بين الفترة والأخرى تشهد مناطق ريف حلب الشمالي، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، صفقات تبادل بين “الجيش الوطني السوري” من جهة، ونظام الأسد من جهة أخرى.
وبرزت الصفقات على أرض الواقع بناء على الظروف المفروضة بعد عشر سنوات من القتال، ولا يمكن ربطها بملف المعتقلين الأساسي، بل تعتبر “فردية” بحسب الأشخاص القائمين عليها والميسيرين لخطواتها.
ومنذ يومين أعلن “الجيش الوطني” عن عملية تبادل ليست الأولى من نوعها مع نظام الأسد، بل سبقتها عشرات العمليات، والتي كان مسرح “الاستلام والتسليم” فيها معبر أبو الزندين.
وفي تفاصيل العملية، أفرج نظام الأسد عن عائلة ضابط منشق عنه، حيث تم تسليم زوجة الضابط واثنين من أولاده وشخص آخر لفصائل المعارضة، مقابل إفراج الأخيرة عن خمسة عسكريين في قوات الأسد والمليشيات المساندة لها.
وبحسب ما ذكرت مصادر إعلامية لموقع “السورية نت”، فإن المفرج عنهم من جانب النظام، هم نسرين وانلي وابنيها محمد وشيفان سنبكي، والذين اعتُقلوا عام 2012 بعد انشقاق والدهما عن قوات الأسد، كما أفرج النظام عن الشاب يوسف حياني الذي اعتُقل عام 2017 على إحدى جبهات المعارك في الشمال السوري.
فيما أفرجت فصائل المعارضة عن خمسة عسكريين من قوات الأسد، كانت قد اعتقلتهم خلال معارك سابقة، بالإضافة إلى تسليم جثة أحد الجنود للنظام.
من هم أطراف التفاوض؟
تجري الصفقات بين طرفين، الأول من جانب “الجيش الوطني” ويتصدره القيادي علاء الدين أيوب (الفاروق أبو بكر)، أما من جانب نظام الأسد فهناك “مفاوض مدني” لم تُكشف هويته، سواء من قبل فصائل المعارضة أو النظام نفسه.
ويقول القيادي أيوب في تصريحات لموقع “السورية.نت”، إن “صفقات التبادل لا تتم بشكل رسمي ومباشر مع نظام الأسد. من طرف الجيش الوطني يكون التفاوض من قِبلي، ومن جانب نظام الأسد هناك مفاوض مدني”.
ويضيف أيوب: “المفاوض المدني مفوض من نظام الأسد بشكل رسمي من بعض الأفرع الأمنية التابعة له”.
وكل فرع أمني سواء “المخابرات الجوية” أو “الأمن العسكري” وغيرها يعمل بشكل منفصل عن الآخر.
ويوضح القيادي المحسوب على “لواء المعتصم”: “هذا الأمر يعود إلى توزع المعتقلين على كافة الأفرع الأمنية في سورية. وهناك أيضاً معتقلين لدى الميليشيات الإيرانية”.
كيف يبدأ التفاوض؟
وتعتبر فصائل المعارضة أن عمليات التبادل تلك، تندرج ضمن تفاهمات “أستانة” وبين “الدول الضامنة” وهي روسيا وتركيا وإيران.
ولا تقتصر عمليات التبادل على “الجيش الوطني” فقط، إذ سبق أن أجرت “هيئة تحرير الشام” والفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين” صفقات مماثلة مع قوات الأسد والمليشيات الإيرانية الساندة لها، كان آخرها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تم خلالها الإفراج عن عنصر من فصيل “أنصار الإسلام”، مقابل عنصر تابع لقوات الأسد.
وفيما يخص صفقات التبادل في ريف حلب يوضح القيادي في “الجيش الوطني”، الفاروق أبو بكر لـ”السورية.نت”، أن الصفقات تبدأ بعملية تفاوض على عدد من الأسماء، سواء تلك التي يطلبها مفاوض نظام الأسد أو التي “أعرضها نيابة عن الجيش الوطني”.
ويتابع: “نعرضُ على المفاوض المدني الموكل عن نظام الأسد أسماء المعتقلين الذين نريد الإفراج عنهم. هو أيضاً يعرض أسماء الأسرى لدينا لتبدأ مرحلة المفاوضات هنا عن العدد والنوع”.
كيف يتم انتقاء الأسماء؟
بحسب ما تقول مصادر إعلامية من ريف حلب، فإن المفرج عنهم في صفقات “التبادل” التي تمت حتى الآن عادة ما يكونون من أقارب قادة في الفصائل، أو ممن اعتُقلوا لأسباب لا تتعلق بالرأي، أو من الذين تم اعتقالهم لمدة قصيرة.
وأوضحت المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها لـ”السورية.نت” أنه غالباً ما يقوم نظام الأسد باختيار المفرج عنهم ورفض القائمة التي تقدمها المعارضة، والتي جُمعت بالأصل “بطريقة غير واضحة”، دون أن يتم التواصل فيها مع المنظمات الحقوقية المعنية والمطّلعة على توثيق قضايا المعتقلين.
ما سبق يتطابق مع حديث القيادي، الفاروق أبو بكر، والذي يقول في سياق حديثه: “الكثير من الأسماء نرفعها لمفاوض نظام الأسد، ولا يأتينا منها إلا القليل”.
ويتابع: “رفعت لأكثر من 3 مرات قوام أسماء تتضمن كل واحد 60 اسماً. في كل مرة يأتينا الرد بوجود 3 أشخاص أحياء فقط والباقي استشهدوا في السجون”.
ويشير الفاروق أبو بكر رداً على سؤال يتعلق بعدد “صفقات التبادل” إلى أنها “كثيرة”.
ويضيف: “كنت سابقاً أخوض مفاوضات وأنفذ عمليات تبادل مع تنظيم داعش وقسد، لكن حالياً اقتصرت التبادلات مع نظام الأسد، بسبب إنهاء تنظيم داعش وتغير الظروف شمال شرق سورية”.
ما دور الروس والأتراك؟
رغم غياب أي تعليقات من جانب روسيا وتركيا حول “صفقات التبادل” الحالية في ريف حلب الشمالي، إلا أنها كانت حاضرة في بداية طرحها والعمل بها، في عام 2018.
وجاء في البند العاشر من البيان الختامي للجولة الـ 11 من محادثات “أستانة” 28 و29 من تشرين الثاني/نوفمبر 2018 الترحيب بـ “التجربة الناجحة” لإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين في إطار عمل “مجموعة العمل”، وتسليم الجثث وتحديد المفقودين.
واعتبر البيان أن إطلاق سراح معتقلين في 24 أكتوبر/تشرين الثاني 2018 (الصفقة الأولى للتبادل) شكّل تقدماً في معايير بناء الثقة بين الأطراف السورية، للإسهام في دعم العملية السياسية وتطبيع الواقع على الأرض، مع التأكيد على الالتزام بتقدم مستمر في جهود “مجموعة العمل”.
تحذيرات
وسبق وأن نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريراً حول تبادل الأسرى حمل عنوان: “تبادل المقاتلين لا يحل أزمة عشرات آلاف المعتقلين والمفقودين في سورية“.
وبينت المنظمة الحقوقية في التقرير أن الآليات التي تمت بها معظم الصفقات التي قاموا بمتابعتها كانت لها علاقة بأشخاص معينين أو قادة أو أشخاص قريبين من قادة معينين.
كما لعبت المحسوبيات دوراً كبيراً في تحديد الأشخاص الذين تمت المبادلة عليهم، فعندما كان يتم الحديث عن قرب صفقة أو مبادلة ما، كانت تنشط “السوق السوداء” المرافقة للعملية، إذ كان الأهالي يسارعون إلى دفع مبالغ نقدية كبيرة من أجل وضع أسماء أبنائهم في الصفقة.
ورافقت العديد من عمليات التبادل سلسلة من عمليات الابتزاز المالي لأهالي المعتقلين والمفقودين، بحسب المنظمة الحقوقية خاصةً من قبل أشخاص كانوا يدّعون أنهم يستطيعون الإفراج عن أبنائهم وبناتهم بمجرّد وضع اسمهم في قوائم التبادل.
وفي أحيانٍ أخرى لعبت صلة القرابة والمعرفة دوراً في تحديد الأشخاص الذين سيتم الإفراج عنهم، وكان يتم الزج ببعض الأسماء لمدنيين عاديين من أجل التغطية على أسماء مهمة أخرى في الصفقة.
واعتبرت المنظمة أنّ عدم الوضوح والشفافيّة في الإشارة إلى قضيّة المعتقلين والمختفين في سورية وفقاً للقوانين الدوليّة المطبّقة فيها، وعدم ذكر الجهات التي تقوم بذلك بشكل واضح، يشجّع بطريقة أو بأخرى على حدوث عمليّات خطف واعتقال تعسّفي بحقّ مدنيّين وبشكل مسبق من أجل مبادلتهم لاحقاً.
“مالا يدرك كله”
لكن في المقابل ينظر ناشطون سوريون إلى “صفقات التبادل” هذه بـ”إيجابية”، من بوابة “ما لا يُدرك كُله لا يُترك جلُه”.
ويقولون أنصار هذا الرأي، أن كل الجهود و المحادثات والمفاوضات بين الدول الفاعلة في الملف السوري، فشلت في إيجاد حلول ولو جزئية في مأساة المعتقلين، وأن الجهود “الفردية” في “صفقات التبادل” على محدوديتها، استطاعت إطلاق سراح بعض الأشخاص وإنهاء مأساتهم، رغم أن عشرات الآلاف مازالوا قيد الاعتقال في سجون الأسد.