقتراب أكثر من الحدود الإسرائيلية، و”تحقيق معادلة الردع ومنع إسرائيل من استهداف الأراضي الإيرانية، لأن سورية ولبنان وفلسطين هي مساحات للرد على أي اعتداء يمارس ضد الأراضي الإيرانية”.
أما المحلل السياسي حسن النيفي، اعتبر أن تخلي الأسد أو انفكاكه عن إيران هو “ضرب من الوهم”، بسبب العلاقة العضوية بين الطرفين من جهة، ولقدرة إيران على التحكم شبه المطلق بقرارات الأسد من جهة ثانية.
من جانبه يرى المحلل السياسي محمود الأفندي أن التخلي عن طهران يمكن أن يكون “تدريجياً” مثل سياسية حافظ الأسد الأب، الذي كان يعمل على الموازنة بين العلاقات العربية في سورية وبين التواجد الإيراني، مشيراً إلى أن الوجود الإيراني سيبقى موجوداً في سورية والخروج سيكون جزئياً وليس نهائياً.