“طالما السيد موجود ما حدا بجوع”. تلك جملة كتبت على لافتة وضعت على عربة لتوزيع أو بيع ربطات الخبز في بيروت التي عز فيها الخبز.
للتوضيح بالنسبة لغير اللبنانيين فإن السيد المقصود هو حسن نصرالله، زعيم حزب الله، ومن المؤكد أن “الضاحية الجنوبية” لبيروت هي المكان الذي رفعت فيه تلك اللافتة.
الخبز إذا صار مرتبطا بوجود السيد والولاء له. أما الموالون فصار عليهم أن يتذكروا دائما أنهم ما كان في إمكانهم أن يتناولوا الخبز في وجباتهم لولا السيد ولولا ولاؤهم له. فهم لذلك سيرون وجهه مطبوعا على كل رغيف خبز يضعونه على موائدهم. لقد كُتب لهم ذلك الرخاء لأنهم يتمتعون بالعيش في ظلال شجرة السيد المعطاء.
سيكون على شيعة لبنان أن يتذكروا أن الله قد ميزهم عن اللبنانيين حين وهب لهم السيد الذي مكنهم وجوده من الاستمرار في تناول الخبز، ولو لم يكونوا كذلك لانتهى حالهم إلى الانتحار جوعا، كما حدث للشاب اللبناني الذي أطلق الرصاص على رأسه وسط بيروت، بعد أن كتب على لافتة “أنا مش كافر بس الجوع كافر” وهي جملة مستعارة من زياد الرحباني.
تحققت نبوءة الرحباني الذي صار منذ سنوات من أكثر المؤمنين بالسيد تشددا.
كارثة لبنان الاقتصادية التي تم تبسيطها من خلال أزمة الخبز، التي وجد لها حزب الله حلا مذلا، هي عنوان للانهيار الحقيقي الذي يتعرض له لبنان، ويعيش اللبنانيون العاديون تفاصيله في حياتهم.
فليس الخبز وحده مفقودا. دخل اللبنانيون نفق المجاعة التي قد لا ينهيها أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو سواه من الجهات المصرفية العالمية. ما تعرض له النظام المصرفي اللبناني من عمليات فساد عبر سنوات طويلة ينعكس اليوم مباشرة على الحياة اليومية، بحيث وقفت الفوضى التي يمر بها سعر صرف الليرة اللبنانية حائلا دون أن يحصل اللبنانيون على غذائهم.
اتسعت دائرة الفقر، وصار على الفقراء الجدد أن يستفيدوا من مكرمة السيد، لكن بعد أن يتخلوا عن نزعتهم الوطنية، ويغادروا موقع كبريائهم الذي كانوا ينادون من خلاله باستعادة الدولة اللبنانية، التي خطفها حزب الله وجعلها مجرد ولاية تابعة لإيران ولوليها الفقيه.
لم يعد هناك من معنى للدولة اللبنانية، بعد أن صار السيد المتعهد الحصري الذي يتم من خلاله الحصول على الخبز. ولكن ماذا عن المواد الغذائية الأخرى والدواء والثياب وكل ما يحتاجه الإنسان في أدنى حدود حياته الضيقة؟ أعتقد أن السيد سيوسع من نطاق مكرمته في وقت قريب، إذا ما اطمئن إلى أن اللبنانيين قد عادوا إلى رشدهم، وصاروا شعبا مطيعا، خاضعا لإرادته.
ليس أمام اللبنانيين سوى خيارين؛ إما أن يجوعوا وإما أن يستسلموا لسلطة حزب الله، ويعلنوا عن تخليهم عن شغبهم الوطني، ويعترفوا بأن حسن نصرالله، الذي سبق لهم أن توجوه بلقب سيد المقاومة، هو ولي نعمتهم الذي لا يمكنهم سوى الوقوف معه في كل ما يرتكبه من حماقات.
لكن ما يعذب اللبنانيين سؤال يتعلق ببناء نظامهم الطائفي. فإذا كان حزب الله قد خطف شيعة لبنان، وصار يمرغهم في وحوله، فإن الأطراف السياسية اللبنانية الأخرى قد استسلمت بطريقة انبطاحية، بحيث صار خطف لبنان كله ممكنا، وهو ما يسر لحزب الله أن يستولي على السلطات الثلاث ليعيد من خلالها تشكيل النظام السياسي الذي لم يعد يمثل التركيبة اللبنانية إلا صوريا.
فمسيحيو لبنان هم شيعة مقنعون. كذلك سنته.
وهكذا أدار حزب الله الدولة واستنزفها إلى أن أعلنت المصارف عن عدم قدرتها على تلبية طلبات عملائها، وبالأخص على مستوى التعامل بالدولار. وهو ما جعل السيد وليا على الخبز.
نزل السيد إلى السوق وهو ما يشير إلى نهاية أسطورته. سيكون مخبزه العنوان الأخير لمقاومته.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت