كشف ضباط إسرائيليون للمرة الأولى تفاصيل المواجهة مع “الحرس الثوري” الإيراني داخل سورية، وآلية الضربات التي تنفذها إسرائيل بشكل متتابع، ضمن إطار ما يسمى بـ”المعركة بين الحروب”.
ونشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” تقريراً، اليوم الاثنين، تحدثت فيه مع الضباط الذين “يشاركون في الجهود السرية لمنع إيران من إنشاء موطئ قدم في سورية”، واستعرضت مساراً زمنياً للكثير من الضربات التي تم تنفيذها سابقاً، ومنذ مطلع عام 2023.
وتكشف الهجمات الإسرائيلية المتواصلة داخل سورية “عن المنافسة الشديدة التي تجري بشكل شبه سري بين إيران وإسرائيل”، حسب الصحيفة.
وتقول إن “الأولى تسعى إلى كل الوسائل الممكنة لتسليح وكلائها لتهديد إسرائيل؛ والأخيرة تبحث عن كل الوسائل الممكنة لإحباط هذا التهديد قبل أن يصبح وشيكاً”.
وتضيف أنه “وفي هذه المنافسة تحتفظ إسرائيل في الغالب باليد العليا، الأمر الذي يتطلب جهوداً استخباراتية وعسكرية هائلة”.
وبحسب بيانات “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، نفذت إسرائيل 32 غارة جوية في سوريا عام 2022.
واستهدفت العديد من الغارات الجوية أهدافاً متعددة في مواقع مختلفة، من بينها المطارات.
18 من هذه الضربات كانت في دمشق والمنطقة المحيطة بها، و5 في منطقة القنيطرة في هضبة الجولان، و4 في منطقة حماة، واثنتان في مدينة طرطوس الساحلية واثنتان في حلب، واثنتان في حمص وواحدة في منطقة دير الزور شرقي سورية.
ومنذ بداية عام 2023، كانت هناك 22 غارة جوية إسرائيلية موثقة في سورية، وغالباً ما أصابت أهدافاً متعددة في كل هجوم.
“تعلم مستمر”
ويقول الرائد “أ”، رئيس قسم التعزيز في قسم الأبحاث في مديرية الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي لـ”يسرائيل هيوم” إن “إيران وإسرائيل منخرطتان في منافسة تعليمية مستمرة”.
ويضيف: “يهدف الإيرانيون إلى نقل أكبر عدد ممكن من أنواع الأسلحة المختلفة إلى الساحة الشمالية، حتى يتمكنوا من تهديد إسرائيل في الأوقات الروتينية وحالات الطوارئ”.
ويتم تنفيذ عمليات النقل بكل الطرق الممكنة بالنسبة لهم، ويتابع الضابط الإسرائيلي: “مهمتنا هي أن نبقى متقدمين عليهم بخطوة واحدة على الأقل، الأمر الذي يتطلب منا التكيف معهم. هذه منافسة تعليمية مستمرة”، حسب تعبيره.
وتجري الأنشطة الرئيسية لكلا الجانبين في المجال الجوي، حيث تنقل إيران الأسلحة وتعترضها إسرائيل.
وحتى بداية “الحملة بين الحروب” كانت الأسلحة تُنقل علناً، لكن منذ ذلك الحين، أجبرت الغارات الجوية الإسرائيلية إيران على استخدام أساليب ووسائل مختلفة لتجنب الهجمات الإسرائيلية.
وكان الهدف الأولي للرحلات الجوية والتحويلات هو مطار دمشق الدولي.
وتشير الصحيفة إلى أن “الإيرانيون سعوا إلى استغلال المطار لأغراضهم، حيث سيطروا على منشأة بأكملها، وقاموا ببناء مستودعات وقاعات للإقامة”.
وكان المبنى الأكثر شهرة في المبنى هو “البيت الزجاجي”، الذي كان بمثابة مقر لـ”فيلق القدس” في المطار، وتعرض للهجوم لأول مرة في نوفمبر 2020، وتعرض لعدة ضربات منذ ذلك الحين.
وتم استهداف مطار دمشق الدولي عدة مرات، وفي كل مرة كانت إسرائيل تصعد من ردها، حتى أنها تضرب مدارج الطائرات لعرقلة حركة المطار.
ويضيف الرائد “أ”: “حتى منتصف عام 2022، استخدمت إيران في المقام الأول رحلات الشحن، ويمكن لكل طائرة من هذا النوع أن تحمل حوالي 100 طن من الأسلحة إلى سورية”.
وكانت الأسلحة متنوعة، وتضمنت صواريخ وقذائف متطورة (أو أجزائها)، وأنظمة دفاع جوي، ومختلف المكونات المستخدمة في هذه الأنظمة، وطائرات بدون طيار، وأسلحة أخرى عديدة.
“إن سلسلة الغارات الجوية التي شنتها القوات الجوية الإسرائيلية، والتي تم الإبلاغ عن بعضها هنا دفعت الإيرانيين إلى تغيير أساليبهم قبل عام تقريباً”.
بعد ذلك، تابع الضابط الإسرائيلي أن “رحلات الشحن لم تعد تُستخدم وبدأ الإيرانيون في استخدام رحلات الركاب بدلاً من ذلك”.
وتوفر رحلات الركاب ميزة وعيوب واضحة لطهران، حسب “يسرائيل هيوم”.
الميزة هي أنها تسمح لإيران بالتهرب من التهديدات الإسرائيلية، لأنها تعلم أن إسرائيل لن تهاجم طائرة ركاب.
لكن “العيب”، وفق تعبيرها أن رحلات الركاب لا يمكنها أن تحمل إلا كمية صغيرة نسبياً من الأسلحة، وهناك دائماً خطر دائم يتمثل في أن انفجار الأسلحة أو المواد، ما يسبب ضرراً للطائرة وركابها.
ويتم أحياناً نقل الأسلحة نفسها داخل عنابر الطائرات، بينما في حالات أخرى، يتم تهريب مكونات صغيرة أو فريدة من نوعها كحقائب محمولة.
وتختلف وجهات الرحلات أيضاً كجزء من جهود إيران لتجنب اكتشافها.
وبعد سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي عطلت الرحلات الجوية إلى مطار دمشق الدولي، بدأ الإيرانيون بمحاولة تهريب الأسلحة عبر مطار حلب الدولي ومواقع أخرى في سورية، والتي تعرضت جميعها لأضرار من الغارات الجوية في العام الماضي.
“شركات على الخط”
ويكشف فحص أجرته الصحيفة الإسرائيلية عن وتيرة وتنوع الرحلات الجوية المدنية بين إيران وسورية.
إذ تسير شركة “ماهان إير” الإيرانية، أيام الأحد، رحلات منتظمة إلى دمشق.
وتسيّر شركة “ميراج للطيران” رحلات منتظمة إلى دمشق أيام الاثنين.
وتنطلق يوم الثلاثاء رحلات طيران “أجنحة الشام” و”طيران قزوين” إلى العاصمة السورية.
وفي أيام الأربعاء، تسير شركة “ماهان” للطيران رحلات إلى مطار النيرب بحلب.
وفي أيام الخميس، تقوم “أجنحة الشام” بتسيير رحلة أخرى إلى دمشق.
وتسمح هذه الرحلات الجوية المنتظمة بالعبور المتكرر لأعضاء “الحرس الثوري الإيراني” ووكلائهم، فضلاً عن نقل الأسلحة والمواد الأخرى التي يحملونها.
ويقول الملازم “ج”، وهو رئيس الفريق المسؤول عن إحباط تهريب الأسلحة من إيران: “يشتري فيلق القدس مساحة للأمتعة على هذه الرحلات”.
ويضيف: “بشكل عام، تُستخدم رحلات الشحن لنقل الأسلحة المجمعة بالكامل على الرغم من المخاطر التي تتعرض لها الطائرة”.
وتُستخدم رحلات الركاب في المقام الأول لنقل المكونات المختلفة، وتتجه الغالبية العظمى من هذه الرحلات إلى سورية، وبعضها متجه إلى لبنان.
ويتابع الضابط الإسرائيلي: “الإيرانيون يفضلون العمل في سورية لتجنب تعريض لبنان للخطر”.
وتحدث الضباط للصحيفة كيف استغلت إيران كارثة زلزال فبراير الماضي، وقالت إنها “وفي الرحلات الجوية التي تحمل المساعدات الإنسانية التي أرسلتها إلى سورية قامت بتحميل أسلحة ومكونات مختلفة أيضاً”.
وذلك ما دفع إسرائيل لتنفيذ غارات جوية على منشآت تخزين الأسلحة، وقال الضابط “ج”: “لحظة إغلاق الطريق الإنساني عاد الإيرانيون إلى استخدام رحلات الركاب”.
وأضاف: “وفي الوقت نفسه، واصلوا البحث عن طرق جديدة. ومن بين الأساليب الأخرى يستخدمون تهريب الأسلحة إلى الجيش السوري لتهريب الأسلحة إلى حزب الله ووكلائه في سورية أيضاً”.
وكقاعدة عامة، لا يعلق الجيش الإسرائيلي على ضربات محددة في سورية.
لكنه أقر مؤخراً بشن مئات الغارات ضد الجماعات المدعومة من إيران، التي تحاول الحصول على موطئ قدم في البلاد على مدى العقد الماضي.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يهاجم أيضاً شحنات أسلحة يعتقد أنها متجهة إلى تلك الجماعات، وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني.