يسود ترقبٌ في سورية، للخطوات الأولى التي ستتخذها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، حول الملف السوري بمختلف تشعباته، بعد أربع سنوات من تأرجح سياسية إدارة دونالد ترامب في سورية.
ومع اقتراب الأسبوع الثالث من وصول بايدن، إلى البيت الأبيض، وحتى اليوم الأحد، لم يتحدث حتى الآن عن سورية إطلاقاً، وغابت تصريحات إدارته الجديدة، بشأن الملف السوري، إلى جانب عدم اكتمال تشكيل فريق واشنطن، الذي سيكون مشرفاً على الملف السوري.
تعيينات محتملة
و خلال الأسبوع الماضي تحدثت بعض وسائل الإعلام الأمريكية، عن احتمالية مراجعة الإدارة الأمريكية الجديدة، بعض العقوبات المفروضة على نظام الأسد، تحت عنوان الوضع المعيشي ومواجهة فيروس كورونا في سورية.
وتزامن ذلك الحديث مع رسالة وجهها شخصيات سورية ولبنانية، سياسية ودينية، إلى الرئيسين الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، تحضهما على رفع العقوبات عن نظام الأسد، معتبرين أن العقوبات أسفرت عن تفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية في سورية وقلصت وصول المساعدات الإنسانية لمواجهة كورونا.
كما تزامن ذلك مع ورقةٍ كتبها مدير برنامج حل النزاعات في مركز “كارتر”، هرير بليان، والدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فلتمان، الذي تتحدث تخمينات عن وجود اتجاه في إدارة بايدن، لتعيينه مبعوثاً أمريكياً لسورية، وتتضمن الورقةُ رؤية لضرورة اتباع واشنطن، نهجاً جديداً في سورية، بما في ذلك منح النظام “حوافز” اذا قدم تنازلات.
وتحدث فلتمان وبليان في الورقة، عن السياسية الأمريكية السابقة بكونها “فاشلة”، وعن اتباع منهجية جديدة تقوم على “إعطاء الدبلوماسية لتعزيز المصالح” الأمريكية، معتبرين بأن العقوبات الاقتصادية بموجب قيصر ومعها العقوبات الأوروبية، أدت إلى “نقص حاد وأسهمت في انهيار الليرة السورية، لكن لم تغير سلوك النظام، إضافة إلى أن “العقوبــات المطبقــة علــى ســورية تــؤدي بشــكل غيــر مباشــر إلــى عواقــب إنسـانية كبيـرة مـن خـلال تعميـق وإطالـة بـؤس السـوريين العادييـن”.
فيلتمان عن سورية: ليست أولوية لبايدن وبقاء الأسد غير مضمون مستقبلاً
وجاء في الورقة، أن “عمليــة دبلوماســية جديــدة تهــدف إلــى تقديـم إطـار عمـل مفصـل لإشـراك الحكومـة الســورية فــي مجموعــة محــدودة مــن الخطـوات الملموسـة والقابلـة للتحقـق، والتـي فــي حــال تنفيذهــا، ســتقابلها مســاعدة موجهـة وإعـادة نظـر فـي العقوبـات مـن طـرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
و يقول الدكتور زكي لبابيدي رئيس المجلس السوري الأمريكي، بأن “هناك ضغطاً شديداً من قبل الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب بالكونغرس الأمريكي للنظر برفع العقوبات عن النظام، ويتسترون وراء رفع العقوبات بسبب كورونا”.
وأضاف لبابيدي لـ”السورية. نت” أن ذلك ليس بالجديد، ومع وصول الإدارة الجديدة تجددت المطالبات، لكن “في نفس الوقت، يوجد 150 نائباً من الحزب الجمهوري قدموا مشروع قرار بالكونغرس الماضي وسيتم تقديمه في المجلس الحالي، واحد من بنوده ممتاز، وهو تبني الولايات المتحدة الأمريكية سياسة رسمية هي إزاحة سفاح سورية ونظامه عن الحكم واستخدام كل الوسائل بما فيها الوسائل العسكرية لتحقيق الهدف”.
وفيما يخص عقوبات “قيصر”، اعتبر لبابيدي أن من الصعب إلغاء العقوبات أو تجميدها دون تصويت بمجلس النواب والشيوخ، مشيراً إلى أن “الإدارة ممكن تتباطأ بتطبيق القانون إلا أن ذلك يعتبر صعباً أيضاً، لأن أحد بنود قيصر هو تقديم الحكومة تقرير عن التطور ونتائج العقوبات على نظام وعصابة سورية”.
من جهته أكد ضياء الرويشدي، محاضر في القانون في كلية واشنطن، أن هناك نقطتين في قانون “قيصر” وهو نص القانون وتطبيقه، إذ أن القانون تم صدوره عن طريق الكونغرس، وتطبيقه عن طريق الرئيس الأمريكي ووزارة الخزانة.
لكن الرويشدي أضاف خلال حديثه لـ”السورية.نت”، أن هذا لا يعني أن الرئيس ليس لديه سلطة، ولا يلغي إمكانية تجميد إنفاذ العقوبات وإعادة النظر فيها.
إيران والتداعيات في سورية
وإلى جانب ذلك، اعتبر بعض المحللين، أن تعيين الرئيس الأمريكي الجديد، للدبلوماسي روبرت مالي، مبعوثاً لشؤون إيران، مؤشراً لما قد تتبعه السياسة الأمريكية حيال طهران، لكون روبرت مالي، يميل إلى احتواء إيران لا مواجهتها.
واعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” أن “عودة مالي إلى الحكومة لها أيضاً تداعيات هائلة على سورية”.
وأشارت الصحيفة في عددها الصادر، الخميس الماضي، إلى أن “سياسة مالي ستعارض داخلياً مرة أخرى فرض العقوبات على الأسد، ومساعدة المعارضة السورية”، وأن “جهوده للتفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي قد تدفع مرة أخرى بملف سورية إلى الوراء، وتؤدي إلى التقليل من شأن أنشطة إيران الخبيثة الأخرى، بما في ذلك جهودها لدعم الأسد ومشاركتها في الفظائع في سورية واستمرارها في نقل الصواريخ إلى حزب الله”.
ويعتبر مالي أحد عرابي الاتفاق النووي الإيراني في عهد باراك أوباما عندما كان يشغل منصب المستشار، في حين اعتبرت وكالة “بلومبيرغ” أن تعيين مالي هو “أول تخبط محتمل للسياسة الخارجية لبايدن”.
ملفات شائكة
وبعيداً عن الأسماء التي قد تلعب دوراً في السياسية الأمريكية في سورية، ستكون أمام بايدن وفريقه مجموعة من الملفات المتشابكة في سورية، مثل إدلب وشرق البلاد وكلاهما مرتبطٌ بتركيا وروسيا.
ففيما يتعلق بإدلب، كان المبعوث الأسبق إلى سورية، جيمس جيفري، قد قال، إن واشنطن “تضع عدم عودة حكومة النظام السوري إلى إدلب ضمن أدوات الضغط على دمشق، وهي تقدم دعماً لوجيستياً ودبلوماسياً لأنقرة لتحسين موقفها العسكري والتفاوضي مع موسكو”.
واعتبر المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، أنه “في حال حصول تغيير كبير على الأرض من نوع شن روسيا والنظام بشن عملية عسكرية في إدلب، في هذه الحالة ستجد إدارة بايدن نفسها مضطرة للمواجهة المباشرة وتغيير مقاربتها السورية، وستقدم الدعم الكبير لتركيا للتصدي لهذه العملية”.
وفيما يتعلق بشمال شرق سورية، فقد اشار المحلل التركي خلال حديثه لـ”السورية.نت”، إلى أنه “من المحتمل تفعيل اللجنة الدستورية للتوصل إلى حل سياسي قبل انتخابات الرئاسية الصيف المقبل، لكن المعضلة الأساسية تبقى هي إدخال الإدارة الذاتية في المفاوضات السياسية التي تجري في جنيف، التي سيعمل بايدن على دعمها، لكنه سيتعرض لانتقادات من تركيا التي ترفض مشاركتهم”.
ويرى شفان إبراهيم، الباحث السوري في الشأن الكردي، أن “الإدارة الذاتية” ترغب في “الدخول إلى اللجنة الدستورية، لكن دخولها بحاجة إلى إزالة الفيتو التركية وهذا يتطلب كيفية إرضاء تركيا”.
وأوضح إبراهيم أن “الإدارة الذاتية في شكلها الحالي وتركيبتها الحالية لا اعتقد ستنضم إلى أي مسار حل سياسي، لان عملية الانضمام تحتاج إلى شروط” وهي أن “تكون الإدارة تمثل وتعبر عن جميع مكونات المنطقة وبصيغة سورية واضحة”.
ولفت خلال حوارٍ مع “السورية.نت”، إلى أن “الدخول إلى مسار جنيف السياسي يعني حتماً قطع العلاقة مع دمشق وروسيا، وهو الأمر الذي لم تلجأ إليه الإدارة الذاتية حتى اليوم، وربما نشهد منصات معارضة أو أجساد سياسية معارضة جديدة على أنقاض الائتلاف وربما تشكل جبهة السلام والحرية، حجر أساس في ذلك لأنها تضم ثلاث قوميات وهناك مساعي لضم القومية الرابعة وهي التركمانية”.
تحالف واشنطن -أنقرة ..و”الادارة الذاتية”
يعتبر شفان إبراهيم بأن “أمريكا لن تتخلى عن تركيا لصالح القضية الكردية، وأمريكا لن تتخلى عن علاقاتها مع تركيا التي تبلغ مئة عام لأجل علاقة مع كُرد سورية التي تبلغ ست أو سبع سنوات، لذلك على كرد سورية أن يعوا جيداً”.
وبرأيه أن “الكرد لا يملكون قوى عسكرية ضاربة في وجه أي قوة عسكرية في المنطقة كتركيا على سبيل المثال، لذلك التعاطي الجديد سيبكون مرهون بمدى جدية الإدارة الذاتية بتنفيذ الشروط الأمريكية، كون واشنطن هي من تملي الشروط والإملاءات وليس العكس، وعلى الإدارة أن تعي جيداً أنه لا يمكن لأحد أن يكون مع روسيا وأمريكا في وقت واحد”.
وتوقع إبراهيم، أن يكون هناك محاولات من الجانب الأمريكي لردم الهوة بين “الإدارة الذاتية” وتركيا والمعارضة السورية، وهذا الأمر يتطلب إزالة الخلافات بين الإدارة والمجلس الوطني وكل المكونات الأخرى من عرب وتركمان، وتكون هناك إدارة جديدة تمثل تطلعات أبناء المنطقة بعيداً عن وجود هويات عابرة للحدود.
فـ” الأمر مرهون بمدى استجابة الإدارة الذاتية لشروط أمريكا وأيضاً مدى جدية بايدن بحل الملف السوري وتسريع تنفيذ القرار 2254، كونه لا يمكن حل القضية الكردية بمعزل عن القضية السورية بشكل عام” حسب ابراهيم.
أما المحلل التركي عودة أوغلو، الذي يتوقع عدم حدوث تغيير كبير في تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الملف السوري، فإنه يشير إلى احتمالية حدوث تغيير في الاستراتيجية الأمريكية حيال الشأن الكردي.
إلا أنه في الوقت نفسه اعتبر أن “استمرار الدعم الأمريكي لقوات قسد سيزيد من التباعد مع تركيا، أي بين الحليفين في حلف الناتو”، مشيراً إلى “التعيينات الأمريكية الجديدة المعروفة بمعارضتها للتدخل التركي في شرق الفرات”.
وكان بايدن عين مؤخراً، شخصيات في فريقه عرفت برفضها لأي تدخل تركي في شرق الفرات، ومن هذه الأسماء بريت ماكغورك، الذي عُيّن مسؤولاً لإدارة ملف الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس الأمن القومي.
وحول شكل المسار السياسي في سورية عموماً، قال الدبلوماسي السوري السابق، المقيم في واشنطن، بسام بربندي، إنه وحسبما يتم تداوله في الأوساط السياسية بواشنطن، فإن الإدارة الجديدة قد تتعاون مع فكرة المبعوث الدولي إلى سورية، غير بيدرسون، حول ضم المجموعة المصغرة، التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ومصر والسعودية والأردن، مع مجموعة أستانة التي تضم تركيا وروسيا وإيران.
وأشار بربندي في حديثه لـ”السورية.نت”، إلى أن “واشنطن تعتبر إيران جزء من الحل في سورية ويجب أن تكون موجودة على الطاولة، وهي جزء من المبادرة تجاه طهران”، مضيفاً أن “الإدارة الجديدة أكثر تقبلاً بأن تكون إيران موجودة بالحوار لحل الأزمة السورية”.